نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لياسمين ريان، حول أزمة
البطالة في
تونس، وركزّ على منطقة إنتاج الفوسفات، حيث تقول: "كانت بلدة المتلوي في يوم من الأيام بلدة مزدهرة، وكانت مقصدا لعشرات الآلاف من العمال من شمال أفريقيا، ليعملوا في مناجم الفوسفات، التي أدارها الفرنسيون في بدايات القرن العشرين".
ويستدرك التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، بأنه في هذه الأيام مع أن المناجم لا تزال على قيد الحياة، إلا أنه تغلب عليها الآليات الصدئة، وشوارع البلدة غير المعبدة، وليست هناك حدائق عامة أو ملاعب رياضية، وحتى الأشجار فيها قليلة.
وتذكر الصحيفة أن مكي لاكنيش وزميله حضرا صباحا للعمل في معمل غسيل الفوسفات، ولكنه يوم مجدب آخر، فليس هناك فوسفات يغسلانها؛ لأن صناعة الفوسفات التونسية توقفت تماما مرة أخرى؛ لأن السكان المحليين العاطلين عن العمل بدأوا اعتصاما منذ بدايات الشهر الماضي.
وتبين ريان أن آثارا كبيرة تترتب على توقف الإنتاج، حيث شكل قطاع الفوسفات نسبة 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011، وكان يشكل 60% قبل عام 2009. وقد شكلت
الثورة في المنطقة عام 2008، التي قامت بسبب البطالة وعدم تطوير المنطقة، أكبر التحديات لحكم زين العابدين بن علي، الذي قمع الثورة بوحشية، فكانت تلك هي الحبة التي زرعت، وأنتجت ثورة عام 2011، التي أطاحت بالنظام وأطلقت
الربيع العربي.
ويلفت التقرير إلى أنه حتى بعد الثورة، فإن الحكومة لم تستطع أن تقدم أي حلول حقيقية لمشكلات الناس هنا، التي تتركز في معظمها حول البطالة، بالإضافة إلى التلوث والبنية التحتية الضعيفة، فوضع البلاد
الاقتصادي استمر في التردي.
وتذكر الصحيفة أنه بالنسبة للاكنيش فإن الاعتصام يشكل مصدر إزعاج له. ويقول: "الشرطة لم تفعل ما فيه الكفاية"، ويتساءل لماذا يستطيع المحتجون وقف صناعة بكاملها، ولماذا لا يستطيع المديرون والسياسيون فعل شيء لحل الأزمة.
وتنقل الكاتبة عن المحللين قولهم إن المشكلات هي نتاج تراكمات على مدى عقود من الإهمال، وعدم وجود رؤية إدارية. وعندما ارتفعت أسعار الفوسفات إلى أعلى مستوياتها لتصل إلى 240 دولارا للطن الواحد قبل ثماني سنوات، اختفت الأرباح في جيوب الدولة، بدلا من استخدامها في تطوير مناجم جديدة. وفي الوقت ذاته يستثمر لاعبون دوليون، مثل المغرب والسعودية، بشكل كبير في التكنولوجيا الحديثة.
وكنتيجة لذلك تراجعت تونس من ثالث أكبر مصدر للفوسفات، إلى المركز التاسع على مدى العقد الماضي.
ويورد التقرير أن الحكومة فشلت في معالجة المشكلة الأهم، ففي عام 2008 قامت بإنشاء شركة بيئية لزراعة الأشجار والحدائق، لتكون شركة مملوكة لشركة قفصة للفوسفات، التي تملكها الحكومة، لكي توفر وظائف أكثر، وقد تم توظيف 7500 شخص في فروعها الثلاثة، وهم يقبضون رواتبهم الشهرية، ولكن بسبب غياب الإدارة السليمة ليس لديهم عمل يقومون به.
وتفيد الصحيفة بأن المدير العام لفرع قفصة من الشركة البيئية شكري رويسي، يدافع عن المشروع قائلا إن المشروع في بداياته، وإنه ساعد على تخفيف التوتر، ويضيف ضاحكا: "صحيح أن الناس يقولون في العادة إن الشركة تدفع رواتب لأناس لا يفعلون شيئا، ولكن إذا نظرنا للصورة الأوسع لوجدنا أنه لا أحد آخر يعمل".
