قام مجلس الوزراء في وقت سابق بإسقاط
الجنسية عن أحد المواطنين بسبب يتعلق بإقامته في الخارج والعمل مع مؤسسة أجنبية تهدف إلى تقويض السلم الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتساءل الناس من هو هذا الشخص وما الذي ارتكبه في الحقيقة؟، وبدا للبعض أن يتحدث عن أن ذلك الاسم ليس إلا شخصية وهمية كانت بمثابة "الأمثولة" أو "خيال المآته" الذى يشكل تهديدا لكافة المواطنين برسالة عاجلة غير آجلة يجب أن يخوف بها الجميع.
أنه من الآن فصاعدا يستطيع مجلس الوزراء أن ينزع الجنسية عمن يشاء ويلبس الجنسية لمن شاء ويمن بها على من أراد وينزعها عمن يرغب، هنا كانت الجنسية عقوبة أوقعها مجلس الوزراء على هذا المواطن "سابقا" بحكم قرار المجلس هذا، إلا أن الجنسية كعقوبة تظهر في أوضح صورها بقرار ترحيل المتهمين الأجانب والإبقاء على المصري رغم اشتراكهم جميعا في قضية واحدة، بل الأكثر من ذلك أنهم طالبوا المصري الذي يحمل جنسية أخرى أن يتخذ إجراءات التنازل عن جنسيته المصرية حتى يتم تطبيق القانون عليه.
تبدأ القصة بإلقاء قوات أمن الانقلاب في ديسمبر من عام 2013 القبض على مجموعة من الصحفيين في مقر إقامتهم بأحد الفنادق بوسط القاهرة ـ فندق
الماريوت ـ كان من بينهم من يحمل الجنسية الأسترالية، وأخر يحمل الجنسية المزدوجة (مصري ـ كندي) وثالث مصري، وأطلقت عليهم "خلية الماريوت" واتهمتهم بالعديد من التهم كان من بينها نشر أخبار كاذبة ومساعدة منظمة إرهابية والإضرار بالأمن القومي، وحكم عليهم في يونيو من عام 2014 بسجن المتهم المصري بعشر سنوات وزميليه الذين يحملون جنسيات أخرى بسبع سنوات فقط، وفي وقت لاحق وفي ظل الضغوط الأجنبية خرج علينا المنقلب الرئيس في نوفمبر 2014 بقانون يعود لعصر الامتيازات الأجنبية يتيح له إصدار قرار بالإفراج عن المتهمين الأجانب وترحيلهم إلى بلادهم، وفي وقت لاحق ـ يناير 2015 ـ قررت محكمة النقض المصرية بإعادة محاكمة المتهمين في خلية الماريوت وبعد ما يقرب من الشهر أصدر المنقلب الرئيس قرارا بترحيل المتهم الأسترالي إلى بلاده، وفي الطريق الإفراج عن المتهم (الكندي) ـ المصرى سابقا ـ بعدما تنازل عن جنسيته المصرية.
يرتبط بهذا السياق ما يتعرض له محمد سلطان المصري الذي يحمل الجنسية الأمريكية من مساومات للإفراج عنه مقابل تنازله عن جنسيته المصرية رغم إضرابه الذي تجاوز العام وتدهور حالته الصحية بشكل غير مسبوق، حيث تصر سلطات الانقلاب على عدم الالتفات إليه طالما يتمسك بجنسيته المصرية فكأنما من تمسك بالجنسية تمسك بالعقوبة ناهيك عمن لا يملك خروجا من هذه المصيدة لعدم حمله جنسية أخرى غير هذه الجنسية المصرية، وهو ما حدا ببعض الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق شعار "اسند نفسك بجنسية تانية"، وهو أمر شديد الخطورة في تصور تلك الطغمة الانقلابية للمواطنين، وتصور أهل مصر لأنفسهم، وهو ما يجعل الأمور التي تتعلق بالنظر لجموع هذا الشعب في سياق التلاعب بهم وكأنهم عالم أشياء يتحكمون بهم ميراثا وعقارا، بعد ثورة مباركة هي ثورة الحرية والكرامة ليست إلا نظرة المستبدين الانقلابيين الأغبياء.
ومن نافلة القول أن نؤكد في هذا السياق أن كل هؤلاء الذين كانوا موضع إثارة لهذه القضية "المواطن المصيدة ـ الجنسية
العقوبة" هم ممن ظلمهم الانقلاب ولفق لهم الاتهامات إذ تحولت التحقيقات إلى تلفيقات، وتحولت الأحكام إلى نوع من الإرعاب والترويع باستخدام مرفق العدالة كأداة للقمع والتطويع، ومن المؤسف حقا أن يُساوَم هؤلاء على حقوقهم الإنسانية الأساسية، وعلى حريتهم باعتبارها حقا لصيقا بكياناتهم الجماعية والفردية، فيقوم الإنقلابيون وفق قانون ـ الامتيازات الأجنبية ـ بإخراج هؤلاء بعفو من المنقلب، وأقول لكل هؤلاء أن ذلك ليس بالعفو وإنما هو الحق الذي ارتبط بهم وارتبطوا به، وأن تحريرهم من بطش سجون العسكرية الفاشية والدولة البوليسية ليس إلا استردادا لحق اغتصب في إطار من تلفيقاتهم المفتعلة واتهاماتهم المصطنعة.
