أثار
مشروع قانون "زجر" الاعتداءات على قوات
الأمن الداخلي، والمقرات والمنشآت والتجهيزات الموضوعة تحت تصرفها؛ جدلا واسعا في الساحة السياسية والحقوقية والإعلامية بتونس، عقب مصادقة المجلس الوزاري عليه في بداية شهر نيسان/ أبريل، قبل إرساله إلى البرلمان للتداول حوله، والمصادقة عليه، أو
رفضه.
واحتوى مشروع القانون، الذي اطلعت عليه
"عربي21"، على 20 فصلا، يتلخص محتواها في تجريم الاعتداء على قوات الأمن ماديا أو معنويا، بالإضافة إلى تجريم الاعتداء على عائلاتهم وذويهم.
وقيد مشروع القانون أسلوب تناول المعلومة الأمنية، ومنع نشر أي معطيات تتعلق بـ"الأمن الوطني"، حيث يعاقب بالسجن لمدة 10 سنوات كل من يحاول نشر معلومات أمنية، كما يعاقب بالسجن لذات المدة كل من هدد عون (معاون) أمن أو أحد أفراد عائلته، بالإضافة إلى أنه يمنح حصانة استثنائية لأعوان الأمن في حال إصابة أو قتل شخص عند صد أي اعتداءات.
ونص مشروع القانون على المعاقبة بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى غرامة قدرها ثلاثة آلاف دينار، لكل من يعتدي بالثلب أو بالقذف على عون قوات أمن داخلي، أو يرمي سلكا من أسلاك قوات الأمن الداخلي بادعاء لم تثبت صحته.
ونص أيضا على عقوبة بالسجن لمدة عامين، مع غرامة قدرها ألفا دينار؛ لكل من هدّد بارتكاب جناية أو جنحة على عون من أعوان قوات الأمن، أو قرينه، أو أحد فصوله أو فروعه، أو أحد ممن هم في كفالته، أو يعيشون معه، بسبب مباشرته لمهامه، أو بمناسبتها، أو لمجرد صفته، سواء كانت ظاهرة أم معلومة من مرتكبه.
معارضة واسعة
وانتقدت الرابطة
التونسية للدفاع عن
حقوق الإنسان "بشدة" مشروع قانون حماية الأمنيين، ذاهبة إلى أنه يمس حقوقا مكتسبة بعد الثورة، ويهدد حرية التعبير والتظاهر والنقد والاحتجاج.
وعبّرت في بيان لها نشر أمس الثلاثاء، عن استغرابها من "إعداد مشروع قانون تحت عنوان زجري، ومضمون زجري، عوض أن يكون حمائيا؛ يهدف إلى توفير الحماية الأساسية المهنية والاقتصادية والاجتماعية للقوات المسلحة".
وطعنت الرابطة في دستورية القانون من الأساس، ورأت أن جلّ فصوله "تشكل خرقا صارخا للمواثيق الدولية وللدستور، من ذلك الفصل 32 المتعلق بحقّ المواطن في الوصول إلى المعلومة، والفصل 31 المتعلق بحرية الفكر والتعبير والإعلام والصحافة والنشر".
وأضافت المنظمة الحقوقية أن القانون "يخرق مبدأ المساواة، باعتبار أنه منح حصانة خاصة لأعوان الأمن وذويهم"، مطالبة بـ"سحب هذا المشروع، والتصدي له".
من جهته؛ عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية) من خلال صفحته الرسمية في "فيسبوك" الاثنين الماضي، عن رفضه مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، واصفا إياه بأنه "يمهد لمنع الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية، ولتدخل البوليس في النزاعات الشغلية أيضا".
وقال النائب في مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية (أقصى اليسار) عمار عمروسية، في تصريح إذاعي لإذاعة شمس أف أم، إن مشروع القانون يُعد "مدخلا كبيرا لعودة الاستبداد ورجوع دولة البوليس"، مؤكدا أن "عديد الحقوقيين والنواب سيرفضون مشروع القانون".
أما الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري (يسار الوسط) عصام الشابي؛ فطالب الحكومة بسحب مشروع القانون، وإعادة النظر فيه "بسبب عدم انسجامه والروح التحررية الموجودة في الدستور التونسي".
وأضاف في ندوة صحفية عقدها الحزب أمس الثلاثاء، أن القانون "يمس حق المواطن في النفاذ للمعلومة، ويضرب حرية الإعلام والتعبير"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "ضرورة وجود قانون لحماية القوات الحاملة السلاح".
من جانبها؛ قالت النائبة عن حركة النهضة، مقررة لجنة التشريع العام، سناء المرسني، لـ
"عربي21" إن المشروع "أثار جدلا كبيرا، ولا يمكن أن يمرر بهذه الصيغة بالنظر إلى بعض الفصول التي قيدت حقوقا كفلها الدستور، وبالنظر إلى العقوبات التي لا تتناسب مع حجم الجرم".
تراجع حكومي
ودفعت الانتقادات التي وُجهت لمشروع القانون؛ وزير العدل التونسي محمد صالح بن عيسى، إلى التراجع عن التمسك بمقترح الحكومة.
وقال لإذاعة موزايك أف أم، إن مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح "لا يزال مشروعا، وسيتم النظر فيه من قبل عدة أطراف؛ من ضمنها مجلس نواب الشعب، والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين".
وأوضح أن هذا المشروع تضمن عدة "نقائص"، و"لا يستوفي جميع الشروط"، مطمئنا الجمعيات الحقوقية بأنه "لا يزال قابلا للتعديل".