علقت مجلة إيكونوميست البريطانية في عددها الأخير على إجراءات نقل السلطة في
السعودية، وقالت، إن "من النادر أن يتحرك حكام السعودية العجزة برشاقة.. غير أنه بعد وفاة الملك عبدالله فقد تحرك ولي عهده الأمير سلمان مباشرة، وحل أهم مشكلة في حكمه، وهي من سيكون الملك ومن سيخلفه. وبهذه الطريقة، فقد أنجز سلمان 90% من عمله، كما علق أحد السعوديين ضاحكا".
وتضيف المجلة أن "مسألة الخلافة كانت من المسائل التي تلقي بظلالها على العائلة الحاكمة، فمنذ وفاة مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود يتداول العرش أبناؤه، ولكن معظهم مات أو أصبح عاجزا. ويبلغ عمر سلمان 79 عاما. وسيتم نقل السلطة عاجلا أم آجلا للجيل القادم. والسؤال: لمن من بين عدد كبير من الأمراء؟ ومن هنا، فقد قرر سلمان أن يكون الأمير مقرن وليا للعهد، وهو الذي عينه الملك الراحل، وسينتقل العرش من بعده إلى الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية، الذي يعد من الدعاة الأقوياء لمحاربة تنظيم القاعدة في السعودية. وقد حاول تنظيم القاعدة اغتياله عام 2009، عندما حاول انتحاري تفجير قنبلة كانت مزروعة في سرواله".
وتجد المجلة أن الانتقال "ناقض التوقعات الخارجية، بأن السعودية ستنهار حتما نظرا لتناقضاتها. خذ مثالا واحدا على هذا التناقض: ففي بلد يعد سكانه من أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ويسافر أبناؤه للدراسة في الخارج (الغرب)، فإن السعودية لا تزال تعيش في ظل نموذج إسلامي يقيد حرية المرأة أو السفر للخارج دون محرم".
ويرى التقرير أنه "في وقت ينتشر فيه العنف والفوضى في أنحاء العالم العربي كله، ستشعر السعودية بالقلق إن أخذنا موقعها المركزي في صناعة
النفط العالمية، ومركزيتها للإسلام. فهي منبع معظم النفط المصدر للعالم، وفيها الحرمان الشريفان، مكة والمدينة، واستخدمت الدولة النفط من أجل نشر رؤيتها غير المتسامحة، وتفسيرها المتشدد للإسلام في العالم".
وتتابع المجلة بأنه "لهذا، فقد أثبتت السعودية كذب تكهنات المنجمين، والسبب في هذا هو التحالف المستمر بين آل سعود وعلماء
الوهابية. وهذا التحالف ينص على تبادل الحماية للدعوة الوهابية مقابل حصول آل سعود على الشرعية الدينية".
ويبين التقرير أن هناك أمرا آخر له "علاقة باستمرار حكم آل سعود، وهو النفط وأمواله، حيث إنه سمح للعائلة بالإنفاق وبكرم على المواطنين، وفتح فرص عمل لـ30 مليون نسمة، ويحصل السعوديون على قروض سكن وعلى تعليم مجاني وعناية صحية مجانية. وهناك أكثر من 100 ألف سعودي يدرسون في الخارج، ولدى السعودية احتياط مالي بـ740 مليار دولار أمريكي، وهي مبالغ كافية للدفع للأمراء ورجال الدين".
وتقول المجلة، إن "هناك من يقارن بين آل سعود وبين مديري مجلس إدارة شركة. ففي عام 2006 أنشأ الملك عبدالله هيئة البيعة المكونة من 35 عضوا من أعضاء العائلة الحاكمة، ويمثلون فروعها كلها، للعمل على نقل السلطة بشكل سلس. وقيل إن المجلس صوت لصالح تعيين الأمير محمد. وإن كان هذا صحيحا فستكون لحظة نادرة من الديمقراطية، ولكنها تتعلق بالعائلة المالكة. ومن تم تجاوزهم مثل الأمير متعب، نجل الملك الراحل رئيس الحرس الوطني، يبدو أنهم تقبلوا فكرة النجاة الجماعية للعائلة الحاكمة، بدلا من البحث عن النجاة الشخصية".
وتتساءل "إيكونوميست": "ماذا عن التقاليد الوهابية المقيدة؟ بعضها تقاليد بدوية مغلفة بغلاف الدين، وأكثر من هذا، فقد اعتنقت الكثير من القبائل البدوية الأيديولوجية الوهابية رابطا لبناء أمة. فالكثير من السعوديين يفضلون قوانين اجتماعية أقل تشددا، ويعبرون عن انزعاجهم من إغلاق المحال التجارية ساعة الصلاة. ولكن في أماكن بعيدة عن نجد مثل جدة، تلبس المرأة السعودية عباءتها بشكل أقل تشددا، ويمكنها الاختلاط مع الرجال".
ويوضح التقرير أن "الملك عبدالله قام بالأخذ على يد الشرطة الدينية وممارساتها المفرطة. ومع ذلك، فسكان المملكة لا يزالون محافظين، وهناك قلة منهم تتجرأ وتسأل عن شرعية آل سعود. وما عليك إلا أن تنظر إلى تاريخ المملكة. يقول الكثيرون إنه قبل إنشاء المملكة كانت الحروب القبلية دائمة، والأمراض منتشرة، وكان متوسط العمر متدنيا. وأنهى عبد العزيز بن سعود هذا كله، من خلال فرض حكمه عبر الحرب والزواج والمعاهدات مع العائلات الأخرى. والفوضى التي شهدتها دول الربيع العربي عززت من هذا الخوف، حيث إن الاستقرار والأمن اللذين يتمتعون بهما معرضان للخطر".
