على شاكلة قوات
الحشد الشعبي في العراق، بدأت أوساط سياسية وإعلامية
لبنانية تتخوف من تشكيل نموذج مماثل لها في لبنان بدعم وتسليح من
حزب الله، لمواجهة ما يسميه الأمين العام للحزب "الجماعات التكفيرية" في منطقة
عرسال الحدودية، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
حالة من التجييش والتحشيد المذهبي تشهدها البلدات ذات الغالبية الشيعية في مناطق وبلدات البقاع الشمالي، وسط انتشار مسلح بين العائلات التي اجتمعت مساء الأحد بحضور نواب من حزب الله، وأعلنت "لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرود من جرود عرسال والبقاع".
لواء القلعة
موقف هذه العشائر جاء بالتزامن مع إعلانها عن تشكيل ما يسمى بـ"لواء القلعة للدفاع عن قرى وبلدات بعلبك"، فيما أصدرت عائلات أخرى بيانات -اطلعت عليها "عربي21"- قالت فيها الدعوة إنها "وضعت نفسها رهن إشارة الأمين العام لحزب الله، وإنها على أهبة الاستعداد لخوض المعركة والتضحية بكل شيء".
عائلات أخرى أعلنت أنها "ستقدم كل الدعم بالعديد والعتاد لضرب المسلحين في جرود لبنان الشرقية، وأكدوا انهم سيقاتلون كما قاتلوا في الماضي كل أنواع الاحتلال من أيام العثمانيين"، فيما قالت عشائر أخرى إنها "ستقاتل ضد النصرة وداعش إلى جانب حزب الله "حتى النصر والشهادة".
استعانة حزب الله بالعشائر فيما بات يعرف بـ"معركة عرسال" انسحبت على مجموعات مطلوبة للدولة على خلفية ملفات جنائية، إذ أعلن نوح زعيتر -وهو أحد أبرز المطلوبين بتهم تجارة المخدرات- عن جمع المسلحين لديه، وقال إنه "بانتظار إشارة من السيد نصرالله لإنهاء الوجود المسلح في جرود عرسال".
توترات واشتباكات
بدأت التوترات في بعلبك -بحسب شهود عيان تحدثوا لـ"عربي21"- عندما حدث تلاسن تطور إلى عراك بين شابين من عائلة آل جعفر الشيعية مع شاب من عائلة صلح السنية، على خلفية محاولة تعليق لافتة تؤيد موقف حزب الله في عرسال، تطور في وقت لاحق إلى إطلاق نار من قبل عناصر مسلحة من عائلة جعفر على محال تجارية لعائلة صلح في سوق بعلبك.
تدخل الجيش اللبناني في أكثر من مرة لم تفلح في تطويق الأزمة، حيث اضطرت قواته للانسحاب من أحياء المدينة في ظل كثافة الاشتباكات، فيما تسود الأجواء المتوترة المدينة والبلدات المحيطة، حيث ذكرت مصادر محلية لـ"عربي21" أن العشائر الموالية للحزب تواصل حشد عناصرها، وسط مخاوف من اشتعال حرب مذهبية تمتد إلى مختلف المناطق اللبنانية.
أوضاع خطيرة
ويحذر مراقبون من خطورة ما يجري إذا لم يتم تدارك الأوضاع قبل انفلاتها، لاسيما في ظل جلسات حوار مستمرة بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية رئيس مجلي النواب نبيه بري.
وفي هذا الصدد، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير أن "ما يجري في البقاع خطير جدا، وتتداخل فيه الأجواء الطائفية والعشائرية مع الأجواء الأمنية والطائفية والمذهبية، إضافة إلى تأثير الأوضاع في سوريا".
ويرى قصير في حديث لـ"عربي21" أنه وعلى "رغم حرص حزب الله وحلفائه على التركيز على خطر المسلحين في جرود عرسال، فإن الأمور تتطور وهناك تحريض متبادل من طرفي الصراع"، متهما في الوقت ذاته تيار المستقبل وبعض القوى الإسلامية بـ"السعي إلى تحويل الأحداث إلى معركة شاملة في كل لبنان ردا على حزب الله وحلفائه".