وتوضح ريان أنه منذ ثورة عام 2008 في حوض التعدين، فإن كل عملية توظيف جديدة قامت بها شركة قفصة للفوسفات تسببت باحتجاجات من أؤلئك الذين لم يحصلوا على وظائف. ويعتصم محمد ناصر (34 عاما) في خيمة تحت حزام ناقل، يحمل الفوسفات إلى معمل الغسيل، ويقول إن الاحتجاج بدأ عندما أعلنت الشركة عن تعيين عمال جدد لعام 2014.
وبحسب التقرير، فإن المشاركين في الاعتصام يشكون في معايير اختيار الموظفين الجدد، ويقول ناصر: "أعطوا الوظائف للميسورين، وليس للفقراء".
وتكشف الصحيفة أنه ليست هناك إدارة في موقع تنجيم الفوسفات في المتلوي، ولا في مقر الشركة، ويقول الموظفون إن الجميع اختفى قبل عدة أسابيع عندما بدأ الاعتصام، وحتى أن مقر الشركة في قفصة قد تم إغلاقه، وقد تركت الشركة المشكلة للحكومة لتحلها.
وتذكر الكاتبة أن رئيس الوزراء الحبيب الصيد أعلن في 15 أيار/ مايو عن مجموعة مبادرات لمعالجة الشكاوى المحلية، بما في ذلك بناء خط سريع يربط العاصمة تونس بمدينة قفصة، ما سيساعد على تنشيط حركة الإعمار المدني والبنية التحتية في المنطقة، كما أمر بالتدقيق في ممارسات التوظيف لشركة الفوسفات.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن وعوده بقيت أقل من المتوقع في بلدات مثل المتلوي، حيث فقد الناس الثقة في السياسيين منذ عقود. ولم يستمع أحد لمطالبته ببدء الإنتاج فورا، بل زاد من غضب المحتجين. ودعت الاتحادات المحلية في المتلوي وبلدات أم العرايس والمظيلة والرديف المجاورة الأسبوع الماضي إلى إضراب عام يشمل عمال القطاع العام كلهم.
وتستدرك الصحيفة بأن يوم الإثنين الماضي أتت رسالة من واحد منهم، وهو السياسي اليساري اديني حجي، الذي سجن سابقا لدوره في ثورة عمال المناجم عام 2008، حيث خاطب العمال الذي يحاصرون صناعة الفوسفات قائلا: "إن عنادكم يدمر تونس".
وتنقل ريان عن السجين السياسي السابق، الذي أصبح عضو برلمان في خطاب له في الرديف، قوله: "في غياب الأمن لن تتم إعادة الحياة لقفصة، ولن يكون هناك عمل أو تطوير، وسنعود إلى شريعة الغاب".
ويشير التقرير إلى أن رئيس مهندسي شركة الفوسفات ومدير قطاع تعدين المظيلة المهندس رافع نجيب يرفض المزاعم بأن إدارة الشركة كانت سلبية، ويقول: "إن كانوا يمنعون الناس من الوصول إلى مكاتبهم، فكيف لهم أن يعملوا؟"، وأنكر الاتهامات بالفساد في ممارسات التوظيف.
وترى الصحيفة أن الضعف في التطوير واليأس لدى الناس يؤديان إلى نتائج خطيرة، فمع قلة الوظائف الرسمية تقدر نسبة العاملين في الاقتصاد الخفي بـ 40%، وكثير منهم متورطون في التهريب عبر الحدود مع ليبيا والجزائر، ومنها يقومون برحلاتهم عبر البحر إلى أوروبا.
وتتطرق الكاتبة إلى أن تونس كانت أكبر مصدر للمقاتلين في ليبيا وسوريا والعراق، وكان اثنان ممن قاموا بالهجوم على متحف باردو في شهر آذار/ مارس، من الذين سافروا وتدربوا في ليبيا.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن شابة عمرها 36 عاما، وهي عاطلة عن العمل بالرغم من أنها تحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، تقول إنها شاركت في الاعتصام في مدينة قفصة لمدة 14 شهرا، مشيرة إلى أن عدم توفر العمل يدفع ببعض الشباب إلى التطرف.