في أحد أقدم شوارع العاصمة عمان، هو شارع خرفان، يقبع آخر معاقل "جليخة السكاكين" في المملكة، بعد أن جرفها تطور الحياة، لتشارف مهنة عمرها آلاف السنين على الانقراض، ويبقى منها محلان متجاوران لا يزالان يصارعان "عولمة" شملت سكاكين المطبخ.
"اشتري وإرمي" مقولة كادت أن تعصف بهذه المهنة، كما يقول الشاب محمد الذي ورث المهنة عن الأجداد، فقد غزت الأسواق الأردنية السكاكين الصينية بأسعار زهيدة تقارب تكلفة "جلخ" السكين (وهي دينار أردني)، فلم يعد أغلب الأردنيين راغبين بإعادة شحذ سكاكينهم وإعادتها للخدمة كما اعتادوا بالماضي.
بدأ احتراف مهنة "جلخ السكاكين" في عائلة محمد عندما كان جده يعمل "جلاخا" في مصر متنقلا بين الأحياء الشعبية حاملا حجرا دائريا منصوبا على قاعدة خشبية متصلة بعجل، حيث كان الجد يقوم بذلك يدويا، ليقوم ابنه الكابتن مصطفى بافتتاح محل في العاصمة عمان منذ ثمانين عاما تقريبا مستخدما أداوت كهربائية.
الوالد مصطفى بالإضافة لكونه يحترف مهنة "جلخ " السكاكين يطلق عليه الجميع لقب "كابتن مصطفى" رغم تقدمه بالسن، وذلك لاحترافه أيضا المصارعة الرومانية التي تعلم فنونها في جمهورية مصر، ليعود مدربا لها في الأردن في شبابه.
ويعيد الكابتن مصفى وولده محمد السكاكين والأدوات الحادة إلى الخدمة من جديد بعد أن تُحال على التقاعد من كثرة الاستخدام، وتقوم آلاته بإعادة البريق لسكاكين يعتبرها مالكوها ثمينة أو "أصلية" في وقت أصبح فيه المقلد سيد الموقف، إلا أن جُل زبائنه هم أصحاب محلات الجزارة.
ويبهرك بريق السكاكين والأسلحة البيضاء التي يعلقها كابتن مصطفى في محله، الذي حوله أيضا إلى متجر لبيع كل مستلزمات محلات الخياطة والجزارة، من سكاكين وبلطات ومفارم للحوم، بالإضافة إلى المقصات والخناجر، ولا يغفل الكابتن لمساته الخاصة، حيث يقوم ابنه محمد بصناعة سيوف وحربات كتحف فنية تعلق في المنزل أو لأغراض الصيد يصل سعر البعض منها إلى 50 دولارا.
ويحاول محمد جذب انتباه الزبائن من خلال مجسم لدمية خاروف يعلقها خارج محله قام بغرز مجموعة سكاكين في جسمها من باب الدعاية.
يقول الشاب محمد لـ"عربي21" إن "كلفة الجلخ تختلف من أداة لأخرى ويتحكم بذلك حجم ونوع المعدن المكون منها السكين، إذ يحتاج الفولاذ لجهد أكبر من الحديد وغيرها من المعادن". وبحسب محمد فإنها "لا تعد هذه المهنة من المهن البسيطة وهي تحتاج للمهارة والدقة والحذر في التعامل مع الآلات الحادة".
ووفرت الآلات الكهربائية الحديثة على "جلاخ" السكاكين الوقت والجهد بعد أن كانت تتطلب جسما رياضيا في السابق حيث كان "جليخ " السكاكين يقوم بإدارة حجر الجلخ من خلال قدمه التي تحرك العجلة، إلا أنها مهنة ما زالت تحتاج إلى جهد بدني وجسم قوي كما يقول محمد.
يعيد محمد تاريخ مهنة "جلخ " السكاكين إلى آلاف السنين عندما كان العرب يصنعون سيوفهم ويقومون "بجلخها" كسلاح في وقت الحرب، إلا أن هذا التاريخ العريق لهذه المهنة لم يشفع لها في وجه سكاكين الصين التي أصبحت في متناول الجميع بأسعار زهيدة وبأشكال مختلفة.