قضايا وآراء

خطاب داعش الإعلامي.. الرعب والتأثير

1300x600
على حين غرة، وجد المصريون، ومعهم العرب أيضا، أنفسهم معرضين للاستماع لنشيد "صليل الصوارم" الشهير لتنظيم الدولة، فأناشيد التنظيمات الجهادية المسلحة التي ظلت عصية على الانتشار خارج نطاق أعضائها، والمقربين منها، إما بسبب عدم امتلاك وسائل إعلام جماهيري قوية أو منصات واسعة الانتشار، أو لعدم اكتراث الجمهور بأدبيات هذه الجماعات ورفضهم المبدئي لها، وعدم سعيهم للبحث فى منتجاتها الفكرية، كان سببا رئيسا في عدم انتشار هذه الأعمال أو معرفة الجمهور بها.

ومنذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، منذ ما يقرب العامين، بعد أن كان اسمه تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية، وإعلانه "للخلافة الإسلامية" في "عاصمته" الموصل، كان كل ما يعرف عن التنظيم أنه أحد فروع تنظيم القاعدة في العراق وتوسع لتشمل عملياته الأراضي السورية، بعد تدخل كافة الأطراف الدولية في الحرب المسلحة، الدائرة على خلفية ثورة منكوبة هناك. فلا أحد يسمع أخبارا إلا عمليات انتحارية وعمليات قتل هنا وهناك إلى أن أدخل التنظيم فكرة الصدمة والترويع في خطابه الإعلامي، الذي يقوم بالأساس على أعلى مستويات الفعل، دون الاكتراث لأي نوع من ردود الفعل عليه.

عملية الصدمة التي عمل التنظيم على استثمارها إعلاميا، وخطابيا، لم تتمثل في قسوة المشاهد التي يقوم بها، والتي بدأت بعملية ذبح لأشخاص غربيين، تلاهم عمليات أخرى مشابهة لجنود بشار الأسد، وممن يتهمهم التنظيم بالعمالة للأنظمة الحاكمة، سواء في العراق أو سوريا، وإنما تمثلت في إدخال عملية التصوير السينمائي، المأخوذ في الغالب من الأسلوب "الهولويودي" إلى الموضوع.

هذا التحول والتطوير لعملية انتقام ممن يعتبرهم التنظيم أعداء له، لا يمكن وصفه بأنه عملية قتل فقط، وإنما هي رسالة بالأساس للعالم أجمع وأعداء التنظيم خصوصا، إذ لا تمثل عملية قتل عدو أو جاسوس، أهمية لطرف ما في نزاع مسلح، لدرجة تجعله يقوم بتصوير وإنتاج وإخراج المشاهد فنيا، إلا إذا كانت تنطوي على رسالة قوية، وهي جزء من خطاب إعلامي عمل التنظيم على تصديره متجاهلا أي رد فعل حوله.

وبالعودة إلى "صليل الصوارم" التي بدأت المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية تتناولها، بعد أن قاد نشطاء مواقع التواصل حملات للسخرية منها، كان معظمها قادما من مصر، تارة بإصدار نسخة شعبية من النشيد، على أنغام "الطبلة البلدي" وأخرى على أنغام ذات الطبلة لكن على رقص نادية لطفي ومعها الفنان الراحل عبدالمنعم إبراهيم وهو يقوم "بتخريط الملوخية" في فيلم "قصر الشوق" لنجيب محفوظ، وثالثة مع الفنان محمد سعد بشخصيته الشهيرة "الليمبي" وغيرها من عمليات السخرية بالمونتاج، وصولا إلى قيام عروسين بالرقص على النشيد فى حفل زفافهما، مرتديين قناع التنظيم الشهير أثناء عملية الذبح.

كل ذلك وما ردده كثيرون سواء على مواقع التواصل أو الفضائيات أو تقارير إخبارية في الصحف والمواقع الاليكترونية، بأنه سخرية من النشيد الأشهر للتنظيم، وإعلان حب الحياة في مواجهة الموت الآتي من هذا التنظيم، ليس كما يتخيله البعض أو يتصوره بأنه هزيمة لتنظيم الدولة، أو استهزاء شعبي واسع من أدبياتها.

فعملية إخراج نشيد قام بأدائه منشد "ذو صوت جذاب" من نطاق ضيق محصور بين أعضاء تنظيم يمارس أفعالا بالغة القسوة، إلى فضاء واسع ورحب، وإلى مستويات لم يكن يتخيل أن يخاطبها التنظيم، وهي المستويات الشعبية التي عادة ما يستهويها لون ما من الثقافة أو الأغاني، يمكن توصيفه بثقافة "التوك توك" الشهيرة فى مصر، يبدو أنها ستكون مخالفة لما اعتقده الساخرون.

عملية الصدمة في مشاهد بالغة القسوة، مصحوبة بإخراج فني قوي وعلى مستوى عال من الإنتاج، كان لها نصيب كبير في تداول المشاهد، وإثارة الرغبة، لدى قطاعات ليست بالقليلة، في البحث عنها لمشاهدتها، رغم الفظائع المرتكبة فيها، وهذا ما نجح التنظيم في الوصول إليه.

إذن الفكرة الأساسية للخطاب الإعلامي لتنظيم الدولة هي الرعب والتأثير، فإذا أصابك شيء من الفزع من المشاهد، فبالتأكيد ستخشى من التنظيم حتى لو كنت جنديا في جيش قوي، أو قائدا كبيرا فيه، فصور الجنود والضباط في أقفاص حديدية بزي الإعدام الأحمر، كفيلة بأن يتمني أي جندي ألا يكون في مواجهة أعضاء التنظيم أو يكون مصيره الأسر، ونهاية مأساوية بعدسات هوليودية يتناقلها الملايين على مواقع التواصل.

ومن هنا فإن ما يسوق له إعلاميا على أن هناك سخرية ورفض لنشيد داعش، وهو ما يمثل خسارة للتنظيم، لا يمكن اعتباره حقيقيا، حتى وإن بدا غير ذلك، فمجرد تعرض جمهور لم يكن مهتما أو غير عابئ بالأمر، للقضية حتى لو من باب السخرية، فإنه بخلاف من استهزأ وضحك، هناك من أعجب بالنشيد، وبحث عن غيره من الأناشيد، وهناك أيضا من اهتم بالتنظيم وبحث عن أخباره.

فعملية سخرية واسعة أو استهزاء من تنظيم الدولة، لن تلقى بالا أو اهتماما من جانب تنظيم متمرد على النظام العالمي، ولا يلقي أدني التفات لأي رد فعل تجاه ما يقوم به من عمليات ترويع أو ذبح لخصومه.

لذلك فالمحصلة النهائية من عملية سخرية واسعة، هي الصب في صالح التنظيم والعمل على التعريف به، لا العمل على حصاره أو مواجهته، إذ إن طرق المواجهة الحقيقية لا تقوم على السخرية، في مناطق محروقة تدور أطرافها في معادلة صفرية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع