قالت إريكا سولومون في تقرير لها من بيروت، نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، إن قلة في كل من
سوريا ولبنان ستحزن لوفاة مدير الأمن السياسي السوري السابق رستم
غزالي، ولكن الكثير من الناس سيحزنون على الأسرار التي حملها معه إلى القبر.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن غزالي ترأس منصب مدير الأمن السياسي قبل عزله من منصبه الشهر الماضي، ولكنه كان سيئ السمعة لعمله في لبنان مديرا للأمن السياسي أثناء الوجود السوري هناك، حيث خضع لبنان للحكم السوري تقريبا في الفترة ما بين 1976 و2005، وانتهى ذلك بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق
الحريري.
وتبين الكاتبة أنه بالإضافة إلى معرفة غزالي العميقة بالمجموعة المقربة من
الأسد، فإن الكثيرين في المنطقة يرون أنه أدى دورا مهما في اغتيال الحريري، وربما كانت وفاته الغامضة هي للتخلص من أحد المرتبطين بالجريمة، بعد رحيل غازي كنعان وصهر الأسد آصف شوكت.
وتنقل الصحيفة عن الصحافي في الصحيفة اللبنانية "النهار" نبيل بومنصف قوله: "إنه شيء غامض، فالناس يتابعون التقارير عن أشخاص مثل غزالي لمحاولة معرفة ماذا يريد النظام عمله". ويضيف أنه "ليس لدينا دليل، ومن المستحيل الثقة بالموالين للنظام أو مصادر المعارضة، وليست لدينا حقائق للتأكد منها".
ويلفت التقرير إلى أن وفاة غزالي أدت إلى انتشار إشاعات في لبنان. فالبنسبة للبنانيين فإن اسمه يرتبط بآلاف الأشخاص الذين عذبهم وسجنهم وقتلهم، أو أصبحوا في عداد المفقودين، أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان.
وتنقل الكاتبة عن النائب عن كتلة المستقبل أحمد فتفت، قوله: "لا تشعر بالسعادة لوفاة أحد، ولكن دون مبالغة شعرت بنوع من الراحة". ويضيف: "كان غزالي اليد القذرة في سوريا التي امتدت إلى لبنان".
وتشير الصحيفة إلى سلسلة التكهنات حول وفاته، التي تراوحت من وفاة طبيعية إلى حقنه بإبرة فيها سم وهو في المستشفى، حيث كان غائبا عن الوعي.
وترى سولومون أن وفاة غزالي لن تؤثر على مسار الحرب في سوريا، التي مضى عليها أكثر من أربعة أعوام، هذا كله رغم خدمته الطويلة للنظام.
ويذكر التقرير أن غزالي ولد في المحافظة الجنوبية درعا، وهي المنطقة الأولى التي انطلقت منها الثورة ضد نظام بشار الأسد عام 2011. ولم يكن غزالي يحظى بقاعدة دعم شعبية في سوريا.
وتستدرك الكاتبة بأن هناك عدة تقارير مثيرة للدهشة تلمح إلى دور للنظام في وفاته. ففي العام الماضي ظهر شريط فيديو على "يوتيوب"، وفيه قام المقاتلون بتدمير فيلا تعود لغزالي، وجاء في التعليق المرافق للصور أن التدمير جاء بناء على طلب منه لمنع نهبها من قوات المعارضة.
ويورد التقرير أن مصادر المعارضة تقول إن تلك كانت طريقته لمنع استخدام الفيلا من مقاتلي
حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ما يشير إلى أنه كان معارضا لتزايد دورهم في البلاد.
وتوضح الصحيفة أن غزالي تعرض لهجوم في آذار/ مارس، من مسؤول أمني آخر وهو مدير الأمن العسكري رفيق شحادة، ولا تعرف أسباب الهجوم، ولكن هناك تكهنات بأنه جاء بسبب حزب الله ودوره في لبنان، وأدخل غزالي المستشفى وبقي فيه عدة أسابيع قبل وفاته.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن المحلل الأمني اللبناني يونس عودة، قوله: "كان غزالي مريضا جدا بسبب الضرب الذي تعرض له من شحادة، وظل في حالة غيبوبة لمدة شهرين حتى وفاته، هذه هي القصة الحقيقية".
وتجد سولومون أن دور غزالي في مقتل الحريري جعل آخرين يعتقدون بأن هناك تفسيرا آخر، فقد مات آخرون ممن كانت لهم علاقة بالاغتيال في ظروف غامضة، فالمسؤول السابق عن ملف الاستخبارات في لبنان غازي كنعان، الذي أصبح وزيرا للداخلية قالت الحكومة السورية إنه انتحر، ولكن الكثير من السوريين واللبنانيين يشكون في رواية النظام. وهناك جامع جامع، الذي قتل العام الماضي في عملية شرق سوريا. وكان غزالي المسؤول السوري الأبرز الذي يملك معلومات عن العملية.
وتفيد الصحيفة بأن الاغتيال محل تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة في لبنان، التي ركزت على دور حزب الله، ولكنها بدأت تعيد النظر من جديد حول تورط سوريا.
ويقول المحرر في "ديلي ستار" مايكل يونغ: "يقومون اليوم بحرف الاتجاه، ما أثار مخاوف من مساءلة مسؤولين أمنيين مثل غزالي، وطلب مثولهم أمام المحكمة الجنائية". ويضيف أنه من الصعب الآن توجيه اتهامات لموتى، ما يعني عدم وجود قضية، وفق التقرير.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن نجل رفيق الحريري "سعد"، قال إن غزالي قد تعرض للضرب بعد يوم من اتصاله مع السلطات اللبنانية، وأضاف: "اتصل بنا غزالي قبل وفاته، وطلب الظهور على التلفزيون والإعلان عن أمر لا نعرفه". وهو ما قاد البعض للتكهن بأن غزالي كان يحضر للانشقاق عن النظام، غير أن بومنصف يشير إلى تقدم المعارضة في الشمال وأن الناس تحب الإشاعات، ولكنهم ينسون الصورة الكبيرة، وهي أن النظام يتفكك من الداخل.