ببرنامج وتاريخ سياسي يجمع بين مصدر قوة اليمين، وجانب من خطاب اليسار، ومشاركة حكومية سابقة أحدثت فارقا في حياة المواطنين، خاض زعيم حزب "كلنا" انتخابات الكنيست
الإسرائيلي الثلاثاء، ونجح في حصد 10 مقاعد من أصل 120، مكرسا وضعه رقما صعبا في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.
وحل حزب كحلون في المركز الخامس بعد الليكود بزعامة
بنيامين نتنياهو الذي حصد 30 مقعدا، و"المعسكر الصهيوني" بقيادة يتسحاق هرتزوج بـ24 مقعدا، والقائمة العربية الموحدة بـ14 مقعدا، وحزب "هناك مستقبل" بـ11 مقعدا.
تلك النتائج جعلت من الحزب عنصرا حاسما في تشكيل الحكومة الجديدة، حيث يحتاج إلى دعمه من يريد تشكيل ائتلاف حكومي سواء كان الليكود أو المعسكر الصهيوني، إذ يشترط القانون الإسرائيلي تأييد 61 عضوا بالكنيست للحكومة، حتى تتسلم مهامها.
ولم تأت هذه الوضعية صدفة، إذ يملك كحلون رصيدا سياسيا كبيرا يعتمد على الإصلاحات الجذرية التي أدخلها على قطاع الاتصالات الخلوية في إسرائيل إبان توليه الوزارة؛ فأصبح محبوباً في الشارع الإسرائيلي الذي أحس بالفارق الهائل الذي نتج عن هذه الخطوة، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وتولى كحلون البالغ من العمر 55 عاما، الذي انشق في وقت سابق عن الليكود، في وزارة الاتصالات بالحكومة الثانية لبنيامين نتنياهو، التي تشكلت مطلع العام 2009 واستمرت حتى العام 2013.
ويفاخر زعيم حزب "كلنا" بهذا الإنجاز، حيث تقول الصفحة الإلكترونية لحزبه: "بصفته وزيرا للاتصالات، نفذ عملية إصلاح جذري على صناعة الاتصالات اللاسلكية، ما أدى إلى انفتاح السوق الخلوي الإسرائيلي، فنتج عنه توفير الآلاف من الشيقلات للعائلات في البلاد".
وقبل تولي كحلون الوزارة، كان المواطن الإسرائيلي يدفع مبلغا لا يقل عن 100 دولار رسوم اتصالات عن الخط الواحد، قبل أن تنخفض هذه الرسوم بعد إصلاحاته؛ حيث أصبحت الآن لا تتعدى 30 دولارا شهرياً، بغض النظر عن كمية الاتصالات الداخلية والرسائل النصية مع استخدام محدد للإنترنت.
كحلون الذي يعيش في حيفا شمالي إسرائيل، وأب لثلاثة أطفال، هو ابن لعائلة متواضعة من اليهود الشرقيين (السفارديم) قدمت من ليبيا، وحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة حيفا، غير أنه درس أيضاً في كلية جون كنيدي للحوكمة في جامعة هارفرد الأمريكية.
سياسيا، ترعرع كحلون في حزب "الليكود"، فانتُخب عضواً في الكنيست عن الحزب في الفترة ما بين 2003، قبل أن يعلن في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، اعتزال الحياة السياسية وعدم خوض الانتخابات التي جرت في كانون الثاني/ يناير 2013.
وقال كحلون في مؤتمر صحفي آنذاك: "أنا سأغادر الكنيست، ولكنني لن أغادر الليكود"، وذكرت المحطة الثانية في التلفاز الإسرائيلي آنذاك سبب استقالته بأنه "يعتقد أنه بحاجة للراحة بعد العمل الصعب جدا والمكثف من خلال تولي حقيبتين وزاريتين (الاتصالات والرفاه)، ووجوده عشر سنوات في الكنيست".
كحلون الذي خاص انتخابات الكنيست عام 2003، ثالث اسم في قائمة "الليكود"، وسادس اسم في انتخابات 2009، أعلن على نحو مفاجئ سحب عضويته من الحزب اليمني، دون أن يبين أسباب ذلك.
لكن انتماء السياسي البارز لليكود لسنوات طويلة، دفع القيادية في الحزب، اياليت شكيد الثلاثاء، لدعوة كحلون إلى "العودة إلى البيت" في إشارة إلى التحالف مع الحزب الذي انطلق منه.
