أثار الفيديو الذي نشرته "
الدولة الإسلامية" حول حرق الطيار الأردني معاذ
الكساسبة ردود فعل غاضبة ومستنكرة لدى شريحة واسعة من السوريين، حيث رأى ناشطون أن "الدولة" تعمدت تصوير الفيديو الذي كانت مدته 25 دقيقة بطريقة سينمائية وباحترافية كبيرة، محاولة التلاعب بزمن الصور من خلال بطء حركتها وسرعتها أو قربها وبعدها، مما أعطى شعوراً بالرهبة لكل من يشاهد الفيديو.
وهذا ما أكده المخرج السوري "محمد با يزيد" على حسابه الشخصي على "فيسبوك" قائلاً: "إن الفيديو مصوّر بطريقة سينمائية، فالكاميرات عديدة متمركزة في زوايا مختلفة لكي لا يكشف بعضها بعضاً مثل تصوير الاستديو أو البرامج التلفزيونية، ووجود اللهب في مقدمة الكادر أعطى إحساساً سينمائياً مذهلاً، وتم توزيع الجنود ضمن الكوادر بطريقة مدروسة ومنظّمة".
وأضاف: " كل جندي منهم يعرف دوره جيداً، ليس هناك تدافع، ليس هناك جمهور، بينما اعتاد الناس أن يشاهدوا مثل هذه الأعمال بتصوير كاميرا جوّال تهتز والناس تتدافع حولها بعشوائية".
وبدأ السوريون لحظة إعلان الخبر يتداولون المنشورات التي تعبر عن ألمهم تجاه الحدث، وعن الإجرام الذي وصل بـعناصر "الدولة" لأن يحرقوا رجلاً وهو حي. وكتب أحد المعلقين صفحته على "الفيسبوك": "داعش لم تحرق رجلاً، بل حرقت الإسلام والعقول"، فيما سارع آخرون لتأكيد حرمة ما فعله عناصر "الدولة" التي تدعي أنها تطبق الإسلام لتقيم الخلافة، مستشهدين بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم "لا يحرق بالنار إلا رب النار".
وكتبت توليب محمد: "لايعنيني شيء مما حدث، لكنني لم أمنع نفسي كإنسان من الأسى على أهله وأحبابه، على أمه التي تراه يدفع القفص المشتعل ليهرب منه دون جدوى".
وفي المقابل، استذكر آخرون المآسي التي تعرض لها السوريون على أيدي نظام بشار الأسد منذ الثمانينات وحتى الآن، حيث سبق الأسد "الدولة" في التفنن بتعذيب الأهالي وخاصة المعتقلين لديه، إذ غردت إيريس محمد على "تويتر": "حماه 5 شباط 1982. بدأت قوات النظام بحرق المعتقلين داخل الدكاكين التجارية التي كانت تستخدم كمعتقلات".
واستذكر الناشط الإعلامي حسان تقي الدين مجزرة المليحة 2 كانون الثاني/ يناير 2013 التي قتل فيها العشرات حرقاً. أما الصحفي أحمد العقدة فعلق على حسابه بكلمات لا تخلو من الألم: "كم انحرقنا! كم معاذ فينا دون عدسة تصوير، وكم معتقل في الأقفاص لا يقوَ على الوقوف.. وكم مرة دفنا أحياء".
أما المخرج السوري والعالمي محمد با يزيد فعلق على صفحته بغضب حال نشر "الدولة" هذا الفيديو، قائلاً: "ليس هناك على وجه هذه المعمورة من هو أقذر من تنظيم الدولة ومن يؤيده، وشخصياً أكرهه أكثر من بشار الأسد فالأخير، وهو أصل المصيبة، لا يسيء إلى صورة الإسلام ولا يقول قال الله وقال رسول الله" حسب تعبيره.
