رأى مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، أنه تاريخيا بالنسبة إلى السياسة التركية على المدى القصير، فإنه لم تكمل أي حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية في
تركيا ولايتها، وعادة ما تشهد البلاد أزمات سياسية واقتصادية عندما تفشل هذه الحكومات نتيجة المشاحنات بين الشركاء في الائتلاف.
وقال سونر چاغاپتاي -معلقا على نتائج
الانتخابات التركية- إنه إذا ما دخلت تركيا فترة من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي في ظل حكومة ائتلافية أو أثناء فترة تشكيل الحكومة التي أقصاها خمسة وأربعين يوماً، قد يتجه الجمهور مرة أخرى إلى دعم حكومة حزب واحد، برئاسة «حزب العدالة والتنمية»، في انتخابات مبكرة.
وأشار إلى أن نتائج الانتخابات أثبتت أن تركيا كبيرة جداً ومتنوعة جداً بالنسبة للرئيس
أردوغان، أو «حزب العدالة والتنمية»، أو أي حزب آخر للسيطرة عليها بمفرده. إذ أصبحت المعجزة الاقتصادية التي بشر بها أردوغان خلال العقد الماضي نقمة عليه؛ فقد ساعد في جعل تركيا مجتمعاً من الطبقة الوسطى، ولكن هذه الفئة من الناخبين وجدت الآن صوتاً في البرلمان من خلال التحالف الكردي الليبرالي و«حزب الشعب الجمهوري».
واعتبر أن هذه النتائج بددت طموحات الرئيس أردوغان بأن يصبح أول رئيس تركي له أيضاً طابع تنفيذي. كما واستبعدت كل من «حزب الحركة القومية» و«حزب الشعب الجمهوري»، و«حزب ديمقراطية الشعوب» الحفاظ على الوضع الراهن -حيث يدير أردوغان فعلياً البلاد من وراء الكواليس- شرطا مسبقا للدخول في حكومة ائتلافية مع «حزب العدالة والتنمية».
ومع ذلك، قد يشكل حزبه حكومة، أو يعود ليصبح حزب الأغلبية في انتخابات مبكرة مرجحة، ولكن طموحات أردوغان الرئاسية قد تبددت الآن. ومع ذلك، قال الرئيس التركي إنه سيواصل جهوده لإدارة «حزب العدالة والتنمية»، وانتهاج نمط تنفيذي في الرئاسة، ولكن مع تكتيكات خاصة مختلفة، لا سيما إذا بشّرت انتخابات مبكرة بتشكيلة أكثر تأييداً لأردوغان.
واعتبر چاغاپتاي أن هذه النتائج بالنسبة إلى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو كانت محرجة بالنسبة إليه لأنه أساساً أدار حملة لإلغاء منصبه، قائلاً للناخبين: "صوتوا لي لكي تتمكنوا من التخلص مني، ثم اجعلوا أردوغان الرئيس الرسمي للحكومة".
أما بالنسبة إلى
الأكراد، فقد شكلت نتائج الانتخابات فرصة للجناح المؤيد للديمقراطية من الحركة القومية الكردية، لكي يتمكن أخيراً من السيطرة على جناحها الذي مارس العنف.
فقد دخل «حزب ديمقراطية الشعوب» البرلمان بفضل دعم الأتراك الليبراليين، ما يظهر أن الديمقراطية هي الحل للمظالم التي تطال الأكراد، والأهم من ذلك أن مستقبل الحركة متداخل مع مستقبل تركيا الليبرالية والديمقراطية.
ولقد خسر «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا أغلبيته البرلمانية التي حافظ عليها على مدى ثلاثة عشر عاماً.
فوفقاً لنتائج غير رسمية للانتخابات التي جرت في 7 حزيران/ يونيو، انخفضت نسبة الأصوات التي حصدها إلى 41 في المئة، بينما بلغت هذه النسبة 50 في المئة في عام 2007.
من جهة أخرى، انخفض تأييد فصيل المعارضة الرئيسي، «حزب الشعب الجمهوري» اليساري، من 26 في المئة إلى 25 في المئة، بينما ارتفع رصيد «حزب الحركة القومية» الذي يعرف أيضاً بـ «حزب العمل القومي» من 13 في المئة إلى أكثر من 16 في المئة. ومن جهته، حصد الحزب القومي الكردي الأصغر، «حزب ديمقراطية الشعوب»، على أكثر من ضعف الدعم الذي حصل عليه سابقاً، إذ حاز على 13 في المئة من الأصوات، باستناده على برنامج ليبرالي استهدف النساء والأقليات السياسية والعرقية.
وتشير النتائج الأولية إلى أن «حزب العدالة والتنمية» سيحوز على 258 مقعداً في البرلمان التركي المكوّن من 550 مقعداً، بينما سيحوز «حزب الشعب الجمهوري» على 132 مقعداً، و«حزب الحركة القومية» على 80 مقعداً، و«حزب ديمقراطية الشعوب» على 80 مقعداً أيضاً. وبما أن أي حزب لم يحصل على الأغلبية، فستكون الحكومة القادمة إما حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية؛ إذ يمكن لـ «حزب العدالة والتنمية» أن يشكل ائتلافاً مع شريك واحد فقط، في حين تحتاج الأحزاب الأخرى إلى شريكين على الأقل لحشد الأغلبية.
ومن الناحية النظرية، يوجد العديد من الإمكانيات لتشكيل ائتلاف، ولكن الخيارات محدودة على أرض الواقع؛ لأن «حزب العمل القومي» و«حزب ديمقراطية الشعوب» استبعدا -على الأقل في الوقت الراهن- التحالف مع «حزب العدالة والتنمية»، بينما استبعد «حزب العمل القومي» من جهته قيام
تحالف مع «حزب ديمقراطية الشعوب».
كما أن التحالفات بين اليسار واليمين غير مرجحة في تركيا، الأمر الذي يشير إلى أن حكومة ائتلافية بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» قد لا تكون وشيكة، على الرغم من أن مثل هذا التحالف يمكن أن يحقق الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه في تركيا، والانسجام الاجتماعي من خلال الجمع ما بين الطرفين المختلفين في البلاد.
ومن جهة أخرى، من غير الممكن أن نشهد ائتلافاً بين الحزبين اليساريين «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب ديمقراطية الشعوب»، لأن مجموع مقاعدهما لن يكون كافياً لتأمين التصويت على منح الثقة بالحكومة.
ويشير التوافق السياسي إلى التوجه نحو حكومة أقلية، إلا إذا تمكّن الحزبين اليمينيين، «حزب العدالة والتنمية» و«حزب العمل القومي»، من تشكيل حكومة يوافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلالها على اتخاذ خطوة إلى الوراء، وهو سيناريو غير قابل للتصديق إلى حد كبير.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن تشهد البلاد انتخابات مبكرة. إذ ينص الدستور التركي على أنه يتعيّن تشكيل الحكومة بعد الانتخابات في مهلة أقصاها خمسة وأربعون يوماً. وإذا لم تحصل أي حكومة على الثقة من البرلمان قبل هذا الموعد النهائي، يجب أن تتم الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة.