كيري في تصريحه الاخير تخلى عن العبارة الاميركية المشهورة: "مستقبل
سوريا يجب الا يشمل الاسد"، ابدلها بعبارة جديدة قلبت المقاييس:"الاسد لم يرغب في المفاوضات... ونحن ندفع من اجل ان يفعل ذلك". بكلام اوضح، الديبلوماسية الاميركية التي كانت تريد للرئيس السوري ان يرحل، صارت الآن تريده مفاوضا!
ما نطق به كيري ينسجم مع ما قاله مدير "السي اي آي": "واشنطن لا تريد انهيار نظام الاسد، لان ذلك سيوجد فراغا سوف يملأه داعش". اذا الحجة الاميركية لتبرير غض الطرف عن الاسد هي "وجود داعش". وهذا الانقلاب في المواقف ليس غريبا عن اميركا البراغماتية، فالبراغماتي يتعامل مع المتغيرات بما تفرضه الوقائع والمصالح لا بما تقتضيه المبدئيات الفارغة من اي مضمون.
في أي حال، الموقف الاميركي الجديد، نزل كالصاعقة على رؤوس المراهنين على اصرار اميركي على اطاحة الاسد مهما طال امد الازمة... وأثلج في المقابل صدور اصدقاء نظام دمشق واعتبروه نجاحا جديدا يضاف الى لائحة "نجاحاتهم" من بغداد الى صنعاء الى الملف النووي.
عظيم، نجا الاسد، من المقص الكلامي الاميركي ولكن ماذا عن سوريا ومصيرها البائس؟ هل نجت من المقصلة الفعلية التي تواجهها؟ وماذا يفيدها ان بقي رئيسها ودمرت هي وشعبها؟
يصير الكلام الاميركي الجديد ذا معنى، اذا ترافق مع مشروع تسوية ممكن، له مرجعيته السياسية، وله أفرقاؤه، وله رعاته القادرون على فرضه وتدوير الزوايا الحادة لوجهات النظر المتناقضة... وإلا يصير وصفة لتجدد القتال.
لم يوضح كيري اي مفاوضات يريد الدفع من اجلها. ألا تزال مسودة جنيف صالحة في الحالة المستجدة؟ وعن اي مساع ديبلوماسية يتحدث والنيران الاوكرانية تلتهم ما تبقى من ثقة هشة بين الراعيين المفترضين موسكو وواشنطن؟ وهل تستقيم الامور في ظل "العشق الاقليمي المجنون"؟ واذا صدقت النيات الاميركية عن دعم التفاوض، فاي معارضة يعتد بها ومقبولة لدى السوريين قبل غيرهم "تصلح" للمفاوضة؟ ومن الآن الى حين ظهور "معارضة معتدلة" تتسم بوزن تنظيمي وسياسي واخلاقي، كم سيترتب على سوريا وشعبها من الدمار والخراب؟ وماذا عن "داعش" الذي اعطي وضعا خاصا في سوريا غيره في العراق؟
ليست المرة الاولى تبدل واشنطن لغتها في الشأن السوري، لكن موقفها الراسخ والحقيقي من هذا البلد لم يتغير فعلاً منذ 11 آذار 2011 حتى اليوم. موقفها كان ولايزال: رأس سوريا وليس رأس الاسد. هكذا كان موقفها في العراق ولا يزال. وهكذا سيكون في دول عربية أخرى باتت على اللائحة أو على همة دخولها. وهي في هذا المجال حققت نجاحات منقطعة النظير.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)