رحلة حزب "كلنا" مع السياسة الإسرائيلية بدأت مع الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة في نهاية 2014، وتأسيسه رسميا من قبل كحلون، حيث تضمن برنامجه التركيز على القضايا الاقتصادية، والاجتماعية التي تهم المواطنين الإسرائيليين. ومنذ الإعلان عن تأسيسه، دأبت استطلاعات الرأي على التنبؤ بحصوله على عدد معقول من المقاعد في الكنيست.
وتأسست شعبية الحزب بالأساس على الإصلاحات التي أدخلها رئيسه في قطاع الاتصالات اللاسلكية، حينما كان وزيرا. ونقل حزب "كلنا" على صفحته عن كحلون قوله إن "الحزب تأسس لتجديد آمال المواطن الإسرائيلي بحياة أفضل، وخلق مجتمع نفخر به".
وكتب كحلون خلال الحملة الانتخابية تدوينة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أريد حكومة تمكن الشبان من الزواج وامتلاك الشقق السكنية.. حق أهالينا أن يكبروا بكرامة"، مضيفا: "أريد حكومة قوية أمنيا، ولكنها تهتم بشؤون المواطنين".
واعتبر في تغريدة أخرى أن "إسرائيل تجاهلت كليا القضايا الاجتماعية"، وقال: "لم أجد شابا أو شابة غادروا البلاد بسبب التهديد الإيراني أو داعش، ولكنني التقيت الكثير من الشبان في الخارج الذين غادروا البلاد بسبب فقدان الأمل، أنا أقول لهؤلاء الشبان يمكننا أن نحل مشكلة الإسكان، ويمكننا أن نحل مشكلة التكاليف العالية للمعيشة".
وإلى جانب هذه الكلمات التي تستعير بعضا من خطاب اليسار، يملك كحلون أيضا نقاط قوة اليمين؛ إذ إنه مؤيد شرس للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يرفض تقديم أي تنازل عن القدس الشرقية المحتلة التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المنشودة.
وكان مقربون من رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، ألمحوا مؤخراً إلى استعداده لمنح حقيبة المالية لكحلون إذا ما وافق على الانضمام إلى ائتلاف حكومي يؤسسه.
ويرى مراقبون أن نتنياهو سيركز جهوده في الأيام القادمة لاستقطاب إما كحلون أو يائير لابيد، زعيم حزب "هناك مستقبل"، أو كلاهما إلى الائتلاف الذي يعكف على تشكيله.
إلا أن فرص لابيد تبدو صعبة في دخول الائتلاف؛ نظرا للخلاف الكبير الذي وقع بينه وبين رئيس الحكومة المنتهية ولايته وأدى لإقالته من الحكومة العام الماضي.
ووفق القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، فإن نتنياهو قد يفضل دخول حزب "كلنا" لائتلافه الحكومي، باعتباره حزباً جديداً سيسعى لتثبيت نفسه من خلال تولي حقائب وزارية.
كما يحتاج هرتزوج لـ"كلنا" أيضا في تشكيل الحكومة، إذا ما كلف بذلك في حالة فشل الحزب الفائز في هذا الأمر.
ويحتاج نتنياهو لمقاعد حزب كلنا لكي يتخطى ائتلاف أحزاب اليمين الذي يتوقع أن يشكله مع "إسرائيل بيتنا"، و"البيت اليهودي"، حاجز الـ61 مقعدا، و"يهودوت هتوراه"، و"شاس"، حاجز الـ61 مقعدا.
وفي تصريحات له الثلاثاء، أعلن نتنياهو أنه يفضل "حكومة وطنية" في إشارة إلى حكومة تعتمد على اليمين.
ودرجت العادة على أن يقوم رئيس الدولة بتكليف الحزب أو التكتل الحائز على أغلب الأصوات بتشكيل ائتلاف حكومي.
ويُمنح عضو الكنيست الذي أُسنِدت إليه المهمة مهلة 28 يوماً لتشكيل حكومة، ويستطيع رئيس البلاد تمديد المهلة بفترة إضافية من الوقت لا تتعدى 14 يوماً.
أما اذا انقضت هذه المهلة (حتى 42 يوماً)، ولم ينجح عضو الكنيست المكلف في تشكيل الائتلاف الحكومي، يستطيع الرئيس إسناد المهمة إلى عضو آخر، فتكون لهذا العضو مهلة 28 يوماً لتأدية المهمة، دون تمديدات أخرى.
وفي حال فشل الاثنان في هذه المهمة، تعاد الانتخابات، وهو ما لم يحدث في إسرائيل من قبل.