وتمضي المجلة بالقول: "إن الدعوات لتحقيق
الإصلاح الاجتماعي هي أعلى من تلك التي تدعو لإصلاح سياسي".
وينقل التقرير عن أكاديمي سعودي قوله: "من نطلق عليهم ليبراليين هنا يختلفون عمن نطلق عليهم ليبراليين في الخارج". وهناك الكثير ممن أثنوا على الملك الراحل الذي فتح الباب أمام حريات محدودة للمرأة. ويرى بعض السعوديين أن حكامهم أكثر ليبرالية من السكان، وعليه، فإنهم يفضلون عائلة تؤدي دور الحاجز لا ديمقراطية تقوي المحافظين.
وتعتقد المجلة أن "أكبر التحديات للوضع القائم لم يأت من الليبراليين، ولكن من الملتزمين بالدين. ففي عام 1979، قامت جماعة جهيمان العتيبي بالسيطرة على الحرم المكي لأسابيع. وفي التسعينيات من القرن الماضي قامت مجموعة من المشايخ (الصحوة) باتهام الحكام بتبني الليبرالية الكافرة. وفي بداية القرن الحادي والعشرين استهدفت القاعدة، التي كان يتزعمها أسامة بن لادن، الدولة بسلسلة من الهجمات والتفجيرات في الرياض، واستهدفت الأجانب".
وتوضح المجلة أن "التهديد على أمن السعودية في هذه الأيام يأتي من الخارج: من التوسع الإيراني والفوضى في اليمن والجهاديين من أتباع الدولة الإسلامية التي حولت أجزاء من العراق وسوريا إلى (خلافة). ويقول المسؤولون السعوديون إن الجهاديين (مرتدون)، فالنموذج المتبع في السعودية وإن كان محافظا إلا أنه يقتضي طاعة ولي الأمر. ويحاول السعوديون تحميل جماعة الإخوان المسلمين الجهادية المتمردة، التي جاءت نتاجا للصراع مع الاستعمار البريطاني في مصر، المسؤولية. وقد يكون السعوديون محقين في هذا، لكنّ هناك تيارا ليبراليا من الإخوان تقبل الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، فإن أيديولوجية الدولة الإسلامية، تستلهم كثيرا من التعاليم الوهابية. ونتيجة لهذا، فإن على حكام السعودية توقع مراقبة العالم الخارجي للممارسات والتعاليم التي يقدمها الشيوخ".
وتتساءل المجلة: "ماذا عن الداخل؟"، وتقول: "في داخل البلد تعلمت الدولة السعودية سحق الجهاديين، من خلال مزيج من السياسات، التي تتراوح بين اليد الحديدية، أي القمع، وبين اليد الناعمة، مثل إنشاء مراكز لإعادة تأهيل الجهاديين السابقين".
ويجد التقرير أنه "نظرا لهذا، فإن هناك الكثير من السعوديين ممن عبروا عن ارتياحهم بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد. فقد كان هو الرجل الذي خلص المملكة من خطر القاعدة، مع أن الليبراليين لاحظوا أنه قام بقمع المعارضة السلمية. وهناك نوع من عدم الرضا لتعيين نجل
الملك سلمان ليقوم بمهمتين رئيستين، رئيس للديوان الملكي، أي حارس باب الملك، ووزير للدفاع".
وتبين المجلة أنه رغم هذا كله "فلا يمكن للسعوديين النظر إلى الاستقرار السابق، وأخذه ضامنا لمستقبل آمن. فهناك العديد من العوامل التي تعصف بالمملكة، أهمها تراجع سعر النفط بنسبة 80%. أما الآخر فهو ارتفاع مستوى التداخل في الدخل السنوي العام للفرد، فالمستوى الحالي هو 26 ألف دولار في السنة، وهو أقل من مستوى الدخل العام للفرد في الإمارات، 43 ألف دولار في العام. وتقتضي الحاجة توسيع الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل جديدة، خاصة أن معظم سكان المملكة هم من الشباب، فنسبة عالية هي من العاطلين الناقمين، وقد يكون هذا مدعاة للتطرف".
ويضيف التقرير أن هناك مشكلة أخرى، وهي الاستخدام المفرط للطاقة، بدرجة قد تقود البلاد إلى التوقف عن تصدير النفط بحلول عام 2030.
وتخلص "إيكونوميست" إلى أن "إعلام التواصل الاجتماعي أدى إلى فورة في حرية التعبير ونقدا غير مسبوق للفساد في البلاد. وعليه، فتزايد القمع وعدم التسامح مع الأصوات المعارضة، وبينها الطائفة الشيعية، قد يترك آثارا سلبية. ورغم ذلك، فإن نجاة المملكة قد تأتي من الأصوات التي درست في الخارج، وهي كثيرة، حيث إنها تعود من الغرب وتجرب أفكارها التي تعلمتها، ولن تتقبل الفتيات المتخرجات من الغرب استمرار القيود الشديدة وللأبد. ويقول البعض إن خليفة الملك عبد الله لن يكون ميالا للإصلاح، وليس أمامه خيار إلا الإصلاح، فبعد أن حسم مسألة الخلافة، فهو بحاجة للتحرك وحل الملفات الأخرى".