عرض الكاتب والمحلل السياسي والصحفي السعودي المعروف
جمال خاشقجي تحليلا موسعا لمجريات الأحداث في اليمن والمنطقة خلال حديث مطول مع "
عربي21"، مؤكدا أن "
عاصفة الحزم والعملية العسكرية في اليمن لم تفشل لأن من كان ينتظر إنجاز المهمة خلال أيام فهو واهم وغير مدرك لطبيعة ما يجري في المنطقة".
واعتبر خاشقجي أن
سوريا هي الحلقة التالية في المعركة التي تهدف لوقف التوسع الايراني في المنطقة، مؤكداً أن
السعودية تقود مشروعا عربيا مضادا وأنها الوحيدة القادرة على إنقاذ هذه المنطقة من "حالة التداعي" الذي تعيشه.
وبينما تحدث خاشقجي بانفتاح وإسهاب مع "
عربي21"، فقد أكد مرارا وأكثر من مرة أنه لا يمثل الموقف الرسمي السعودي كما يحاول البعض تصويره، وليس ناطقا باسم المملكة، كما أنه لا يتولى أي منصب رسمي في السعودية، مؤكدا أنه مجرد محلل سياسي وصحفي لا يمثل إلا نفسه، ولا يتحدث إلا بآرائه التي يقتنع بها.
ويتوقع خاشقجي تحالفا وشيكا وقويا بين السعودية وتركيا، مؤكدا أن "هذا التحالف هو المستقبل" وأن كلا البلدين يجمعهما تاريخ مشترك وثقافة واحدة، ولديهما نفس الاستراتيجية في المنطقة التي تقوم على ثلاثة محاور: وقف التوسع الايراني، مواجهة تنظيم داعش وغيره من المنظمات الارهابية، وقف حالة التداعي التي تشهدها المنطقة والتي تجلت بانهيار أنظمة القمع.
وينفي خاشقجي تماما الفرضية التي تتحدث عن أن المشروع الايراني في المنطقة مضاد للمشروع الأمريكي والاسرائيلي، مؤكدا أن "
إيران طائفية ولا يمكن للطائفة أن تواجه مشروعا، فقط الأمة هي التي يمكن أن تواجه المشروع الصهيوني"، على حد تعبيره.
وفيما يأتي النص الكامل لحوار "عربي21" مع جمال خاشقجي:
•
بعد مرور كل هذه المدة على عاصفة الحزم، والعملية العسكرية في اليمن، هل يمكن القول إن التحالف الذي تقوده السعودية فشل في إنجاز المهمة؟
- لا يجوز الحكم عليها بالفشل، لأن العملية في اليمن مستمرة، ما حصل من خراب لعقود لا يمكن إصلاحه في سنة، المعركة ليست لاحتلال قطعة أرض وإنما هي إحلال للسلام في اليمن، بل إنه حتى لو هزم الحوثيون وخرجوا من صنعاء فليس هذا انتصارا كاملا، فالانتصار الكامل حين يعود السلام إلى اليمن.
لكن يجب أن يرى المواطن العربي عاصفة الحزم بشكلها الأكبر، وهي أنها عاصفة لمواجهة ثلاث أمور في المنطقة، الأول: التغول الايراني في اليمن وغيرها، الثاني: داعش وهي مستقبل سيئ للأمة، الثالث: وقف حالة التداعي في الأمة والتي تقتات عليها إيران وداعش معاً. فالمهمة صعبة وليست سهلة.
• هل نحن أمام مشروع عربي جديد تقوده السعودية لتغيير المنطقة؟
- أود التأكيد طبعا على أنني أتحدث برأيي وتحليلي الشخصي، ولا أمثل السعودية ولا الحكومة.
أنا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مشروع عربي، ولا أعتقد أن هناك أي دولة عربية قادرة على بلورة هذا المشروع سوى السعودية، ليس لأنني سعودي وإنما لأنه لا يوجد فعلاً أي دولة في المشرق العربي تستطيع أن تقود المشروع العربي سوى السعودية. وقد قلت منذ البداية إنني أتمنى أن تتحول عاصفة الحزم من ردة فعل إلى استراتيجية تعلي هامة العدالة وراية الحق من أجل بناء وطن عربي جديد، يتداوى من حالة الانهيار ويتفهم المتغيرات العربية.