ومن هنا فإننا إذ نهنئ كل من نال حريته فإننا فى ذات الوقت لا نقدم لهؤلاء الانقلابيين شكرا على غصبهم لحرية هؤلاء وحريات غيرهم، إنهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا غاصبين يحاولون ترويع كل من يحمل حقيقة أو يشكل إرادة، فإن هؤلاء الظلمة الباطشين يعتبرون ضمن منظومات انقلابهم وسياساته أن الصحافة الكاشفة جريمة فادحة يحاسبون عليها في محاولة للتعتيم على قبح سياساتهم وعلى سوء ممارساتهم وعلى شديد بطشهم وقمعهم، ولكننا في ذات الوقت نؤكد ماذا عن كل مصري لا يحمل جنسية أخرى أو يحملها ولا يريد أن يتنازل عن جنسيته المصرية أيكون ذلك مبررا لأن يكون في ساحات التجريم والحساب وفي مساحات الاتهام والعقاب؟ .
إن هذه الطغمة الانقلابية بأفعالها تلك تخطت كل حدود المقبول والمعقول ،بل تخطت عالم اللامعقول حينما تشرع لذلك ـ خروجا على كل الأعراف الدستورية ـ وتصدر هذا العفو من الحاكم بأمره والباطش بشعبه والغادر في طبعه فيصدر ذلك ويسميه "عفوا" وكأنه يحمل بذلك المعنى النمرودي في الإحياء والممات، في الحبس والسجن وإطلاق الحرية وإخلاء السبيل، ولكن في حقيقة الأمر إنه هو السجين الذي لا يستطيع بأي حال من الأحوال إلا ممارسة هذه السياسات العقيمة والقميئة يحرك فيها كل عناصر التخويف لكل من يكشفه ويفضحه؛ يفضح بطشه، ويُعرِّي عنفه، ويبسط من مشاهد قبحه على مرأى من كل إنسان حينما ينتهك أدنى حقوق الإنسان والتي تتعلق بكرامة كيانه وجوهر حريته وأمانه.
ماذا إذا تريدون أيها الانقلابيون من سياسات تصطنعونها تقوم على قاعدة أن المواطنة مصيدة وأن الجنسية عقوبة؟، إنهم في حقيقة الأمر يحثون الشباب على عمليات تهجير جماعي إلى أي بلد يحترم فيه جوهر إنسانيته وحقه في الحرية وكرامته، إن "محمد فهمي" على سبيل المثال حينما يخير بين جنسية تمثل له عقوبة، وبين أخرى تحترم إنسانيته المصونة فإنه يختار الأخيرة ويرفض الأولى، حينما يجعل الانقلابيون الجنسية علامة ذل وإذلال، ومؤشر عبودية واستغلال، ماذا يمكن أن يطرحه هؤلاء على معاني الولاء والانتماء لشباب يطمح في مجتمع حر ودولة عادلة وحكم رشيد بنَّاء، فإذا بذلك الانقلاب يقضي على فاعليته وعمله وينقض معاني طموحه في صياغة مستقبله وأمله؟.
أتكون الجنسية وفق هذا التصور قاصرة على عبيده ومسانديه، وتُنزع عن كل من يكشف حقيقته ويفضح سياسته ويعارضه احتجاجا؟، أو يحبس في محبسه بلا جريرة عشوائيا وارتجالا، إلا أن يكون ذلك المستبد الباطش هو الذي يمنح الجنسية ويمنعها، ويتعطف بها على من شاء وينزعها ممن يشاء، هؤلاء لا يعرفون تلك المعاني التي تتعلق بحقيقة الانتماء، ولا يعرفون للوطن فروضه ولا للشعب كرامته وإرادته، ومن هنا فإنني أؤكد أن تلك الصورة التي يصدرونها في إطار "المواطن المصيدة" أو "الجنسية العقوبة" إنما تجعل مع تهميش بعض المواطنين كما هو الأمر في سيناء وبعض محافظات الحدود، كل هذا إنما يجعل هذا الشباب يتحدث من كل طريق "البلد دي مش بلدنا .. البلد دي بلدهم" هذه المعاني التي بدت تشيع على الألسنة إنما تعبر عن خطر شديد يعني ضمن ما يعني أن سياسة الانقلاب التي تتسم بالعطن والعفن لا يمكن إلا أن تنقض وشائج شعب وجوهر وطن.