كتب مراسل صحيفة "إندبندنت" باتريك كوكبيرن، عن الجهود التي يقوم بها المقاتلون
الأكراد في
سوريا لتطويق
تنظيم الدولة في معقله السوري، أي مدينة
الرقة.
ويقول الكاتب: "بعد قتال مجهد استمر عدة أيام تقود مقاتلات كرديات جهودا لإحكام الكماشة على تنظيم الدولة، وذلك على الطريق الشمالي، الذي يقود إلى عاصمة الجهاديين السورية".
وتحدث كوكبيرن في تقريره، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، مع المقاتلين والمقاتلات الأكراد في بلدة رأس العين السورية، ويقول: "ترتاح المقاتلات الكرديات على بعد نصف ميل خلف خطوط النار، حيث يقاتلن تنظيم الدولة غرب بلدة رأس العين، وليس لدى النساء أي شك عن سبب قتالهن".
ويشير التقرير إلى أن نوجان (27 عاما) تعمل مقاتلة منذ أربعة أعوام، وترى أن هدف تنظيم الدولة هو النساء. وتقول: "أنظر إلى شنغل (في العراق)، حيث اغتصبوا النساء وقتلوا الرجال، هي مسألة شرف أن ندافع عن أنفسنا أولا، وبعد ذلك عن عائلاتنا وأرضنا". وتقول زينة (22 عاما)، التي كانت تجلس إلى جانبها، إنها أيضا تقاتل "دفاعا عن نفسي وعائلتي".
وتبين الصحيفة أن المقاتلات الأمريكية والطائرات دون طيار كانت تحلق فوق رؤوس المقاتلين الأكراد، حيث قالت نوجان إن تقارير تحدثت عن شن الطيران الأمريكي عددا من الغارات، وكذلك هناك تقارير عن اشتباكات برية.
وينقل الكاتب عن نوجان قولها إن عددا من الجنود الأكراد قتلوا وجرحوا، مبينة أنها لا تعرف التفاصيل، وتضيف أن وحدات حماية الشعب الكردية، وهي المليشيات التابعة لحزب الاتحاد الكردستاني، التي تنتمي نوجان لها، تقوم وبشكل تدريجي بطرد مقاتلي التنظيم باتجاه الغرب. وتبدو هي ومن معها من النساء بعيدات عن الوضع؛ بسبب الإجهاد الناتج عن أيام القتال على خطوط النار.
ويرى كوكبيرن "أن الدفع باتجاه الغرب، الذي تتحدث عنه نوجان، له أهمية عسكرية وسياسية كبيرة؛ لأن الاكراد السوريين يحيطون بمعبر حدودي مهم يسيطر عليه تنظيم الدولة، يربط سوريا بتركيا في منطقة تل أبيض. ويتحدث الأكراد بمرارة عن إغلاق السلطات التركية للمعبر من مناطقهم إلى
تركيا، ولكنها أبقت على الجانب الحدودي الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة".
ويستدرك التقرير بأن "تل أبيض، التي تقع على الطرف الشمالي للطريق المؤدي مباشرة إلى الرقة، عاصمة تنظيم الدولة السورية، مهددة بالإحكام عليها مثل الكماشة من القوات التي تتقدم من الغرب والشرق. ويأتي بعض القوات من المدينة المدمرة رأس العين في الإقليم الكردي في منطقة الجزيرة في شرق البلاد. ومن الغرب تتقدم القوات الكردية من بلدة كوباني، التي تعرضت لحصار دام أربعة أشهر ونصف من قوات تنظيم الدولة".
وتنقل الصحيفة عن سيهانوك ديبو، الذي يعمل مستشارا لزعيمي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم وآسيا عبد الله، الذي يدير الأقاليم الثلاثة القريبة من الحدود التركية، والتي يطلق عليها اسم "رجوفا" قوله إن تل أبيض هي هدف الأكراد القادم. وأضاف: "نحن لا نبعد سوى 18 كيلومترا عن تل أبيض من الشرق، و20 كيلومترا غربا". وأضاف: "نأمل تحريرها قريبا، وفي حال حدث هذا الأمر فسيكون ضربة قوية لتنظيم الدولة وتركيا أيضا، التي ستشاهد مناطق أخرى قريبة من حدودها الجنوبية تقع تحت سيطرة الأكراد".
ويعلق كوكبيرن قائلا إن ديبو يتعامل مع فرضية أن "تركيا تدعم تنظيم الدولة" على أنها حقيقة واقعة. ويؤكد ديبو أن التنظيم ليس جزءا من بنية التركيبة العسكرية الكردية، إلا أن رأيه حول الاستراتيجية المستقبلية للأكراد مهم؛ لأن أكراد سوريا هم القوة الوحيدة في سوريا والعراق القادرة على هزيمة تنظيم الدولة. ويقول: "أعتقد أن هدفهم القادم (تنظيم الدولة) سيكون دير الزور، التي يسيطر النظام السوري على جزء منها؛ لأن سكان المدينة هم من السنة وأبناء قبائل، وسيحصل تنظيم الدولة على دعمهم".
