ملفات وتقارير

الصحفيون الفلسطينيون في دائرة الاستهداف الإسرائيلي

17 صحفيا فلسطينيا قتلوا في غزة وحدها ـ أرشيفية
بات الصحفيون الفلسطينيون يقضون نهاية الأسبوع عند نقاط المواجهة بين المتظاهرين الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، لنقل احتجاجات الفلسطينيين على مصادرة أراضيهم لصالح التوسّع الاستيطاني أو لبناء جدار الفصل العنصري.

ونجح الإعلام الفلسطيني إلى حد كبير في تسليط الضوء على الاعتداءات الإسرائيلية بحق الإنسان الفلسطيني وأرضه، وعملت المظاهرات السلمية وفعالياتها على جذب الصحفيين الأجانب والمتضامنين، وتعرض الصحفيون خلال هذه الفعاليات لاعتداءات مباشرة من قبل جيش الاحتلال في ظل قمعه للمتظاهرين واستخدام القوة ضدهم.

ورصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى"، 147 اعتداء على الصحفيين في المسيرات الأسبوعية التي تشهدها الضفة الغربية، منذ عام 2009 وحتى منتصف العام الماضي؛ علما بأن عدد الانتهاكات ارتفع منذ إعداد التقرير إلى يومنا.

وقال المركز في تقريره، إن الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحفيين توّزعت على النحو التالي: 10 انتهاكات في عام 2009، و46 انتهاكاً في عام 2010، و31 انتهاكاً في عام 2011، و27 انتهاكاً في عام 2012، و21 انتهاكاً في عام 2013، و12 انتهاكاً خلال النصف الأول من عام 2014. مع العلم أن هذه الإحصاءات لا تشمل الفعاليات الأخرى من أنماط المقاومة الشعبية في فلسطين وما تخللها من انتهاكات أخرى بحق الصحافيين، وتظهر فقط ما ارتكب من اعتداء ضد الصحافيين خلال تغطيتهم المسيرات الشعبية السلمية، فضلا عن أن انتهاكات جماعية أخرى ارتكبت بحق الصحفيين أيضا كمنعهم من التغطية من خلال منع وصولهم إلى القرى حيث تنظم المسيرات في العديد من المناسبات، بحسب مركز "مدى".

قنابل الغاز والفلفل والرصاص المطاطي

وكانت آخر تلك الاعتداءات الجمعة الماضية، بحق الصحفي عصام العاروري مصور صحيفة الحياة الجديدة، الذي أصيب خلال تغطيته أحداث بلدة بلعين قضاء رام الله.

وقال العاروري لـ"عربي21"، إن جنود الاحتلال استهدفوا نحو 15 صحفيا كانوا متجمعين معا، ما أدى إلى إصابته بـ"قنبلة فلفل"، تسببت له بآلام واختناق، وجرت معالجته ميدانيا.

وأصيب العاروري ثماني مرات خلال عمله الميداني، بينها خمس مرات بأعيرة فولاذية مغلفة بالمطاط، ومرتين بقنابل الغاز، إضافة إلى إصابته بالغاز المدمع، وكلها كانت بين إصابة متوسطة وطفيفة.
 
ونوه العاروري، إلى أن شكاوى عدة تم رفعها للجهات الإسرائيلية حول تلك الاعتداءات، تخللها استجوابات من الاستخبارات العسكرية تركزت حول تفاصيل صعبة لهوية الجنود منفذي الاعتداء من المستحيل توفيرها حول شكله ولون حذائه. مستطردا بأن كل تلك الشكاوى تمت المماطلة فيها.

وقال مركز "مدى"، إن الاعتداءات والانتهاكات تركّز 86% منها في أربع مسيرات تنظم بشكل شبه منتظم (كل أسبوع) في قرى: بلعين والنبي صالح في رام الله، وبيت أمر في الخليل، وكفر قدوم في قلقيلية. وارتكبت بقية الانتهاكات خلال المسيرات الأخرى، كمسيرة المعصرة في بيت لحم ومسيرة بيت جالا ومسيرتي نعلين والولجة.

وأضاف أن قوات الاحتلال تستهدف الصحفيين خلال هذه المسيرات بعدة أشكال من الانتهاكات، منها الاعتداء الجسدي، إما بالضرب أو بإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز، ومنعهم من التغطية أو قطع الطريق عليهم ومنعهم من الوصول إلى القرية، واحتجازهم لغاية انتهاء المسيرة، واعتقالهم لمدة يوم أو يومين عقابا لهم على قدومهم لتغطية هذه الأحداث.

يذكر أنه جاء في تقرير لاحق لمركز "مدى"، أن الاحتلال ارتكب 191 اعتداء وجريمة ضد الصحفيين خلال حروبه الثلاث على قطاع غزة.

