قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن سقوط مدينة
الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في يد
تنظيم الدولة أنهى خطط إنشاء قوات الحرس الوطني.
وجاء في تقرير من عامرية الفلوجة أن "أكثر من ألف سني عراقي وقفوا في حالة انتباه يلبسون الزي العسكري، ولكن دون سلاح، حيث بدأ زعماء القبائل يحثونهم على القتال في المعركة الحاسمة ضد تنظيم الدولة، وألقوا خطابات مفعمة بفكرة الانتقام".
وتنقل الصحيفة عن الشيخ فالح العيساوي، الذي كان بالزي العسكري، قوله: "هذه ساعة الانتقام لشهدائنا"، وتحدث عن الدمار الذي حل بأرضهم، الذي قام به من وصفهم بـ"فئران داعش". وأضاف أن 25 ألف بيت قد دمرت، وحرقت الجسور، ودمر الاقتصاد.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى قيامه هو وغيره من المتحدثين بتوجيه دعوة صريحة إلى رئيس الوزراء
العراقي حيدر العبادي، مفادها: سلح وادعم رجالنا، وسنقوم بمواجهة تنظيم الدولة.
وتقول الصحيفة: "كانت المناسبة قبل 11 يوما في القاعدة العسكرية عامرية الفلوجة، وهي المنطقة الوحيدة التي لا تزال في يد الحكومة. وقدمت المناسبة على أنها بداية برنامج الحكومة لتسليح وتدريب أبناء العشائر السنية، لقتال المتطرفين
السنة من أتباع تنظيم الدولة، وهي بادرة مهمة لإظهار أن السنة والشيعة يمكنهم العمل معا، ومن أجل تخفيف مخاوف السكان السنة بالمدافعين عن مجتمعاتهم".
ويلفت التقرير إلى أن هذا كله توقف، مشيرا إلى أن "سقوط الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، في يد تنظيم الدولة، قدم تلخيصا واضحا لفشل هذه الاستراتيجية".
وترى الصحيفة أن "محاولات الحكومة لتعزيز المقاتلين السنة، وعادة ما كانت مترددة في ذلك، تبدو عرضية في ظل تدافع آلاف المقاتلين
الشيعة إلى الأنبار لمواجهة تنظيم الدولة".
ويذكر التقرير أنه تم "تأجيل تخريج مجموعة من مقاتلي العشائر في قاعدة الحبانية، وتسليمهم أسلحة قدمها الأمريكيون، يوم الإثنين، ثم ألغيت بسبب سقوط الرمادي، وعوضا عن هذا فقد وصل حوالي ثلاثة آلاف من المسلحين الشيعة إلى القاعدة".
وتبين الصحيفة أن "انهيار الأنبار قد زاد من مأساة السنة العراقيين، التي بدأت منذ الغزو عام 2003، بتغيير النظام الاجتماعي القديم وسيادة السنة فيه، وبوصول الغالبية الشيعية إلى السلطة تم تهميش السنة، واختفى الكثيرون من الحياة السياسية وإلى الأبد؛ بسبب علاقتهم مع حزب البعث، وانضم بعضهم إلى التمرد، ويقاتل بعضهم اليوم مع تنظيم الدولة. فيما قاطع سنة آخرون الانتخابات، وهناك نسبة كبيرة ترفض البعد الديموغرافي، وكونهم أقلية، لكن الغالبية منهم يريدون العودة إلى حياتهم الطبيعية، وأن يكون لهم مكان في النظام الجديد".
ويجد التقرير أن "هذا كله أصبح غير ممكن بصعود تنظيم الدولة، فقد أعلن المتشددون السنة الحرب ضد من يرونهم مرتدين، مثل الشيعة والمسيحيين والأزيديين، لكن السنة العراقيين هم من عانى أكثر".
وتورد الصحيفة أنه "بعد سيطرة متشددي تنظيم الدولة على الرمادي في الأيام الماضية، بدأت آثار الهيجان الذي تبدو واضحة، فمن خلال مكبرات الصوت نادوا على السكان، وقالوا إنهم سيوفرون لهم الطعام والأمن، ويفتحون الطرق والجسور التي كانت مغلقة. لكن وعودهم كذبت، فما قاموا به ساعة وصولهم هو: دمار كبير، قتل فوري للمتعاطفين مع الحكومة، وذهب المتشددون إلى البيوت بقائمة من الأسماء، وتشريد الآلاف من السكان، وقاموا بفتح محكمتي شريعة في الرماي، بحسب مسؤول وسجناء حرروا بعد أن كانوا معتقلين لدى قوات مكافحة الإرهاب".
ويضيف التقرير أن "فشل العبادي في بناء قوة سنية تكون قادرة على حماية المدينة قد عمّق من مظالم السنة تجاه الحكومة المركزية، التي بدأت أثناء حكم نوري المالكي".
وتنقل الصحيفة عن صبحي الكيلاني، وهو متقاعد من محافظة ديالى، قوله: "العبادي كذاب مثل المالكي، يريد تسليح السنة لكنه أضعفهم بدلا من ذلك".