ودعا آخرون إلى استنكار ما يفعله عناصر "الدولة" إلى جانب ما تفعله قوات التحالف الدولية، وأن من الواجب عدم تبرئة أي من الطرفين. وكتب مهند الحمود على حسابه الشخصي: "على العالم أن يعرف أن السوريّ يستنكر هذا التحالف الذي اشتركت فيه الأردن، كما بقية الدول المحسوبة على العرب، يستنكر السوريّ قصفهم لبلاده كما يستنكر طريقة القتل التي اختارها تنظيم الدولة، وعلى السوريين التنديد بالحدثين هذين، وليس بواحد على حساب الآخر".
ولم تقل ردود الفعل الغاضبة على حرق الطيار الأردني غضباً عن إعدام الصحفي الياباني، خاصة أن الصحفي كان قد ذكر في وصيته أنه جاء إلى
سوريا ليوثق المآسي لا سيما التي يتعرض لها الأطفال هناك. كما أنه مما جعل السوريين يتعاطفون معه أنه دعا العالم وخاصة دولته لعدم إلقاء اللوم على السوريين أو القصاص منهم في حال حصل له أي مكروه، حيث عانوا ما يزيد عليهم منذ ثلاثة سنوات ونصف.
ونشر هادي، وهو ناشط في مدينة دمشق، صورة الصحفي الياباني وهو يلوح بيديه مع مجموعة من الأطفال في أحد مخميات اللجوء، تجلى من خلالها أنه كان يلعب معهم ويستمع إليهم، وكتب على الصورة: "هكذا تغتال الأيادي السوداء بسمات الأمل!".
ونشر عمار، وهو شاب من مدينة حلب، على حسابه على الفيسبوك صورة الصحفي وهو ينفذ دورة تدريبية في مدينة حلب للناشطين الإعلاميين، وكتب عليها، "هذا ما قدمه الصحفي الياباني بينما ما يقدمه "تنظيم الدولة" لا يكون إلا الموت".
كما نشر الصحفي محمد دغمش على حسابه على "الفيسبوك" صورة الصحفي الياباني، مؤكداً على نبل وإنسانية العمل الصحفي أولاً وأخيراً: قائلاً: "لا يوجد صحفي يدخل سوريا أو أي مكان حرب بخطورة سوريا لأجل المال، منهم من يدخل بحثاً عن نجاحٍ مهني وهذا حقه، لكن النسبة العظمى لا يكون ذلك السبب كافياً، ما لم يجتمع التعاطف والإنسانية مع الطموح المهني لا يمكن أن يخاطر الإنسان بحياته".
ولا زالت التنديدات حتى الآن تطال سلوك "الدولة" من السوريين، لكنهم في الوقت ذاته وجدوا الفرصة ليعيدوا الصراخ في وجه المجتمع الدولي والصامتين عن موتهم منذ أربع سنوات، مطالبين بالتوجه إلى المجرم الأول الذي كان سبباً لظهور التنظيم، وأشاروا إلى بشار الأسد الذي ارتكبت قواته ولا زالت ترتكب آلاف المجازر بحق مدنيين وأطفال، لا طيارين ولا صحفيين فقط.
وبثت "الدولة الإسلامية" في اليومين الأخيرين تسجيلي فيديو يظهر أحدهما إعدام الصحفي الياباني ذبحاً، وآخر للطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي حرق حياً، بطريقة أثارت غضب واستنكار عدد كبير من المغردين السوريين وحول العالم.
وكانت "الدولة" قد طالبت بمبادلة الصحفي الياباني كينجي غوتو، بساجدة الريشاوي المعتقلة في السجون الأردنية والحفاظ على حياة الطيار الأردني معاذ الكساسبة، لكن الأردن طالب بدلائل على أن الطيار ما زال على قيد الحياة، فردت "الدولة" بإعدام الصحفي الياباني ونشر تسجيل حرق الكساسبة. ويقول الأردن إن الكساسبة أعدم منذ الشهر الماضي.