كشف مسؤول مخابراتي أمريكي أن الرئيس محمد
مرسي لم يبد تجاوبا مع ضغوط
واشنطن عليه من أجل إعلان الحرب على ما تصفه بـ"الإرهاب"، "بالرغم من أن تنتظيم القاعدة، كان قد وجد مواطئ أقدام جديدة في سيناء، وغيرها من أنحاء
مصر، ومن تلك المواقع كان يمكن للقاعدة ضرب إسرائيل، وخطوط الأنابيب المهمة لإسرائيل والأردن، والمواقع السياحية الزاخرة بالغربيين داخل مصر"، على حد زعمه.
وأكد نائب مدير وكالة المخابرات المركزية "سى آي إيه" السابق، مايكل موريل، في كتاب جديد له، أنه برغم أن آليات مكافحة الإرهاب فى مصر ظلت سليمة إلى حد كبير، لم تكن هناك إرادة سياسية (في عهد مرسي) لاستخدامها، إذ توقفت جهات الجيش والاستخبارات وتنفيذ القانون بشكل أساسي عن محاربة القاعدة، لأنها شعرت أنها لا تحظى بدعم سياسي كي تواصل عملها، وفق قوله.
ومضى قائلا: لم تكن حكومة مرسي تفعل شيئا. وفى النهاية أرسل البيت الأبيض قيصر مكافحة الإرهاب جون برينان ليخبر مرسي أن "القاعدة" تتعافى بسرعة فى مصر، وأن هدفها الأساسي هو قتل مرسي، والإطاحة بحكومته.
وأضاف: "بعد أن لفت برينان انتباه مرسي للأمر، استؤنفت عمليات مكافحة الإرهاب بشكل جزئي ضد القاعدة، إلى أن رأى الجيش المصري بعد عدة شهور أن الكيل طفح، واستبدله بعد أكثر من عام فى منصبه. لكن الضرر كان قد وقع. إذ كسبت القاعدة أرضا هائلة فى أكبر وأهم بلد عربي في المنطقة. حيث رسخت القاعدة نفسها بالكامل فى سيناء، حيث تشن هجمات بانتظام ضد وحدات الجيش والشرطة المصرية".
وكشف موريل في كتابه الذي حمل عنوان "الحرب الكبرى فى زماننا: حرب المخابرات المركزية ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش"، النقاب عن تفاصيل جديدة بشأن دور المخابرات الأمريكية، في محاولة القفز على ثورات الربيع العربي، لاسيما ثورة 25 يناير في مصر، من أجل توظيفها سياسيا لصالحها.
سليمان كان يسعى لحكم مصر
وأماط الكتاب اللثام عن طلب مدير المخابرات العامة المصرية السابق
عمر سليمان، مساعدة الإدارة الأمريكية من أجل الوصول لحكم مصر على حساب الرئيس المخلوع حسني
مبارك، وأن تنحي الأخير عن حكم مصر تم بترتيب مع الإدارة الأمريكية، مؤكدا رعب قادة دول الخليج من أن تتخلى واشنطن عنهم، كما تخلت عن مبارك.
وبحسب الكتاب -الذي نشرت صحيفة "الشروق المصرية"، الحلقة الأولى منه، بعد قيامها بترجمته- قال موريل: "مبارك كان حليفا مخلصا للولايات المتحدة، ولم يكن بوسع المسؤولين الأمريكيين تجاهل حقيقة أن اتفاقية السلام المبرمة بين مصر، وأقرب حليف لنا في الشرق الأوسط، وهي إسرائيل، تقوم على قاعدة ضيقة تضم عددا ضئيلا من القادة، مثل مبارك".
ويروي الكاتب الأمريكي كواليس ما دار في البيت الأبيض بالتزامن مع تعقد الأوضاع في مصر، وازدياد حجم الاحتجاجات، قائلا: "مع ازدياد حجم المظاهرات يوما بعد يوم، واندلاع العنف من حين لآخر، من جانب الحكومة التي كانت تحاول كبح جماح المتظاهرين. كان البيت الأبيض يعقد اجتماعات يومية للجنة النواب (نواب المستشارين وروؤساء الأجهزة)، لمناقشة ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لضمان حل سلمي، ونتيجة مستقرة".
وحول انعكاس هذه الرؤية على الإدارة الأمريكية، قال موريل: اتفق ممثلون من مجلس الأمن القومي ووزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية على أنه "ليس أمام الولايات المتحدة من سبيل لتقديم دعم مباشر لمبارك أو للمتظاهرين الذين يمكن أن يطيحوا به. وكان أفضل ما يمكن القيام به، الإعلان أن الولايات المتحدة تؤيد الحل السلمي، ومن ثم تعمل دبلوماسيا من وراء الكواليس مع مبارك لهندسة النتيجة التي لن تشمل حمام دم، وتضمن الانتقال إلى حكومة جديدة مستقلة".
ويتابع موريل: "كانت لي خبرات كثيرة مع عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات المصري".
وقال: "اتصل بي وسيط لرجل أعمال دولي (لم يحدد هوية الوسيط أو رجل الأعمال) ، إلا أنه قال إنه كان صديقا لعمر سليمان، وكان يريد توصيل رسالة من مدير المخابرات المصرية إلى الحكومة الأمريكية من خلالي.