وأضاف أن عدد الصحفيين القتلى في العالم العام الماضي كان أكثر من مئة، منهم 17 خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

استهداف متعمد

من جانبه قال الصحفي مصور وكالة "رويترز" في شمال الضفة الغربية عبد الرحيم قوصيني، إن آخر إصابة أصيب بها كانت في بلدة كفر قدوم الأسبوع الفائت حيث تعرض لقنبلتي صوت بشكل مباشر بكلتا قدميه، ما تسبب بحروق بالغة. وقال إنه أصيب سبع مرات خلال عمله الصحفي ودخل المستشفى مرات عدة.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الاحتلال يستهدف تجمعات الصحفيين رغم وجودهم بالغالب بعيدا عن تجمع المتظاهرين بهدف إيقاع الضرر والأذى عليهم، وعدم قيامهم بتغطية الحدث، مشيرا إلى أن ضباط الاحتلال يحاولون إبعاد أي صحفي من مواقع الأحداث حتى لا يوثقوا ممارساتهم.

ونوه قوصيني إلى أن منظمات الصليب الأحمر ومؤسسات حقوقية وثقت مؤخرا تلك الممارسات لأنها لاحظت ارتفاعا في إصابات الصحفيين خاصة في كفر قدوم وبلعين، حيث أصيب خمسة من المصورين في كفر قدوم، رغم ارتدائهم زي الصحافة، المكتوب عليه "صحافة" بلغات مختلفة.

تجاهل القوانين الدولية

من جهته، أشار الصحفي جعفر اشتية من نقابة الصحفيين الفلسطينيين، إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين خلال تأدية واجبهم الصحفي أصبحت ممنهجة، وتهدف بالدرجة الأساسية إلى إخافتهم لثنيهم عن تغطية الأحداث وخاصة خلال المسيرات الأسبوعية، بما يتيح للجنود ارتكاب الانتهاكات بحق الفلسطينيين دون أن يتم نقل ذلك للرأي العام العالمي.

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن النقابة قامت بالعديد من التحركات الرسمية حيال ذلك، ومن هذه التحركات التوجه إلى اتحاد نقابات الصحفيين في العالم، والتوجه إلى اتحاد الصحفيين العرب. وخلال الفترة الأخيرة قامت النقابة بإرسال الاحتجاجات من خلال الارتباط الفلسطيني إلى الارتباط الإسرائيلي، إلا أن الاحتلال لم يغير من سياسته ضد الصحفيين، متجاهلا بذلك كافة القوانين الدولية التي تكفل لهم الحرية في أداء عملهم.

منعا لنقل الحقيقة

واعتبر مسؤول العلاقات العامة في مركز "مدى" الصحفي غازي بني عودة، أن الدافع الرئيس لعمليات القمع التي تتعرض لها الصحافة في المسيرات الشعبية يقوم على محاولة حجب الصورة والحقيقة وقطع الطريق على نقل ما يجري من قمع للجمهور؛ وهي جزء من صراع أو "حرب" على الرأي العام، وخاصة الغربي أو العالمي تجاه ما يجري في فلسطين.

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يقدم نفسه في الساحة العالمية كدولة ديمقراطية تصون الحقوق والحريات، ويسعى بكل الوسائل لتكريس هذه الصورة وعدم خدشها.

15 صحفيا في سجون الاحتلال

الاعتداءات والانتهاكات بحق الإعلام لم تقتصر على المسيرات الأسبوعية؛ ففي تقرير نشره اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الفلسطينية، قال إن "إسرائيل تمارس الإرهاب والقمع بحق الصحفيين الفلسطينيين في كافة الأراضي الفلسطينية، وتعتقل في سجونها 15 صحفياً فلسطينياً بعضهم اعتقل منذ سنوات سابقة ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال ويعانون ظروف اعتقال صعبة".

ودعا الاتحاد الجهات التي تعنى بالحريات الصحفية، إلى التدخل لوضع حد للانتهاكات المتعمدة التي يتعرض لها الصحفيون، من حيث إطلاق النار المباشر ومصادرة المعدات ورشهم بالمواد السامة والعادمة، واستدعاء بعضهم للتحقيق واعتقالهم في ظروف سيئة دون ذنب اقترفوه، إلا لكونهم يكشفون بأقلامهم وكاميراتهم الحقيقة للعالم وينقلون معاناة شعبهم.

وناشد الاتحاد النقابات العربية والدولية معاملة الصحفيين الإسرائيليين بالمثل، ومنعهم من التغطية والعمل في أي مكان في العالم، حتى يتم الضغط على الاحتلال للإفراج عن الصحفيين الفلسطينيين في سجون الاحتلال. فقد لوحظ مؤخرا الاستهداف المتصاعد للصحفيين باعتقالهم، وقد سجل اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الفلسطينية خلال شهر واحد اعتقال واحتجاز 12 صحفيا فلسطينيا في الضفة والقدس المحتلة، بينهم أربعة اقتيدوا لمراكز الاعتقال والتحقيق، منهم ثلاثة ما زالوا معتقلين.