غير أن ما ذهب إليه قصير يخالفه فيه الكاتب والإعلامي أوّاب المصري، الذي يضع ما يجري في بعلبك في إطار "الانعكاس الطبيعي والمنطقي لحالة التحشيد والاحتقان التي بدأها أمين عام حزب الله في إطلالاته الأخيرة، لا سيما الخطاب الأخير، الذي مهد فيه لبدء معركة عرسال وجرودها لطرد المسلحين منها".
ويشير المصري في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه "لو كان لعرسال خطورة على الداخل اللبناني، كان بالأحرى أن يكون ذلك خلال الفترة التي كانت تصل إلى مناطق نفوذ الحزب في البقاع والضاحية سيارات مفخخة، كان معروفاً أنها تصل من عرسال بعدما يتم تفخيخها في الأراضي السورية".
ويرى المصري أن عزم حزب الله على الدخول إلى عرسال "لا يرتبط بالأذى الذي يسببه وجود المسلحين في هذه المنطقة على لبنان، بل بمجريات الحرب التي يخوضها الحزب في الداخل السوري".
ويضيف المصري أن "موضوع لواء القلعة إنما "هو دليل على هشاشة الدولة اللبنانية وغياب هيبتها، وتوجيه رسالة ضمنية للجيش أن اللبنانيين ليسوا بحاجة إليه، وأن بمقدورهم حماية أنفسهم بأنفسهم".
نحو الأسوأ
وعن سيناريوهات تطورات الأوضاع، يعبر قصير عن مخاوفه من "تطور الأمور الأمنية نحو الأسوأ في ظل ما يجري في سوريا، رغم سعي بعض الأطراف اللبنانية وقيادة الجيش إلى ضبط الأمور، والتخفيف من حالة الاحتقان"، محذرا من "مخاطر تحول إعلان التعبئة لدى العشائر إلى ما يشبه الحشد"، في إشارة إلى نموذج الحشد الشعبي في العراق.
وهنا يتفق الإعلاميان المصري وقصير في الخشية من تطورات سلبية لما يجري، غير أن ثمة خلاف بشأن المنطلقات، حيث إن المصري يحذر من أن تكون حالة التحشيد الجارية حاليا مقدمة من حزب الله للقيام بخطوة ما على الأرض.
ويشبّه المصري ما يجري في البقاع بـ"الأجواء التي سادت قبيل قيام حزب الله في أيار 2008 على اجتياح بيروت وعدد من المناطق بقوة السلاح"، مستغربا من أن يأتي هذا التحشيد "في ظل استقرار نسبي داخلي وحوار قائم بين تيار المستقبل وحزب الله (..)، وبالتالي من المنتظر أن يكلل الحزب تحشيده بعمل عسكري الأرجح أن يكون محاصرة بلدة عرسال مع تجنب الدخول إليها، ومحاولة طرد المسلحين من جرودها".
ويتابع المصري: "الجديد هو أن يتم الإعلان عن هذا التشكيل العسكري، وأن يأخذ طابعاً عشائرياً طائفياً فجاً، الأمر الذي قد يدفع آخرين لإنشاء تشكيلات عسكرية مجابهة"، متسائلا: "بعد كل ذلك هل يريد السيد حسن نصر الله أن يقنعنا أنه صمام أمان للبنان والحريص على منع اشتعال فتنة مذهبية؟!".
الخروج من الأزمة
ويرى الكاتب قصير أن الحل للخروج من الأزمة هو بـ"البحث عن حلول سياسية، وإطلاق مبادرة لإخراج المسلحين من عرسال، ودخول الجيش إلى كل المنطقة، وأن تكون المنطقة تحت حماية الدولة اللبنانية ومؤسساتها العسكرية والأمنية".
في المقابل، يلفت المصري إلى دور الجيش بالقول: "من الواضح أن هناك قرارا لدى الجهة المقابلة بمنع حزب الله من دخول عرسال، وفي سبيل ذلك أطلقت الكثير من التصريحات والتهديدات التي اعتبرت عرسال خطا أحمر يمنع تجاوزه، إضافة لتأكيدات من وزير الداخلية التابع لتيار المستقبل يؤكد فيها أن الجيش يقوم بواجبه".
غير أن المصري يعود ويعبر عن خشيته من أن "يقتصر أداء ممثلي السنة على التصريح والوعيد، دون أي فعل قد يردع حزب الله فعلاً عن أي تحرك في عرسال، خاصة أن عملاً عسكرياً مشابهاً قد يكون له تبعات طائفية ومذهبية خطيرة على أمن لبنان واستقراره".