لا تزال السلطات
العراقية تتحقق من مقتل زعيم جيش الطريقة النقشبندية عزت الدوري الذي يشتبه بسقوطه في معارك ضد القوات العراقية وقوات "الحشد الشعبي" والتي جرت في 17 نيسان/ إبريل الماضي، بينما أنكر متحدث باسم حزب البعث المنحل صحة ا الخبر، وقال مصدر أمني عراقي إن القوات الأمنية "تشتبه" في أن تكون الجثة عائدة للدوري، مضيفا أنه "تم إرسال الجثة إلى دائرة الطب العدلي ببغداد لمطابقة الحمض النووي، وكان هادي العامري قائد فصائل "منظمة بدر" التي تقاتل إلى جانب القوات الأمنية قد صرّح بأن 12 قتيلا سقطوا إثر اشتباكات بين "الحشد الشعبي" وأبناء عشائر العلم في منطقة جبال حمرين الممتدة بين محافظتي ديالى شمال شرق بغداد، وصلاح الدين شمالا، مضيفا أن من بين القتلى جثة تحمل ملامح الدوري، وأنه سيتم فحص الجثة للتأكد من هويتها.
وقال كل من رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم والمحافظ رائد جبوري إنه سيتم إثبات هوية الجثة خلال الساعات القادمة، وكانت حركة "عصائب أهل الحق" المتحالفة مع القوات الحكومية قد أعلنت أنها قتلت عزت الدوري، كما أعلن التلفزيون العراقي الرسمي أن الدوري قتل في المواجهات بمحافظة صلاح الدين.
عزت إبراهيم الدوري من مواليد 1 تموز/ يوليو 1942 وينتمي إلى عشيرة المواشط في مدينة الدور في محافظة صلاح الدين، تربى تربية دينية ذات نزعة صوفية، دخل المدرسة وأتم التعليم الثانوي وانخرط في صفوف حزب البعث، وسرعان ما اشتهر وبرز في الحزب حتى أصبح عضوًا في القيادة القطرية للحزب، كان الرجل الثاني إبان حكم صدام حسين حيث شغل مركز نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وقبلها عدة مناصب من بينها منصب وزير الداخلية ووزير الزراعة. بعد احتلال العراق اختفى عزت الدوري وأعلن حزب البعث العربي الاشتراكي (العراق) أنه تسلم منصب الأمين العام للحزب خلفًا لصدام حسين بعد إعدامه، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية برصد عشرة ملايين دولار لمن يتقدم بأي معلومات تقود إلى اعتقاله أو قتله.
تنتمي حركة "جيش رجال الطريقة النقشبندية" إلى الفضاء السني الصوفي، وقد أعلنت رسمياً عن تأسيسها عقب إعدام صدام حسين في 30 كانون أول/ ديسمبر 2006، كحركة مقاومة تناهض الاحتلال الأمريكي وهيمنة المكون الشيعي والنفوذ الإيراني في ظل تصاعد حركات المقاومة السنية السلفية، وكان عزت الدوري أحد أتباع الطريقة النقشبندية التي تتمتع بحضور وانتشار كبير في العراق بين العرب والكرد، منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وقد سلك في صفوف الطريقة وتوج كشيخ لأحد فروعها، وعلى الرغم من انتمائه البعثي العلماني إلا أن الدوري بحكم تربيته الصوفية نسج
علاقات مع الطريقة والنقشبندية والقادرية، وتعززت صلاته بالحركات الصوفية خلال الحرب الإيرانية العراقية التي شهدت تحولات في بنية حزب البعث الحاكم وتوجهاته نحو أسلمة الحزب بداية التسعينيات والتي توجت عام 1993 بالإعلان عن "الحملة الإيمانية"، الأمر الذي مكّن الدوري من ضم العديد من الأسر العسكرية إلى الطريقة النقشبندية.
