الاتفاق النووي يوقّع لا يوقّع. الاعصاب مشدودة ليس فقط في واشنطن وطهران بل في بقية العواصم الكبرى والشرق الاوسط.
ايران تريد الاتفاق بقوة... ولكن ليس بأي ثمن. وافقت على شفافية برنامجها النووي، ووقعت مبدئيا على جعل مفاعلاتها والمعامل الذرية أشبه بمختبر علمي في جامعة متاح لمراقبة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ساعة يشاؤون، مقابل رفع الحصار عنها والعقوبات التي ارهقت اقتصادها وأضرّت بطموحاتها الجامحة.
ثمن الشفافية الذي تطلبه ايران يستحق التضحيات في زمن تحكم المال والمصالح المادية برقاب العباد والبلاد، زمن قياس مقامات الدول بعائداتها وبناتجها القومي ومستوى دخل الفرد فيها لا بتاريخها ولا بارثها الثقافي. فالمال يشتري كل شيء: الشركات، الجامعات، المصانع، الطائرات، الاعلام وحتى القنابل النووية.
ايران لديها التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والطاقة، وكونت بعد اربعة عقود من الثورة عصباً جمع حولها حلفاء أقوياء وامتدادات خارج الحدود، ونجحت في تحويل أخطاء غيرها حصانا أبيض وصلت على صهوته الى البحرين الابيض والاحمر، ومثل الغاز تسربت عبر المسام المفتوحة شرقاً وغرباً وتسببت بالاختناق لجيران كثر فاغضبتهم أو أرعبتهم حتى صنفوها خصماً أول. ولم يعد ينقصها لتثبيت نفسها دولة اقليمية عظمى سوى نيل الشرعية الدولية والاقليمية والاهم: المال، وهو متوافر اذا ما فك الحجز والحصار عنها. المال ينعش الشرايين الاقتصادية التعبة للبلاد، ويعزز النفوذ ويقوي ساعد الحلفاء ويسندهم ليسندوها في مصالحها والضرورات.
واشنطن بعيدة مسافات عن طهران، وموازنتها العسكرية تتجاوز الـ600 مليار دولار في مقابل 30 ملياراً فقط تخصصها ايران للعسكرة والامن، وتالياً فإن الجمهورية الاسلامية لا تخيف "البنتاغون" حتى لو امتلكت القنبلة النووية، فهو قادر على تدميرها قبل اخراجها من المخزن. لكن البيت الابيض يريد ايضاً الاتفاق، وحتماً ليس بأي ثمن. أمور كثيرة تهم أوباما وادارته من وراء الاتفاق: ابعاد شبح حرب جديدة، تحقيق انجاز سياسي تاريخي، تجريد ايران من مخالبها النووية حرصاً على أمن اسرائيل، رسم توازنات جديدة في المنطقة بعد ابتعاد واشنطن عنها... كل هذه اسباب مهمة، ولعل الاهم هو احداث شرخ في العقل الايراني بين العقيدة السياسية والمصالح الاقتصادية.
عندما تتناقض المنافع مع المبادئ في الدول الثورية يشتد الصراع في الداخل وتتغير الاولويات، هكذا تفكك الاتحاد السوفياتي، وهكذا تتخبط الصين بين اشتراكيتها الاسمية ورأسماليتها الفعلية. وهكذا يتوقع البعض لايران.
صحيح ان ايران تعد نفسها بفوز عظيم بعد الاتفاق... ولكن اي ايران ستكسب؟ هل تبقى هي هي أم تظهر ايران جديدة؟
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)