استقالة رئيس جهاز
الاستخبارات التركية هاكان
فيدان ليترشح في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من حزيران/ يونيو المقبل، وتعليقات المسؤولين الأتراك على هذه الخطوة، أثارت نقاشا حاميا في صفوف حزب العدالة والتنمية ومحبيه حول ما أقدم عليه فيدان، وانقسمت الآراء بين مؤيد لقراره ومعارض له.
وكان بولنت أرينتش، نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة، في أول تعليق له على استقالة فيدان، انتقد هذه الاستقالة، لافتا إلى أهمية المنصب الذي كان يشغله، وتساءل مستنكرا: "ماذا سيفعل في البرلمان؟". وقال إنه يرى دخول شخص أوكلت إليه "مهمة سوبرمان"، البرلمان كمجرد نائب "إسرافا"، في إشارة إلى عدم وجود حاجة ملحِّة إلى فيدان كنائب في البرلمان.
بيد أن الاعتراض الأقوى لاستقالة فيدان جاء من رئيس الجمهورية رجب طيب
أردوغان الذي يعتبر فيدان "صندوق أسراره". ولم يتردد أردوغان في التعبير عن استيائه بشكل صريح من استقالة فيدان من رئاسة جهاز الاستخبارات، وقال إنه لا يرى استقالته أمرا صائبا؛ بل يرى ضرورة استمراره في عمله، لأن جهاز الاستخبارات ليس مؤسسة عادية. وذهب أردوغان إلى أبعد من ذلك، وشبَّه خطوة فيدان هذه بترك بعض الصحابة رضوان الله عليهم أماكنهم في معركة أحد ونزولهم من جبل الرماة إلى ساحة المعركة دون أن يأذن لهم النبي (صلى الله عليه وسلم).
أردوغان كان يرى ضرورة بقاء فيدان على رأس جهاز الاستخبارات التركية لأهمية الدور الذي يلعبه هذا الجهاز في قضايا حساسة للغاية، مثل عملية السلام الداخلي واجتثاث خلايا الكيان الموازي من أجهزة الدولة. ويريد من فيدان أن يكمل مهامه في هذه القضايا، ولكن فيدان كان يعتقد أنه يمكن أن يقوم بهذه المهام في منصب آخر وكعضو في مجلس الوزراء. ومما لا شك فيه أن الضوء الأخضر الذي حصل عليه فيدان من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو شجَّعه على الاستقالة والترشح للانتخابات.
يوم الاثنين الماضي فجَّر فيدان قنبلة وأعلن تراجعه عن قرار الترشح للانتخابات البرلمانية، وقال في بيان نشره أنه "سيواصل العمل في خدمة الأمة والبلاد". وكان أمام فيدان بعد هذا التراجع خياران: إما العودة إلى جهاز الاستخبارات أو العمل مستشارًا لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. ولم يتأخر الحسم في مصير فيدان، وبعد ساعات من إعلان تراجعه عن الترشح تم تعيينه مجددا رئيسا لجهاز الاستخبارات.
يدور الحديث في كواليس العاصمة التركية عن أن فيدان اتخذ هذا القرار بعد أن فشل أردوغان وداود أوغلو في التوصل إلى اتفاق على من سيخلف فيدان في رئاسة جهاز الاستخبارات، وبعد أن واصل أردوغان إطلاق تصريحات يعبر فيها عن استيائه من الخطوة التي تقدم بها فيدان دون موافقته عليها. ولعل فيدان كان يتوقع أن يتقبل أردوغان قراره كأمر واقع، ولكن أردوغان أبدى أنه لن يتقبل هذا القرار مهما مضى عليه من الوقت، وبالتالي فقد اضطر فيدان للتراجع حتى لا يتحول الأمر إلى أزمة.
حزب العدالة والتنمية في سنواته الأخيرة نجح إلى حد كبير في التحول من حزب سياسي إلى حركة سياسية ذات جذور، وأكَّد عودة فيدان إلى رأس جهاز الاستخبارات أن أردوغان وحده هو زعيم هذه الحركة ويقود مسيرة "
تركيا الجديدة" نحو أهدافها، وإن لم يترأس الحزب رسميا وفقا للدستور التركي الذي يشترط على رئيس الجمهورية استقالته من الحزب الذي ينتمي إليه لمزاولة مهامه، كما أنها أثبتت أن كلمة الفصل في حزب العدالة والتنمية تعود له في القرارات الهامة.
هاكان فيدان، بعد حوالي شهر من مغادرته لرئاسة جهاز الاستخبارات التركية، عاد إليها مجددا ليواصل مهامه في إتمام عملية السلام الداخلي ومكافحة الكيان الموازي وإصلاح الجهاز، حتى يعطيه أردوغان ضوءا أخضر لينتقل إلى منصب آخر ليخدم فيه العباد والبلاد.