ويجد ديبو أن تنظيمات الجهاديين، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة، ستحاول على المدى البعيد السيطرة على الجزء المتبقي من مدينة حلب في يد الحكومة السورية. ويرى أن قوة جيش رئيس النظام السوري بشار الأسد تتراجع في كل يوم. مشيرا إلى أنه رغم التناقس الدموي بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة إلا انهما متشابهان "فهم أبناء تنظيم القاعدة"، بحسب الصحيفة.
ويسجل الكاتب هنا حالة النشوة لدى القادة الأكراد بعد انتصارهم في جبل عبد العزيز الأسبوع الماضي، حيث عادت الشاحنات المحملة بالجنود الراقصين العائدين من خطوط القتال.
ويلفت التقرير إلى أن الأكراد في شمال شرق سوريا يعرفون أنهم، وإن كانوا محاصرين من كل جانب، إلا أنهم يعيشون في أكثر مناطق سوريا أمانا، فالمناطق خلف الجبهة التي تقاتل عليها نوجان وزينة مليئة بالمزارعين الذين يحصدون القمح دون الشعور بالرعب، الذي تجده في بقية أنحاء سوريا.
ويقول كوكبيرن إن أعلى مستوى من الأمن موجود في هذا المثلث الكردي؛ لأنه وخلافا للأماكن التي تحيط بها المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة، فهو لا يعاني من انفجار سيارات مفخخة ولا عمليات اختطاف أو وجود عصابات نهب على نقاط التفتيش. فوحدات الحماية الشعبية تتحكم بالأمن في هذه المنطقة، كما هو الحال مع المنطقتين القريبتين من تركيا، واللتين حصلتا على استقلال فعلي بعد انسحاب القوات السورية منهما عام 2012.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم الطبيعة العسكرية التي تحكم من خلالها وحدات الحماية الشعبية، التي لا تلقى ترحيبا من الأكراد كلهم، إلا أنها توفر الحماية الحقيقية للسكان على خلاف القوات السورية والعراقية.
ويرجح الكاتب ألا يستمر الوضع طويلا، وألا يتحقق بسهولة، فبلدة رأس العين، التي يسكن فيها 30 ألف شخص لا تزال مدمرة بسبب القتال العنيق ما بين عامي 2102 – 2103، عندما أصبحت مركز قتال بين الجماعات الكردية وجبهة النصرة. وفي كل مكان من هذه المدينة البائسة هناك بنايات تعرضت للقصف وركام وحفر في الشوارع.
وتذكر الصحيفة أن ممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي في البلدة إبراهيم وجميل قدما للكاتب جولة مصحوبة بمرشد سياحي في بلدتهم، حيث أشارا إلى المعبر الحدودي مع تركيا، الذي تدفق منه مقاتلو جبهة النصرة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. وقالا: "في البداية رحبنا بهم؛ لأنهم كانوا ضد بشار الأسد، وبعد ذلك شعرنا بالصدمة عندما اكتشفنا أنهم جهاديون".
ويفيد التقرير بأنهما يقولان إنهم أجبروا الناس على ارتياد المساجد، وسرقوا بيوت المسيحيين، وقتلوا من عارضهم، وقتلوا الضباط من الطائفة العلوية الذين أسروهم، ورد النظام بقصف جوي عشوائي، ما أدى إلى هدم العديد من منازل السكان.
وتوضح الصحيفة أن المعركة استمرت في رأس العين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 حتى تموز/ يوليو 2013. ويقول إبراهيم إن المرحلة الأخيرة لهذه المعركة المعقدة، التي تم فيها انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار، وحدثت فيها معارك شوارع، جاءت في 16 تموز/ يوليو، عندما تم الاعتداء على روجانا، وهي قائدة في وحدة الحماية الشعبية عندما كانت تشتري قماشا للزي العسكري، ويقول إبراهيم: "عندها قررنا إخراجهم".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن الإقليم الكردي في الجزيرة يشبه جزيرة دافعت عن نفسها جيدا في بحر مليء بأسماك القرش. وطالبت تركيا بمنطقة عازلة في سوريا يمكنها احتلال الجيوب الكردية. ويقول ديبو إنه من الصعب التكهن بما سيحدث، خاصة أن ميزان القوة يتغير في سوريا، ويمكن أن يتغير بطريقة مفاجئة في أي لحظة بسبب تحركات تقوم بها قوى خارجية.