لا تتعجب من هذه العبارة، فهي شعار الشباب الآن، ويزداد الإيمان بهذا الشعار كلما زاد الظلم، وكلما اسود ليل الوطن، وملأ خفافيش ظلام العسكر كل موطأ قدم فيه، والسؤال الذي يوجه دائما للمشايخ والسياسيين: إلى متى
السلمية؟ سلميتكم قتلتنا، لماذا لا يفتي المشايخ بحمل السلاح، ضد هؤلاء الفجرة؟ وفي أقوال لبعضهم: هؤلاء الكفرة، ألا يحق لنا استخدام القوة، والدفاع عن النفس حق مشروع؟!
على الناس أن تفرق بين حق الدفاع عن النفس والعرض والمال، الذي أقرته كل الشرائع السماوية، وكل القوانين الأرضية، وبين استخدام القوة بوجه عام لمقاومة الظلم، فاتخاذ قرار بتبني منهج السلمية أو القوة للتغيير أو الثورة، حتى يتخذه شيخ في فتوى، حتى تصح فتواه عليه أن يعتمد على أربعة أمور مهمة لا تستقيم الفتوى والرأي الفقهي إلا بها، وهي:
1ـ فقه النص: بأن يستدل على ما يقوم به من فعل، على أدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وفقه هذه النصوص، وأن تكون نصوصا صحيحة السند، صحيحة المتن، رابطا جزئيات الشريعة بأصولها وكلياتها.
2ـ فقه الواقع: بأن يعلم هذا الواقع الذي يفتي فيه، أو يقوم بالإفتاء فيه، فكل واقع يختلف عن الآخر، فالواقع هنا سياسي ثوري، وقد لا يتمكن الفقيه من إدراكه هذا الواقع بنفسه، فيحتاج إلى مختص في الواقع السياسي، ليضعه في الصورة الصحيحة، للواقع
المصري الذي نعيشه، والواقع الإقليمي، والواقع الدولي، وهل يحسن التخلي عن السلمية، ويفيد، أم يضر ويفسد، هل الاستمرار على السلمية مع تطوير أدواتها التي لا نستخدم منها إلا وسيلة واحدة بين (200) وسيلة في حرب اللاعنف، أمر ناجع، أم استخدام القوة هو الأنفع والأفضل؟ الذي يقرر ذلك بناء على تجارب ومعلومات وواقع بأمانة وصدق هم أهل الاختصاص في ذلك.
3ـ إنزال النص على الواقع: أن يحسن أن يتصور المسألة تصورا صحيحا، ثم يحسن الاستشهاد بالنصوص التي هي في هذا الواقع، أو في مثيله، فكم من فقيه يحفظ النصوص، ويحسن الاستشهاد بها، لكنه يضع نصوصا شرعية لواقع مغاير.
4ـ النظر إلى مآلات الأفعال ونتائجها: فيجب على الفقيه أن ينظر إلى مآلات الأفعال التي نقوم بها، والنتائج التي ستترتب عليها، فهل أي فعل نقوم به ستكون نتيجته لصالح الإسلام والمسلمين والوطن، أم ستنقلب وبالا عليه وعلينا جميعا؟! وهو ما نبه إليه كثيرا الفقهاء والأصوليون، من رعاية النظر في مآلات الأفعال ونتائجها، في كل فتوى تخرج، وكل تصرف يقوم به المسلم، سواء في بلاد الغرب أو الشرق، سواء كنا أقلية أم أغلبية، فقد يكون الأمر مباحا، لكنه يؤدي إلى محرم، أو قد يكون فيه مصحلة آنية حاليا، لكنه يؤدي بلا شك مستقبلا أو آجلا، إلى كوارث ومفاسد، فعندئذ تكون الفتوى بالمنع، رغم أنه في أصله مباح.
فالحذر من العواطف، سواء المندفعة أو المستسلمة، فالمندفع قد يودي بنا إلى الهلاك باندفاعه، والمستسلم قد يودي بنا إلى الهلاك بسلوكه المتخاذل، متمسكا بما لا يصلح في وقت، كان في وقت آخر صالحا، لست هنا أتبنى رأيا، بل أضع قواعد تعين على اتخاذ القرار من حيث الرأي الشرعي، فالشرع يدور في فلك المختص، فقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) أي أهل كل مجال واختصاص، ففتوى الفقيه لمن يريد الفطر في رمضان لاعتلال صحته، لا يقررها الفقيه، بل يقررها الطبيب، والفقيه مجرد موقع على كلامه، وعلى عهدته، وفتوى السلمية من غيرها، يقررها أهل الاختصاص من الساسة والثوريين، ومراكز بحوث علمية مختصة، تبين ما يفيد وما لا يفيد، في ضوء أدلة من الشرع بجواز الوسيلة التي ستستخدمها.
والآن عزيزي بعد هذه الضوابط والأدوات تستطيع أن تقرر بهدوء وعلم: هل خالتك (سلمية) ماتت، أم لا تزال حية، وهل تحتاج إلى عملية جراحية لتقوم بعافية وصحة جيدة؟ أم أنها ماتت فعلا وجاري البحث عن الخالة (بندقية) في ضوء هذه الشروط والمعايير التي وضعها الشرع وبينتها لك؟!