استطاع الأسرى
الفلسطينيون، رغم مرارة تجربة الأسير، أن يهزموا سجانهم حين حولوا سجونه المظلمة إلى منارات فكرية وأدبية، فمنهم من أصبح أديبا ينظم قافية القصيدة أو يكتب بمداد قلمه حكاية الدم والانتصار، ومنهم من دوّل القضية في المحافل الدولية بعد التحرر من الأسر.
نوعية الكتب
وتفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الأسرى الذين يرغبون باستكمال دراستهم الجامعية الالتحاق بالجامعة العبرية المفتوحة لاعتبارات أمنية تزعمها، فيما يؤكد الأسرى أن الاحتلال يختار تلك الجامعة فقط لتعجيزهم عن
الدراسة، كونها تعتمد اللغة العبرية وآليات قبول صعبة للغاية.
ويشير الأسير المحرر علي عصافرة (32 عاما)، إلى ظروف
التعليم السيئة في غياهب السجون، ومحدودية الفرص التي يمنحها الاحتلال.
ويقول لـ"عربي21": "تفرض إدارة السجون معايير محددة لنوعية الكتب التي يتم إدخالها، وكثير منها لا يتناسب مع احتياجات الأسرى، وأحيانا تمنعها نهائيا، ولا تسمح حتى بإدخال قصاصات الأوراق".
ورغم ذلك، تمكن الأسير المحرر ضمن صفقة وفاء الأحرار (تم مبادلة 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط) من استكمال دراسته الجامعية في تخصص اللغة العربية الذي التحق به من داخل أروقة الأسر، ومن خلال قراءة كل ما يقع تحت يديه حاول أن ينمي مهاراته في الكتابة الأدبية، حتى استطاع أن يصدر ديوانه الأول "اللؤلؤ والمحار"، ثم أتبعه بديوان "الضوء والأثر".
أوراق الصبار
وأكد أن "المضايقات من قبل إدارة مصلحة السجون كلفتني إعادة نسخ ديواني الأول بخط يدي أكثر من 20 مرة. ففي كل مرة يصادر في التفتيش، ولا أفلح في إخراجه، إلى أن وصل أخيرا إلى مؤسسة فلسطين للثقافة بدمشق وتم طباعته وأنا داخل الأسر."
وأوضح عصافرة أن العقبات كانت تمنحه على الدوام "مزيدا من التحدي والرفض" للواقع الذي تريده إدارة مصلحة السجون بجعل الأسير "مغيبا عن العالم، جاهلا بما يحدث حوله، عاجزا عن التعبير عن مكنوناته الفكرية والارتقاء بها"، لافتا إلى أنه استطاع أن ينجز العديد من الكتابات الشعرية، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان "أوراق الصبار"، وغيرها من الإنتاج الشعري والأدبي.
وفي السياق ذاته، يؤكد الأسير المحرر محمد حمادة (37عاما)، أن إدارة السجون "تسعى دوما لمنع الأسرى من استكمال مسرتهم العلمية"، موضحا أن "الكثير من الأسرى قبلوا التحدي، وتمكنوا من نيل الدرجات العلمية وفق ما تفتضيه حاجتهم العلمية والإمكانيات المتاحة لديهم".
وقال لـ"عربي21": "كان علي إتقان اللغة العبرية كي أتمكن من الالتحاق بالجامعة العبرية، واستطعت بمجهود شخصي وبمساعدة بعض الأسرى، وحصلت على بكالوريوس في العلوم السياسية".
تحقيق ذواتهم
وإمعانا في التضييق على الأسرى الطلبة، تتعمد إدارة مصلحة السجون بين الحين والآخر إلى إجبارهم على التنقل بين السجون لتضييع فرصهم في استكمال الدراسة، وتقوم بعزل بعض الطلبة لحرمانهم من التواصل الجامعي، وتمنع عنهم الكتب، وتصادرها قبل الانتهاء من الدراسة بأشهر قليلة، من أجل إفشالهم في رحلتهم العلمية، بحسب حمادة.
ويهدف الأسرى من التحاقهم بالجامعات واستكمال مشوارهم العلمي من داخل أقبية السجون إلى تحقيق ذواتهم والارتقاء بها؛ لمواصلة مشوارهم النضالي حين التحرر.
وينوه هنا الأسير المحرر حمادة إلى أن عددا كبيرا من الأسرى الأميين خرجوا من الأسر يجيدون القراءة والكتابة، وبعضهم نال الثانوية، وكثر من أكملوا الدراسة الجامعية والتحقوا بالدراسات العليا، رغم كافة الصعوبات.
ويقول: "الأسير في السجن أصبح مثقفا محبا للمطالعة، متعلما متبحرا في العلوم والأبحاث، وحافظا للقرآن أو أجزاء منه".
وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين (وزرارة الأسرى سابقا) التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في تقرير لها، بمناسبة إحياء الفلسطينيين ليوم الأسير الذي يصادف 17 نيسان/ أبريل من كل سنة، أن الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 6500 فلسطيني في سجونه بينهم نساء وأطفال ووزراء ونواب في المجلس التشريعي.