مازال النقاش في
المغرب محتدما حول موضوع الإجهاض، منذ أن نظمت وزارة
الصحة بداية شهر آذار/ مارس الجاري لقاء جمعت فيه مختصين من مشارب وتخصصات مختلفة، فتباينت المواقف حول هذا الموضوع بين من يدعو إلى إباحته، ومن يدعو إلى تحريمه فيما اختار طرف آخر التموقع في الوسط.
وفي مقال جديد له حول الإجهاض، هاجم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني من سماهم بــ"دعاة الإجهاض ومجاهديه"، واصفا إياهم بـ"الحركة الإباحية الجنسية" و"الحركة الإجهاضية بالمغرب".
وأضاف نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في المقال الذي توصل به "عربي21"، أن الإجهاض عند هؤلاء لا يعدو أن يكون "حلقة ومحطة من مسلسل طويل عريض، ضمن رؤية تستهدف "تحرير الإنسان وطاقاته الجنسية من سلطان الدين؛ أي الوصول في النهاية إلى إنسان بلا دين، وممارسة جنسية بلا حدود ولا قيود".
وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح المغربية ورئيسها الأسبق، موجها خطابه إلى من وصفهم بـ"الإجهاضيين": "أدعوهم إلى أن يكشفوا لنا عن الصورة النهائية للمجتمع الذي يريدونه، وخاصة عن العلاقات الجنسية في مجتمعهم المنشود، حدثونا عن النهاية التي تريدون، وليس فقط عن البداية التي تعلنون".
في السياق ذاته، قال الريسوني في مقال آخر نشر على موقعه الإلكتروني، إن: "الإجهاض يكون واجبا في حالات، ويكون جريمة في حالات، وله حالات أخرى تحتمل وتحتمل، أترك النظر فيها للاجتهاد الفقهي والقانوني، أيا كان ترجيحه واختياره فيها". ودعا إلى إسناد الأمور إلى أهلها.
في المقابل، جاء موقف حركة التوحيد والإصلاح، المقربة من حزب العدالة والتنمية، منسجما مع موقف الريسوني إذ قالت الحركة ضمن بلاغ لها إن "أحكام الدين الإسلامي السمح والاجتهاد ضمن مقاصده، كفيلة بإيجاد الحلول المناسبة للإشكالات المطروحة بما يحفظ نظام الأسرة والأخلاق العامة ويرفع الحرج في الحالات التي تستدعي الاستثناء".
من جهة أخرى، دعت الحركة إلى مراعاة قدسية الحياة وحرمة النفس البريئة والتجريم الجنائي للمساس بها، و"مواجهة دعوات الحرية الجنسية التي لن تخلف سوى الآثار الوخيمة على النظام الأخلاقي والتماسك المجتمعي".
لكن عضو المجلس العلمي الأعلى مصطفى بنحمزة رفض إباحة الإجهاض، وقال في مداخلة له، ضمن اللقاء الذي نظمته وزارة الصحة المغربية، إنه لا ينبغي أن نبرر الإجهاض مهما كانت الدوافع، مدافعا عن حق الجنين في الحياة.
وأوضح رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة (شرق المغرب)، أن إباحة الإجهاض في بعض الحالات من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام الإجهاض، متسائلا عن ذنب الجنين في ذلك.
وتطرق بنحمزة إلى مسألة نفخ الروح في الجنين، موضحا أن النصوص الدينية تشير إلى أنها تتم بعد مرور 120 يوما من تكون الجنين في الرحم.
وفي الوقت الذي دافع فيه بنحمزة عن حق الجنين في الحياة، دافع أستاذ علم الاجتماع عبد الصمد الديالمي، ضمن لقاء وزارة الصحة، عن حق المرأة في الحمل من عدمه.
وطالب أستاذ علم الاجتماع، المعروف بمواقفه المثيرة حول الجنس، بوضع "قانون يقر وينظم حق المغاربة في الإجهاض، ويعترف للرافضين للإجهاض بحقهم الشخصي والفردي في عدم ممارسته".
من جهة أخرى، وعلى عكس دعاة إباحة الإجهاض ومناهضيه، اختار سعد الدين العثماني، القيادي في حزب العدالة والتمنية المغربي الذي يقود الحكومة، أن يتخذ موقفا وسطا من قضية الإجهاض.
ودعا العثماني الذي يشتغل دكتور أمراض نفسية، في مقال نشرته العديد من وسائل الإعلام المغربية، إلى إباحة الإجهاض في حالات بعينها، لكن بشروط.
واقترح وزير الخارجية المغربي السابق إباحة الإجهاض "خلال الأسابيع الستة الأولى من الحمل إذا ترتب الحمل عن اغتصاب أو زنى المحارم"، و خلال 120 يوما الأولى من الحمل إذا ثبت أن الجنين مصاب بأمراض غير قابلة للعلاج أو تشوهات خطيرة.
وأضاف رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي حالة أخرى يجب أن يباح فيها الإجهاض قانونيا قائلا: "إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم بإذن من الزوج، ولا يطالب بهذا الإذن إذا رأى الطبيب أن حياة الأم في خطر".
وكان العاهل المغربي محمد السادس قد استقبل كلا من وزير العدل والحريات المصطفى الرميد، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، بخصوص موضوع الإجهاض، داعيا إياهم إلى إيجاد مقاربة للموضوع تجمع بين الديني والحقوقي والإنساني.
وأعطى ملك المغرب، بحسب بلاغ سابق للديوان الملكي، توجيهاته للمسؤولين لتدارس هذا الموضوع، وإجراء لقاءات واستشارات موسعة مع جميع الفاعلين المعنيين وتلقي آرائهم على اختلافها، وجمع الاقتراحات ورفعها إليه من أجل صياغة نص قانوني حول الموضوع.
يشار إلى أن القانون المغربي ينص على تجريم الإجهاض من خلال عشرة فصول ضمن القانون الجنائي خاصة الفصل 449، كما أن المغرب يعرف حالات كثيرة للإجهاض السري سنويا، إذ تشير إحصائيات غير رسمية إلى إجراء ما بين 600 و800 عملية إجهاض سرية بالمغرب.