ومضى قائلا: "كانت مصداقية الوسيط أعلى ما يمكن، وكان يتحدت مباشرة مع عمر سليمان. سعيت وحصلت على موافقة مدير السي أى إيه، ليون بانيتا، وزملائى النواب على الحديث مع سليمان من خلال رجل الأعمال. وتم بعد ذلك عدد من الأحاديث على عدة أيام. وكانت الرسالة الأساسية التي أراد سليمان إبلاغها للبيت الأبيض هي أنه شديد الاهتمام باستقرار بلده، وكان يريد المساعدة في حل الأزمة، وكان يسأل عما ترى الحكومة الأمريكية أنه ينبغي على القاهرة القيام به".
ويضيف موريل: "كان افتراضنا أن سليمان (الذي كان يمكنه رفع سماعة التليفون والاتصال بالمدير بانيتا أو بى مباشرة) كان يرغب فى إضفاء السرية على التواصل؛ فإذا شوهد وهو يتحدث معنا لنظرت إليه الدائرة الداخلية على أنه يعمل ضد مبارك ـوهو فى حقيقة الأمر لم يكن يشير إلى ذلك على وجه الدقةـ ولم يكن على استعداد لأن يعارض رئيسه علنا. وكانت السرية مطلوبة لأنه حتى رئيس جهاز المخابرات المصري يمكن أن يكون هناك من يتجسس عليه. وكان واضحا كذلك أنه كان يبحث عن طريقة للخروج سالما من هذه المحنة ـ بل والخروج منها في منصب أعلى، ربما قائد مصر الجديد. ولم تغب عن بالي قط حقيقة أن سليمان كان بذلك يعمل لمصلحته".
وتابع موريل: "نقلت رسالة سليمان إلى النواب، وتقرر أن أرسل ردا إلى رئيس المخابرات المصري تفصل على وجه الدقة ما توصي الولايات المتحدة بعمله. وفى الوقت الذى كان فيه مبارك يستعد لإلقاء خطاب مهم يتوقع أن يكون لحظة أساسية فى الأزمة. جلست مع دينيس ماكدونو، نائب مستشار الأمن القومي، فى مكتبه بالجناح الغربى فى البيت الأبيض، ووضعنا مسودة بالأشياء التى تود الحكومة الأمريكية سماعها من مبارك. ورأينا أن هذه الأشياء يمكن أن تساعد فى نزع فتيل الأزمة".
وكانت الرسالة الأولى (التي على مبارك أن يضمنها في خطابه) هي: سمعت آراء المحتجين فى الشارع، وسوف أتنحى عن حكم البلاد فورا. وأنقل السلطة إلى مجلس انتقالي يمثل المجتمع المصري كله، وسوف يدير هذا المجلس البلد، ويضع الآليات الخاصة بالانتخابات التى ستحدد القيادة المصرية. وسوف يحدث هذا كله بطريقة مرتبة وآمنة. وعدت أنا ودينيس ماكدنو إلى النواب الذين كانوا ما يزالون في قاعة الاجتماعات، وشاركنا هذه النقاط مع الجميع. وعندما وقع الجميع على الرسالة، وسلمني ماكدونو الورقة، قال: "هيا بلغ الأمر يا أخي".
ومن هذه اللحظة يروى موريل "وجدت مكانا خاليا فى غرفة الاجتماعات، واتصلت برجل الأعمال، وأخبرته أن لدي رسالة لسليمان، وأنها آتية من أعلى مستويات الحكومة الأمريكية. وتحدثت فى النقاط بعناية، وتأكدت من أن الوسيط يكتب كل كلمة، وطلب منى أن أبطئ عند نقطتين، وأن أكرر عبارة أو اثنتين. وقال إنه سوف ينقل الرسالة إلى سليمان على الفور. وفى وقت لاحق اتصل به، وأبلغنى أن سليمان لم يتلق الرسالة فحسب، بل أقنع مبارك بوضع تلك النقاط في خطابه الجديد (خطاب الأول من شباط/ فبراير).
وتابع: وقف الرئيس (أوباما) بقوة بجانب المحتجين. لقد ابتعد عن مبارك الذي استقال بعد ذلك بقليل، وأعلن سليمان أن السيطرة على الحكم يجرى نقلها إلى الجيش المصري".
وبعد تنحى مبارك، يقول لموريل، "كانت هناك فرحة في شوارع القاهرة وفزع كبير في دهاليز السلطة في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. و هو ما شعرت به حين قمت برحلة إلى المنطقة بعد ذلك بقليل، عندما زرت مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وسألنا أصدقاؤنا في المنطقة كيف تخلينا بتلك السرعة عن حليف قديم مثل مبارك. وكان السؤال المسكوت عنه لكنه كان حاضرا باستمرار هو: ما هى السرعة التى سوف نتخلى عنهم فيها، إذا ما نشأت ظروف مشابهة. والحقيقة هي أنه لم يكن لدينا خيارات أخرى في حالة مصر. لم تكن هناك طريقة لإنقاذ مبارك".