رأى مراقبون أنّ
الأزمة الهيكلية الحادّة التي يشهدها حزب "نداء
تونس"، منذ أيّام، قد تعصف به وتفقده الأغلبية التي مكّنته من تصدّر موقع القرار في الجمهورية الثانية عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حصد خلالها 86 مقعداً.
ويضم
نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد
السبسي، يساريين ونقابيين ورجال أعمال إضافة إلى أعضاء سابقين في حزب "التجمع الدستوري" الحاكم في عهد الرئيس المخلوع بن علي.
وكان من المقرر أن ينتخب "نداء تونس" مكتباً سياسياً الأحد الماضي، إلا أن الانتخابات تأجلت بسبب الخلافات حول تركيبة المكتب.
ويقول أعضاء في الحزب إن الصراع يدور بين "التجمعيين" الذين يقدمون نجل السبسسي، حافظ، لرئاسة الحزب، وبين الأعضاء الآخرين من اليساريين والنقابيين، الذين وجهوا اتهامات لـ"التجمعيين" بأنهم يسعون للسيطرة على الحزب، وأنهم يريدون "التوريث" في الحزب، وهو ما يعارضه غالبية نواب الحزب في البرلمان.
وقال المحلّل السياسي وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد لـ"عربي21" إنّ "صراع النفوذ" الحاصل داخل "نداء تونس" هذه الأيام سيكون له تأثير جوهري في مقاليد السلطة إذا حصل انشقاق داخل الحركة.
ويرى سعيّد أن ما يسمّيها قياديو "النداء" بـ"المحاولات الانقلابية" داخل الحزب، سيكون لها ارتداد على المدى القريب، يتجاوز مداه أروقة "حزب الرئيس السبسي" ليطال مجلس نوّاب الشعب، حيث لن تبقى الكتل على حالها، ما يفسح المجال أمام حركة
النهضة لتتصدّر المشهد البرلماني.
انقلاب في موازين القوى
وأضاف سعيّد: "ربّما تُفضي حركة التصحيح التي أعلن عنها أكثر من 60 نائباً إلى حصول انشقاق داخل الكتلة البرلمانية، وهو ما سيؤدّي بالضرورة إلى تصدّعها وانقسامها إلى أكثر من كتلة، وسيكون لذلك أثر على الأغلبية التي انبثقت عنها الحكومة".
ويوضح سعيّد بقوله: "رغم أنّ ما يحدث داخل "النداء" هو صراع داخلي لأجنحة الحزب بهدف الاستئثار بقيادته ولا يتعلق بسياسة البلاد، لكن قد ينفجر الوضع في أي لحظة ويُحدث انقلاباً في موازين القوى تحت قبّة البرلمان".
ولفت سعيّد إلى النظام السياسي الذي انبثق عن الدستور الجديد وأعطى لحزب "نداء تونس" الحق في تعيين رئيس الحكومة بعد تصدّره نتائج الانتخابات التشريعية في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014، كما مكنته أغلبية المقاعد النيابية من الظفر برأس السلطة التشريعية.
انعكاس مباشر
وأشار سعيّد إلى أنّ أيّ تغيير في خارطة البرلمان التونسي سيكون له انعكاس مباشر على رأسي السلطة التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان)، اللذين سيعود وضعهما إلى نقطة الصفر، وهو ما يقتضي إعادة تركيب المشهدين البرلماني والحكومي من جديد.
وأوضح سعيّد أن الجناح الرافض للهيئة التأسيسية الحالية للحزب، وهم مناصرو نجل رئيس الجمهورية ومؤسس "النداء" المستقيل الباجي قايد السبسي، يراوح بين 65 و70 نائباً، قد يكوّنون حزباً جديداً. في حين سيجد مناصرو الهيئة التأسيسية من النواب أنفسهم في كتلة ثانية لا تتجاوز 18 نائباً.
فرضية ممكنة
واعتبر المحلّل سعيّد أنّ فرضية بلوغ صراع "الندائيين" أقصى مداه غير مستبعدة، وهو ما سيعطي حركة النهضة (69 مقعداً) الحق الدستوري في تعيين رئيس حكومة بعد استقالة الحكومة الحالية.
وينصّ الفصل 89 من الدستور التونسي على أن تتكوّن الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة، بالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع،. ويكلف رئيس الجمهورية، في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي حال التساوي في عدد المقاعد بين أكثر من كتلة، يعتمد للتكليف عدد الأصوات التي حصلت عليها كل كتلة.
اهتزاز صورة "النداء"
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ الأزمة الحادة داخل حزب "نداء تونس" لم تؤثر إلى الآن على نشاط الحكومة، مضيفاً في حديث لـ"عربي21": "لكن إذا ما تطور الصراع، فإنّ ذلك سيحدث تحوّلاً جذرياً في المشهد السياسي، وسيزيد من اهتزاز صورة النداء باعتباره الحزب الحاكم"، حسب تعبيره.
ورأى الجورشي أن تطوّر الأزمة سيؤثر سلباً على وزراء النداء في المرحلة القادمة ؛"لأنهم سينخرطون في الصراع، وهو ما سيجعل الجهد موزعاً بين ما يجري داخل الحزب وبين العمل الحكومي"، وفق تقديره.