كانت عملية إعدام صدام حسين من قبل ميليشيات شيعية في كانون أول/ ديسمبر 2006، حاسمة في انطلاق "جيش رجال الطريقة النقشبندية"، مع تصاعد حدة العنف الطائفي، وملاحقة عناصر النظام السابق وفق قانون "اجنثاث البعث"، وفي أوائل عام 2007 حدث انشقاق في حزب البعث وبات منقسما إلى عدة أجنحة، وخصوصا بين جناح تحالف مع محمد يونس الأحمد الذي تربطه علاقات وثيقة مع المخابرات السورية، وجناح تحالف مع الدوري، ومع بروز عمليات فرز واستقطاب داخل فصائل المقاومة وتكوين أطر جبهوية واسعة تضم الفصائل الأكثر تجانسا على صعيد الإيديولوجيا والأهداف أمثال: دولة العراق الاسلامية، وجبهة الجهاد والتغيير، وجبهة الاصلاح والتغيير، وقد تشكلت جبهة الجهاد والتحرير في تشرين أول/ أكتوبر 2007 من عدة فصائل صغيرة وفي مقدمتها "جيش رجال الطريقة النقشبندية" بزعامة الدوري، وفي أواخر عام 2009 تشكلت جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني المكونة من تحالف القيادة العليا للجهاد والتحرير وجبهة الجهاد والخلاص الوطني.
تميزت الطريقة النقشبندية تاريخيا بقدرتها على التكيّف مع التطورات السياسية، إذ تعتبر الطريقة النقشبندية الأبرز والأكثر انتشارا في آسيا الوسطى، وفي تركيا تعد الطريقة النقشبندية أكبر الطرق الصوفية من حيث عدد المنتسبين إليها، فعلى الرغم من حظر الطرق الصوفية فى تركيا، إلا أن العديد منها كون علاقات حماية مع أحزاب مختلفة بما فيها حزب "الشعب الجمهورى"، وتكيفت مع النظام الجديد لتعدد الأحزاب وأصبحت جزءا من النظام السياسي التركي. فحزب "النظام القومى"، وهو أول حزب أنشأه نجم الدين أربكان كان فى واقع الأمر من تأسيس إحدى الجماعات النقشبندية الخالدية ــ فرع جوموش حنفى ــ بتأييد من مجموعة نورشو، واليوم فإن شخصيات هامة جداً بما فيهم رجب طيب أردوغان فى حزب "العدالة والتنمية" كانوا أعضاء فى جماعة النقشبندية.
أما في كردستان العراق فيعتبر ضياء الدين خالد حسين المعروف باسم "مولانا خالد النقشبندي" هو مؤسس الطريقة النقشبندية بداية من عام 1808. واستطاعت هذه الطريقة أن تفرض نفسها في كردستان بعد صراع مع أتباع الطريقة القادرية، وهي طريقة حافظت على توجهها السني ومواجهة التشيّع، وتعتبر نفسها وريثة مباشرة للروحانية الخراسانية والمدرسة الملامتية التي ارتبطت بها، وهي تعتني بالزهد والورع وإصلاح الباطن، وقد انتظمت برعاية بهاء الدين نقشبند (ت: 791هـ/ 1389م)، إلا أن النقشبندية يعتبرون عبد الخالق الغجدواني شيخ الطريقة الحقيقي، فهو الذي أدخل فيها سنة المواظبة على الذكر الباطني أو "ذكر القلب" اقتداءا بأبي بكر الصديق، وأصبح هذا النوع من الذكر علامة مميزة للطريقة، وقد وضع أتباع النقشبندية مجموعة من القواعد يمارسونها، وهي موجودة في التصوف مثل: "مراقبة الخطوات" و"محاسبة النفس" و"الخلوة في الجلوة" وغيرها. ويقول أصحاب الطريقة إن طريقتهم تسمى "الصديقية" نسبة إلى أبي بكر الصديق.