ويورد التقرير قول بلال الدليمي (45 عاما)، الذي يعمل ممرضا في ديالى، إن "السنة هم سجناء تنظيم الدولة، الذي يقوم بذبح العشرات منهم يوميا". وأضاف أن "مصير السنة مجهول ومؤلم".
وتتطرق الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين السنة طلبوا من العبادي إرسال قوات الحشد الشعبي، مع أن السكان خائفون منهم؛ نظرا للدور الذي أدته المليشيات أثناء الحرب الطائفية. ويقول أمير عبدول (38 عاما) من الأنبار: "المليشيات الشيعية الذاهبة إلى الأنبار لا يمكن التحكم فيها، وحتى رئيس الوزراء لا يتحكم فيها، فهذه المليشيات مرتبطة مباشرة مع إيران".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بحسب الأمم المتحدة، فإن هناك ما يقرب من ثلاثة ملايين عراقي أصبحوا نازحين، وهو مستوى لم يلحظ حتى في ذروة الحرب الطائفية في الفترة ما بين عامي 2006- 2007، وفي تلك الفترة هرب الكثير من العراقيين إلى سوريا. وفي سوريا، التي تعيش حربها الأهلية الخاصة بها، لم يبق للهاربين من تنظيم الدولة سوى عدد قليل من الملاجئ الآمنة. وتقول الأمم المتحدة أن نسبة 85% من المشردين هم من السنة.
وتنوه الصحيفة إلى أن الأمم المتحدة حذرت في بيان أصدرته الإثنين الماضي من الأزمة الإنسانية، التي تتكشف في المناطق السنية. وجاء في البيان: "تقوم الأمم المتحدة بنقل مساعدات عاجلة إلى السكان الفارين من الرمادي. ولكن الأموال تنفد، ولم يبقى في المخازن شيء".
وينقل التقرير عن منسقة الأمم المتحدة في العراق للشؤون الإنسانية ليز غراند، قولها في بيان لها: "لا شيء أهم من مساعدة السكان الهاربين من الرمادي، فهم يواجهون مشكلة، ونريد أي شيء متوفر لمساعدتهم. فهناك الآلاف من الناس بحاجة إلى مكان ينامون فيه ويقيمون. وكان بإمكاننا تقديم كل شيء لو توفر لنا المال".
وتعلق الصحيفة بأن "أزمة النزوح زادت سوءا بسبب الخلافات الطائفية. فالهاربون من محافظة الأنبار تتم معاملتهم على أنهم أجانب أحيانا عندما يصلون إلى أبواب بغداد. ويمنع الكثيرون من الدخول، خاصة الشباب؛ لأن الحكومة تعدهم تهديدا أمنيا. فبعد تدفق النازحين من الرمادي قبل عدة أسابيع انفجرت سيارات في بغداد، وهي حوادث تحدث في أي وقت، إلا أن مسؤولي الحكومة حملوا السكان المشردين مسؤوليتها. ومن سمح لهم من السنة بدخول بغداد صودرت منهم أوراقهم الثبوتية وهوياتهم ووضعوا في المساجد، ولم يسمح لهم بالتحرك بحرية في المدينة".
ويذكر التقرير أن الكثير من قادة السنة إما قتلوا، خاصة قادة العشائر ممن قاتلوا تنظيم القاعدة إلى جانب الأمريكيين، أو دفعتهم الحكومة السابقة لنوري المالكي للعيش في المنفى. ونتيجة لهذا يرى الكثير من السنة أن لا قيادة شرعية لهم، خاصة أن العديد منهم لم يكونوا قادرين على التصويت بسبب فقر الأوضاع الأمنية".
وتوضح الصحيفة أن "القادة السنة الذين بقوا في بغداد قد سخر منهم بشكل علني، وأطلق عليهم (ساسة المنطقة الخضراء)، ولا علاقة لهم إلا بشكل عرضي بمناطقهم الانتخابية، ولا تأثير لهم خارج مكاتبهم وبيوتهم في المنطقة المحصنة ومركز الحكومة في بغداد".
ويشير التقرير إلى أن من بين القيادات السنية التي أجبرت على المنفى "رافع العيساوي من الأنبار، الذي كان وزير المالية في عهد المالكي، وترك البلاد عام 2013، بعد تهديده بالاعتقال بتهم الإرهاب، التي يقول دبلوماسيون إنها مزيفة. وتحدث العيساوي في مركز "بروكينغز" في واشنطن عن الضغوط التي واجهت السنة في عهد حكومة المالكي، التي شملت اعتقالات جماعية واتهامات مفبركة بممارسة الإرهاب، والكفاح من أجل دمج السنة في القوى الأمنية".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول العيساوي إن "هذا المناخ دفع الكثير من السنة إلى التساؤل: هل من المبرر أن نكون جزءا من العملية السياسية؟، وهل نحن جزء من العراق؟، وإن كان الجواب نعم، فيجب أن تكون الحكومة شاملة للعراقيين كلهم".