أما المشروع الايراني فليس مشروعا أصلا، وعندي في ذلك دليلان واضحان، أولا: أنه طائفي والطائفة لا تستطيع مواجهة المشروع الصهيوني، وإنما بحاجة لأمة. الثاني: أن إيران في كل نشاطها العربي وقفت مع الديكتاتوريين، ووقفت مع الحكام الطغاة، وقفت مع بشار ووقفت مع علي عبد الله صالح، وبالتالي لا يجب النظر إلى إيران على أنها البديل.
• هناك من يتحدث عن تناقض سعودي.. فالمملكة تعارض الانقلاب في اليمن، وتؤيده في مصر، ما رأيك؟
- أولاً السعودية لا تستطيع أن تغير واقع الأمة العربية بالكامل، ولديها الكثير من التحديات، وهي تسدد وتقارب وتقدم الأولى فالأولى، وحالياً لا توجد حالة مصرية منهارة تستدعي المسارعة، وتستدعي من السعودية أن تترك ما بيدها وتذهب إلى هناك، لكني أرى أن المسار الذي تمضي به الحكومة المصرية وحالة الاستقطاب ستؤدي إلى أزمة لا محالة، والوقاية أفضل من العلاج، فمنع حدوث أزمة أفضل من علاجها في المستقبل.
• بالعودة الى الملف الايراني.. هل المنطقة مقبلة على حرب بين دول الخليج وايران؟
- لدينا حالتان كان يمكن أن تشعلا حرباً؛ إيران تمارس سياسة حافة الهاوية، أرسلت طائرة إلى صنعاء وحاولت أن تهبط هناك عنوة من أجل أن تقول بأنها ذهبت إلى صنعاء رغماً عن التحالف الذي تقوده السعودية، تلك الحادثة كان يمكن أن تنتهي بكارثة، ذلك أن القوات السعودية لم تجامل وإنما قابلت التحدي بالتحدي، ولو حصل خطأ بسيط لسقطت الطائرة المدنية، وكان يمكن أن تحدث كارثة وربما تندلع حرب.
المرة الثانية عندما حاول الإيرانيون إدخال سفينة إلى ميناء الحديدة، وبعد أيام اضطر الإيرانيون للانسحاب وأفرغوا حمولة السفينة في جيبوتي. في تلك الحادثة ماذا لو حدث اشتباك، أو أغرقت السعودية زورقاً، أو صعد السعوديون واستولوا على السفينة. في كلتا الحالتين والتراجع الإيراني يدل على أن إيران لا تريد اندلاع حرب.
أنا أستبعد المواجهة، لكن أمامنا معركة قادمة في سوريا، وإيران مصرة على أن يكون لها موطئ قدم هناك ولو بتقسيم سوريا، والسعودية مصرة على أن لا تسمح بتسليم سوريا ولا تقسيمها، ولن تسمح أيضا بقيام دولة علوية في سوريا، وحتى لو اضطرت للدخول في مواجهة فسوف تفعل.
أنا أعتقد بأن لدى إيران موقفا استراتيجيا بعدم الدخول في أي حرب مباشرة مع السعودية.
• هناك حديث عن تحالف سعودي تركي وشيك.. هل من المرجح حدوثه؟ وما أثره على المنطقة؟
- هذا التحالف هو المستقبل؛ فإذا كانت الرؤية لدى السعودية تتمثل في محاربة الإرهاب، ووقف المد الإيراني، ووقف التداعي بالمنطقة، فهي بحاجة لمن يشاركها في تنفيذ هذه الخطة، وتركيا قادرة وتتفق مع السعودية، ولديها رغبة في تحقيق هذه الأهداف.
لو نظرنا إلى السياسة الخارجية لكل من السعودية وتركيا وطبيعة البلدين والخلفية المشتركة، نجد أن أسباب التعاون بينهما أهم وأدعى، وأنا أميل إلى أن التعاون والتحالف سيحدث لا محالة.
أنا أتوقع مزيدا من التحالف بين الرياض وأنقرة في المستقبل القريب.
أيضا، التوافق الفكري والسياسي قوي ومهم بين تركيا والسعودية، وسوف يؤدي إلى تحسين وضع المنطقة بعد حالة التدهور التي تعيشها حالياً، وأي تعاون سوف يؤدي إلى وضع أفضل. لا يعني هذا أن التعاون يملك مصباح علاء الدين، لكنه سيكون جيدا، لأن حالة التداعي في المنطقة هي نتاج فشل استمر عدة عقود منذ خمسينيات القرن الماضي وما تلاه من مسلسل فشل وتاريخ أسود عشناه طوال العقود الماضية، وعلاج هذا الوضع السيئ لا يمكن أن يتم في عام أو اثنين وإنما يحتاج لوقت طويل.