ويقوم مبدأ الطريقة على مراعاة الانسجام بين الشرع والسلوك ولذلك استطاعت المحافظة على التسنن لدى مسلمي آسيا الوسطى، وبفضل الشيخ الخواجة أحرار (ت: 895هـ/ 1490م)، تمكنت من الهيمنة على طرق الصوفية الأخرى خلال القرن التاسع هجري، فقد عمل على تأسيس شبكة اقتصادية واسعة لحماية الفلاحين من الضرائب الظالمة ودعى الساسة لاحترام تعاليم الإسلام، واستطاعت النقشبندية الوصول إلى القوقاز وكردستان والأناضول ونالت الحظوة عند سلاطين آل عثمان، وامتد أثرها إلى العالم العربي ووصلت إلى الهند بفضل مجدد الألف الثانية للهجرة أحمد السرهندي (ت: 1032هـ/ 1624م)، وأصبح كتابه "المكتوبات" موضع تدبر النقشبندية حتى الوقت الراهن، وهو يؤكد على العودة إلى الشرع ويدعو إلى الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتمكن من إلزام الساسة بتطبيق الأحكام الفقهية، وامتد منذ بداية القرن الحادي عشر الهجري فرع المجددية التابع للسرهندي من الانتشار في الصين والجزيرة العربية وأندونيسيا ولا زالت هذه الطريقة من أكثر الطرق انتشارا في العالم الإسلامي. وتنتشر الطريقة في معظم البلاد العربية خصوصاً في العراق وبلاد الشام.
شهدت الطريقة النقشبندية عددا من الأعلام المجددين أمثال مولانا خالد النقشبندي (ت: 1827م)، وهو من أصل كردي استقر في دمشق وتبنى الخط الإصلاحي لأحمد السرهندي، وأغنى الطريقة بطرق تعليمية جديدة ودعى إلى الالتزام لأحكم الشريعة، ومن أبرز تلاميذه الفقيه الحنفي الكبير ابن عابدين (ت: 1251هـ/ 1836م)، وامتد تأثير النقشبندية الخالدية في القوقاز وقد عملت على تنظيم المقاومة المسلحة ضد الاجتياح الروسي، ويعتبر الإمام شامل (ت: 1859م)، من أبرز رموز المقاومة وكان وفيا للشيخ خالد النقشبندي حتى وفاته. وهو المصدر الأول للطريقة النقشبندية في الشرق الأوسط (العراق وسوريا وتركيا وغيرها)، وقد أخذ الطريقة عنه عدد كبير، ومنهم العلامة الآلوسي صاحب تفسير (روح المعاني) والفقيه ابن عابدين الحنفي صاحب الحاشية المشهورة في فروع الحنفية.
وتعد الطريقة النقشبندية الحقانية اليوم من أكثر فروع النقشبندية انتشارا، وتُنسب الحقانية إلى الشيخ محمد ناظم عادل الحقاني النقشبندي، وهو من مواليد لارنكا بقبرص عام 1922م، وقد تلقى من والده الطريقة القادرية، ومن جده لأمه تلقى الطريقة المولوية، بدأ بدراسة الهندسة الكيميائية في جامعة اسطنبول عام 1940م، وبنفس الوقت كان يتقدم في علوم الشريعة واللغة العربية عن طريق الشيخ جمال الدين الآسوني (ت: 1945م). وفي اسطنبول اتصل الحقاني بشيخ النقشبندية آنذاك سليمان أرضرومي (ت: 1948م) وسلك عليه الطريقة النقشبندية، وقد شجّعه شيخه للحضور إلى سوريا، فزار حلب وحماة، وحمص حيث جاور مدة سنة عند ضريح الصحابي خالد بن الوليد. وفى حمص تابع تحصيله للعلوم الشرعية على مشاهير علمائها، منهم محمد على عيون السود، وأمين فتوى حمص عبدالعزيز عيون السود، ، وعبد الجليل مراد، وسعيد السباعي النقشبندي، وغيرهم.
وفي عام 1944م انتقل الشيخ ناظم إلى طرابلس حيث نزل ضيفاً عند شيخ مشايخ الطرق الصوفية فيها آنذاك منير الملك. وفي عام 1945م توجه إلى دمشق حيث التقى بالشيخ عبدالله فائز الداغستاني النقشبندي (ت: 1973م) فلازمه وأتم سلوكه على يديه. وبعد أخذ المبادئ من الشيخ عبد الله الداغستاني، وتلقي بعض تمارين الطريقة؛ أُمر الحقاني بالعودة فوراً إلى بلده قبرص، وتنفيذاً لأوامر شيخه انطلق فوراً عائداً لوطنه الذي غادره منذ خمس سنوات. وبدأ بنشر الطريقة في قبرص، حيث تجمّع حوله أعداد كبيرة من المريدين وتقبلوا الطريقة النقشبندية. وكان خلال فترة إقامته بقبرص يسافر في أنحاء قبرص وفي تركيا ولبنان والإسكندرية والقاهرة والسعودية وأقطار أخرى لنشر الطريقة النقشبندية. وعاد إلى دمشق عام 1952 وأقام فيها لسنوات عديدة كان خلالها يزور قبرص ثلاثة أشهر بالعام. وله رحلات إلى بريطانيا وأمريكا أسفرت عن تأسيس أكثر من 15 مركزاً للطريقة النقشبندية في شمال أمريكا.
