نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً حول الهجمات الانتحارية التي شنها
تنظيم الدولة يوم الجمعة في صنعاء، ضد مساجد يرتادها المصلون الشيعة، وخلفت أكثر من 140 قتيلاً. ووصفت الصحيفة هذه الهجمات بأنها استعراض قوة من تنظيم الدولة في بلد كان تنظيم
القاعدة في الجزيرة العربية هو الأقوى والأكثر حضوراً فيه، وخاصة بعد يومين من الهجوم في متحف باردو في تونس، الذي أودى بحياة 21 شخصاً، منهم عشرون سائحاً أجنبياً.
ونقلت الصحيفة عن دومينيك توماس، المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة في معهد دراسات الإسلام ومجتمعات العالم الإسلامي، أن نجاح تنظيم الدولة في تنسيق هجمات متزامنة ودموية بهذا الشكل، في وقت لم يكن أحد يلاحظ فيه وجوده في
اليمن، هو أمر مفاجئ بالتأكيد، ويطرح تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء هجوم سابق وقع ضد أكاديمية الشرطة في صنعاء، في السابع من كانون الثاني/ يناير الماضي ولم يتبنه تنظيم القاعدة.
وأضاف هذا الخبير أن قدرة تنظيم الدولة على شن هجمات مماثلة بكل ما تحتاجه من دعم لوجستي ودراسة واستقطاب للانتحاريين، تعني أن عناصر هذا التنظيم موجودون في صنعاء منذ مدة طويلة، وهو أمر وارد، إذ إن المشاكل الموجودة مثل الفوضى وغياب الأمن سهلت تكوين خلايا إرهابية نشطة.
ويرى توماس أن فرع القاعدة في الجزيرة العربية يعاني من صعوبات كثيرة في مواجهة
الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء منذ أيلول/ سبتمبر 2014، حيث اضطر لحصر نشاطه والتركيز على المعارك الدائرة في معاقله في المناطق الجنوبية، وخلف وراءه فراغاً في صنعاء ليترك متطرفين غير مؤطرين يمكن لتنظيم الدولة استقطابهم بسهولة.
كما يمكن أن يكون المقاتلون اليمنيون العائدون من سوريا قد كوّنوا خلايا تابعة لتنظيم الدولة الذي قاتلوا في صفوفه هناك، ولكن هذه الفرضية محدودة التأثير على اعتبار أن عدد المقاتلين اليمنيين في سوريا لا يتجاوز المئة في أقصى الحالات.
أما الفرضية الثالثة التي طرحها بعض اليمنيين، فهي تواطؤ بعض ضباط المخابرات اليمنية مع العناصر الإرهابية بهدف تصفية حسابات سياسية.
كما ينقل التقرير عن دومينيك توماس أن هناك أطرافاً داخل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، تمارس ضغوطاً من أجل الدفع بالتنظيم لإعلان ولائه لتنظيم الدولة، وذكّر في هذا السياق بقيام مأمون حاتم، وهو أحد كوادر أنصار الشريعة، بالمطالبة بالتقارب مع تنظيم الدولة دون أن يصرح بمبايعته.
وقال التقرير إن ثمانين في المئة من الهجمات التي تعرض لها الحوثيون منذ سيطرتهم على صنعاء، يقف وراءها تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وخاصة خلال المواجهات في منطقة البيضاء في جنوب البلاد. وذكر أن هذا التنظيم يستهدف دائماً الأجانب والقوات الحكومية، مثل ما حصل في هجمات شارلي إيبدو وما يحصل ضد الحوثيين الآن، ولا يهتم بسقوط ضحايا من المدنيين.
ولكن هذا التنظيم في الوقت نفسه لا يستهدف المساجد والأماكن العامة، وهو ملتزم بالتعليمات التي أصدرها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العراق سنة 2004، كرد على اعتماد "أبو مصعب الزرقاوي" على مهاجمة الأماكن العامة، كما أنه لا يحبذ التكفير، ومن المستبعد أن يقوم مثلاً بقتل الأقليات الدينية أو الأشخاص المخالفين له في الرأي.
كما وصف التقرير الهجمات الأخيرة في صنعاء بأنها ضربة موجعة لتنظيم القاعدة، الذي سيحاول أن يثبت أنه ما زال قادراً على التحكم بمقاتليه الذين قد ينشق منهم الكثيرون للالتحاق بالوافد الجديد على اليمن، حيث إن تنظيم القاعدة نجح في السابق في الحفاظ على مكانته من خلال تعاونه مع تنظيم أنصار الشريعة الذي يملك قدرات ميدانية كبيرة، ولكن إذا تتالت هذه الهجمات فإن تنظيم الدولة سيسحب البساط من تحته.
وتوقع التقرير أن هذه الهجمات ستكون لها تأثيرات مهمة على تنظيم القاعدة على المدى القصير والمتوسط، وستطرح تساؤلات داخل التنظيم، وخاصة في صفوف الشباب المتحمسين لتكثيف الهجمات ضد الحوثيين.
كما أن التنظيم يتعرض لمشاكل عديدة بسبب شعور البعض بأن الظواهري لم يتمكن من ملء مكان الزعيم السابق أسامة بن لادن، بالإضافة إلى أن التنظيم يلزم الصمت أمام الانتقادات العديدة التي يتعرض لها، حيث إن آخر خطاب للظواهري يعود لشهر شباط/ فبراير 2014، في مقابل اعتماد تنظيم الدولة على جهاز إعلامي ضخم وتقنيات عصرية للتواصل مع أنصاره وخصومه.
ويقول التقرير إن قيام تنظيم الدولة بهجمات في اليمن وتونس والجزائر خلال ثلاثة أيام فقط يحقق دعاية كبيرة، ويرد على من يقولون إن قدراته تراجعت، فيما يحاول هو التوسع أكثر.
وترى الصحيفة أن نجاح التنظيم خلال هذه الفترة يثبت أنه نجح في خلق طريقة عمل لا مركزية في داخله، من خلال تكوين خلايا غير متصلة بالقيادة المركزية.