البيان الصادر من البرلمان الأوربي عن تردي الأوضاع السياسية والحقوقية والإنسانية وحرية الرأي والتعبير، أربك حسابات النظام المصري، خاصة أنه جاء قبيل عقد المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، الذي يستهدف جذب الاستثمارات الغربية، وقبل الانتخابات البرلمانية، التي أعلنت القوى السياسية والوطنية والثورية الرافضة للانقلاب، مقاطعتها وعدم المشاركة فيها، فالنظام القائم استهجن بشدة ما جاء في البيان الأوربي واعتبره مخالفاً للواقع.
الإفراج فوراً عن المعتقلين
فقد أعرب البرلمان الأوروبي في بيانه عن "قلقه الشديد من القيود المفروضة على الحقوق الأساسية، لا سيما حرية التعبير وتشكيل الجمعيات والاجتماع والتعددية السياسية وسيادة القانون في مصر". ودعا إلى "الإفراج فوراً ودون شروط عن كل معتقلي الرأي" بمن فيهم عناصر جماعة الإخوان المسلمين،، وقد طالبت بعض القوى السياسية عدم الاعتماد على مثل تلك البيانات، ووصفتها بـ" البراقة والخداعة"، وقال نائب رئيس حزب الوطن الدكتور يسري حماد في حديث لـ"عربي21": "الغرب كان الداعم لنظام مبارك وسياساته القمعية، وأخذ موقفاً متوجساً من ثورة 25يناير، وأيد
الانقلاب العسكري على خيارات الشعب المصري، وأن الانقلاب تمت إدارته من داخل السفارة الأمريكية بالقاهرة بواسطة السفيرة آن باتريسون التي نفذت مخطط بلادها بدقة "، ورأى حماد أن البيان الأوروبي لم يأت بجديد، ولكنه يحمل رسالة مفادها ليس هناك دعم للانقلاب إلى ما لا نهاية، وأضاف: "أعتقد أن هناك اتفاقاً يقضي بتأييد الغرب والولايات المتحدة للانقلاب مقابل دمج الجميع في العملية السياسية، وضمان عدم عودة نظام مبارك، وتحقيق قدر من الديمقراطية، ولكن الجانب المصري لم يلتزم بالاتفاق".
لن يشاركوا في مراقبة الانتخابات
من جهته قال النائب البرلماني والقيادي في جماعة الإخوان الدكتور محمد جمال حشمت في حديث لـ"عربي21": "هذا البيان نتيجة موثقة للتواصل مع البرلمان الأوروبي، من خلال لجنة العلاقات الخارجية الخاصة بالبرلمان، ولولا حادث باريس الأخير لكان أقوى من ذلك"، واعتبر "حشمت" أن "التشكيك في انتخابات الرئاسة التي جرت في مصر العام الماضي جاءت متأخرة، ولكنهم لن يشاركوا في إرسال بعثة مراقبين في الانتخابات البرلمانية، لأن ذلك قد يسيء بشكل خطير إلى مصداقيتها".
الغرب يغسل يديه من جرائم السيسي
فيما ذهب البعض إلى أن الغرب يغسل يديه من جرائم النظام المصري، وقال منسق حركة قوميون وناصريون ضد الانقلاب سيد أمين لـ"عربي21" :" أصبحت هناك قناعات لدى الغرب بفشل الانقلاب في جلب الاستقرار، بالرغم من الدعم الذي توفر له"، وأكد أن "هذا القرار يضع الحكومات الأوروبية أمام مسؤوليتها، وهو ورقة ضغط تمارس على مصر وقتما شاؤوا " متوقعاً أن يبدأ
الاتحاد الأوروبي في تغيير مسلكه"؛ إذ لا يمكنه التنصل من مسؤوليته الأخلاقية إزاء الجرائم التي تقع بمباركته، وضرورة انتهاج نهج جديد يعبر عن أطياف الشعب المصري جميعها".
مؤشر لمرحلة جديدة
فيما استهجن مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، رد النظام المصري على القرار الأوروبي واصفاً إياه بنفس ردود نظام مبارك، وقال في حديث لـ"عربي21": "رجال هذا النظام امتداد لنظام مبارك بأكاذيبه وشخوصه، ولم يكن ردهم موجهاً للاتحاد الأوربي الذي لن يصدقهم في مزاعمهم إنما لإرضاء "السيسي و"رغباته".
من جهته اعتبر أمين عام صحفيون ضد الانقلاب أحمد عبدالعزيز، أن البيان يصب في مصلحة رافضي الانقلاب ويدعم حديثهم عن حقيقية الأوضاع في مصر، وهو مؤشر لمرحلة جديدة قد تتبع مع النظام المصري، لكنه عد قرار البرلمان الأوروبي غير كاف بعد عام ونصف من التأييد والانحياز للانقلاب العسكري، داعياً إلى "ترجمة تلك القرارات إلى أفعال تتخذ بحق المسؤولين والمتورطين في الجرائم التي ارتكبت طوال عام ونصف العام".
تغير في نهج المؤيدين للانقلاب
واعتبر القيادي في حزب الكرامة أمين اسكندر أن الواقع على الأرض يغني عن بيانات
أوروبا كلها، ودلل على ذلك بالإفراج عن خالد القزاز مستشار الرئيس محمد مرسي بعد احتجازه لـ18 شهراً، دون توجيه له أي تهمة مما يؤكد: "أن الحبس الاحتياطي أصبح أخطر من قانون الطوارئ"، مشيراً إلى وجود آلاف المعتقلين في السجون يمارس بحقهم التعذيب، واستمرار سياسة الشرطة في الأقسام الأمنية: "حزب المصالح يحكم منذ عهد السادات إلى اليوم، وهم كبار رجال الجيش والشرطة والقضاء والأعمال".
شعارات السيسي..!!
وتساءل عما تم تحقيقه من الشعارين اللذين رفعهما "السيسي"، الأول: تثبيت أركان الدولة، والثاني: محاربة الإرهاب، وأجاب : "لا شيء تحقق منهما، فلا يوجد تنمية ولا اقتصاد ولا تحسن في مستوى المعيشة لتثبيت دعائم الدولة، كما أن مواجهة الإرهاب بهذا الشكل العبثي من خلال رجال أمن غير مدربين واعتماد الأسلوب الأمني لم يحقق أية نتيجة"، على الجانب الآخر، شكك البعض في توقيت البيان الأوربي الذي يأتي قبيل أيام من الذكرى الرابعة لثورة يناير، وأنه يناقض المواقف الأوروبية الأخيرة واعترافها بـ30 يونيو وما بعدها، وقال الدكتور أحمد دراج: "لماذا صمتت أوروبا تلك الفترة كلها، وكان أمامها من الوقت أن تقول ما تريده؟ ولكن تكرار هذه الاتهامات للنظام في مصر يهدف إلى إعطاء جرعة للـ"جماعات الإرهابية"، بحسب قوله لإحداث زعزعة في أركان الدولة، بناء على أوامر المايسترو الأمريكي، وحذر دراج من مخطط الغرب تجاه المنطقة وعلى رأسها مصر، الذي يهدف إلى جعلها مكبلة ومتهمة طوال الوقت، وتحت رحمة البيانات والقرارات المتشدقة بالحقوق والحريات.