لا تمثل حركة "جيش رجال الطريقة النقشبندية"، الطريقة النقشبندية في العراق كما لا يعتبر عزت الدوري شيخ الطريقة الأوحد، فالطريقة النقشبندية أوسع من الحركة ولا يوجد مرجع كبير للطريقة وبعد وفاة الشيخ عثمان سراج الدين 1997، الذي بعد آخر الشيوخ الكبار للطريقة في العراق، وينتقد بعض مشايخ الطريقة نهج الدوري بالمزاوجة بين حزب البعث والطريقة النقشبندية، بل بعتبرونه أقرب إلى الطريقة "القادرية الكسنزانية" التي كانت مقربة من نظام البعث.
أحد أهم المسائل الرائجة حول "جيش رجال الطريقة النقشبندية"، هي تضخيم حجمه ونفوذه وقدراته العسكرية، ولعل تزاوج العسكرية البعثية والطرقية الصوفية في إطار الحركة أضفى عليها مسحة سحرية غير واقعية، بل اعتقد البعض أن جيش الطريقة هو من يتحكم في
تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن سيطرة تنظيم الدولة على الموصل في حزيران/ يونيو 2014 كشفت عن ضعف سائر المكونات التي تحالفت مع تنظيم الدولة ومن ضمنها جيش الطريقة النقشبندية الذي مدح تنظيم الدولة في تسجيل صوتي لعزت الدوري في 13 تموز/ يوليو2014 قال فيه: "إن أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية لهم مني تحية خاصة ملؤها الاعتزاز والتقدير".
لم يكن ممكنا أن تستمر العلاقات المفترضة بين تنظيم الدولة وجيش رجال النقشبندية نظرا للاختلافات الإيديولوجية والأهداف العملية، إذ سرعان ما بدأ الدوري بالهجوم على تنظيم الدولة الإسلامية بعد بروز خلافات بين عناصر الجيشين في الموصل، فقد وقعت بالفعل اشتباكات بين رجال الجيش النقشبندي وبين مقاتلي داعش في 21 حزيران/ يونيو 2014. كما لا يمكن أن تنسجم رؤية الدوري الصوفية البعثية مع رؤية تنظيم الدولة الإسلامية السلفية المتشددة، والتي تعتبر البعث طائفة كفر وردة، والصوفية بين الكفر والبدعة، كما أن موقف الدوري يتناقض مع توجهات تنظيم الدولة، فقد ورحب الدوري في تسجيل صوتي بالتحالف العربي ضمن "عاصفة الحزم" التي شنها تحالف دولي بقيادة السعودية في 26 آذار/ مارس 2015 ضد جماعة الحوثي في اليمن، معتبرا أنه "عودة قوية للقومية العربية"، وأكد أن "إيران ستنهار ويُبعث الفكر العربي التحرري, حيث إننا نقاتل المحتل الجديد وندعو جميع الحلفاء لطرد الفرس من العراق"، وهو أمر يناهض توجهات تنظيم الدولة الذي يعتبر السعودية عدوا مرتدا كما هو حال جميع الأنظمة العربية.
خلاصة القول أن "جيش رجال الطريقة النقشبندية"، لا يمثل الطريقة النقشبندية وإنما أحد فروعها التي زاوجت بين العسكرية البعثية والطريقة الصوفية، وأن حجم قدراته العسكرية وعديد أفراده أقل مما هو شائع في وسائل الإعلام، كما أن هناك مبالغة شديدة في دوره الميداني على صعيد العمليات العسكرية ونفوذه السياسي، ولعل من أكثر الأساطير والخرافات التي راجت أن جيش الطريقة يتوافر على علاقات جيدة مع تنظيم الدولة الإسلامية بل يتحكم في قراره، وتلك هي خرافة لا أصل لها في الواقع.