استقبل المواطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة
تنظيم الدولة في
سوريا نبأ دخول شهر
رمضان عبر مكبرات المساجد، ومكبرات سيارات الحسبة التي جابت الشوارع، لتعلم الناس أنّ الخميس هو أول أيام شهر رمضان المبارك.
يقول الأربعيني أبو أيمن: "ألفنا أشياء جديدة وودعنا أشياء خلال سيطرة التنظيم، سواء في العادات أو العبادات، كما لم يعد لرمضان سوى تلك البهجة الدينية" إذ غابت تلك الكرنفالات والمهرجانات الشعبية.
لم يعد يسمع الناس عند السحور الأناشيد الدينية والمدائح النبوية التي كانت أبرز الطقوس الاحتفالية بالشهر الفضيل، إذ منعها التنظيم باعتبارها "بدعة وضلالة".
يقول أبو فادي، خريج الشريعة من ريف حلب: "تعلمنا من علمائنا أنّ البدعة ابتداع شيء في الدين، أما الإنشاد الديني الخالي من الموسيقا فليس له علاقة بالعبادة، إنما هدفه إدخال البهجة والسرور لقلوب المسلمين. وكعب وحسان كانا ينشدان قصائدهما في المسجد النبوي، ولا أعتقد أنّ في ذلك مخالفة شرعيا، وهذا خلافا لما يُنشده البعض عقب الأذان".
ويتابع أبو فادي مستنكرا مقاييس التنظيم: "يستخدمون مكبرات المسجد لبياناتهم وقراراتهم، ومكبرات الحسبة تصدح بأناشيدهم الجهادية الحماسية".
ويبدأ نهار رمضان متأخرا، إذ يعمد أصحاب المحلات والمواطنون للتأخر بالاستيقاظ، لكون نهار الصيف طويلا والحر شديدا، رغم الطبيعة الريفية لمناطق سيطرة التنظيم.
يقول خلف، صاحب محل تجاري: "كان اليوم التجاري في منبج ينتهي بعد صلاة الظهر، حيث يأتي الناس من الأرياف مبكرا. أما اليوم فتبدلت الحال"، حيث تزداد كثافة الحركة بين العصر والمغرب.
وتنشط الحركة التجارية في رمضان، ولا سيما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، إذ يحاول الأهل إدخال الفرح لقلوب أبنائهم الصائمين في هذا الشهر المبارك رغم ارتفاع الأسعار.
وترجع الأسعار المرتفعة لانخفاض سعر صرف الليرة الذي تخطى عتبة 290 ليرة مقابل الدولار.
ورغم ذلك، يقول المدرس عبد الهادي، من منبج: "الأسعار هنا أرحم من المناطق الأخرى، فمعظم الخضار من إنتاج محلي، كما أنَّ تكاليف الإنتاج منخفضة، فالبندورة لا يتعدى سعرها 75 ليرة والبطاطا 60 ليرة". وتابع: "ساعد على انخفاض الأسعار وجود المحروقات وانخفاض أسعارها نسبيا"، يضاف لذلك قلة الكثافة السكانية مقارنة بالمساحة والثروات.
وحافظ السوق الرمضاني على طقوسه، إذ يكثر باعة التمور، وانتشر باعة السوس والتمر هندي، ولا سيما أن رمضان جاء في فصل الصيف، إضافة لباعة المعجنات (المعروك). وتتميز الأسواق في المدن الكبيرة (الرقة، منبج، الباب) بتوفر السلع الغذائية كافة.
وشهدت الأسواق منذ سيطرة التنظيم تراجع ذهاب النساء للأسواق. يقول الجامعي عبد الستار، من ريف حلب الشرقي: "نتيجة تشدد التنظيم باللباس الشرعي امتنعت كثير من النساء النزول للأسواق، ولا صحة لما يقال عن منع التنظيم نزول النساء للأسواق".
وتلتقي الغصة مع الفرحة عند الإفطار إذ يندر أن تجتمع أسرة بكامل أفرادها على مائدة الإفطار، إذ هجر معظم الشباب مناطق التنظيم، إما للعمل حيث تنخفض فرص العمل بمناطق التنظيم، وإما للدراسة.
يقول أبو محمد، من ريف حلب: "ولدي حسام سنة رابعة هندسة مدنية، ولا يستطيع المجيء للبلد لأننا نخشى أن يمنعه التنظيم من العودة لجامعته، فنرسل له مصروفه مع أصدقائنا. وأخوه محمد يعمل في تركيا والطريق إليها مغلق". ويبقى ألم الأسر التي انخرط أبناؤها في الثورة أكبر، فهم لا يستطيعون مشاركة أهلهم فرحة الإفطار.
وينصب التنظيم شاشات في ساحات المدن تعرض "انتصارات" التنظيم الحربية، وإصداراته، ويتجمهر بعض الناس لمشاهدة ما لا تعرضه قناة إعلامية.
وأبرز تغير في الطقوس الدينية تمثل بقرارات التنظيم الدينية، حيث أصدر التنظيم قرارا بألا يتجاوز عدد ركعات صلاة التراويح ثماني ركعات، وطلب التنظيم من الأئمة قراءة صفحة كاملة في كل ركعتين. وأغلب الأئمة مبايع للتنظيم أو حضر دورة شرعية خاصة بالأئمة لدى التنظيم.
يقول أحد عناصر التنظيم: "عُدنا بالمسلمين إلى السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث عائشة عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان".
ويتابع معقبا على قراءة صفحة: "كانت صلاة التراويح في معظم المساجد أشبه بنقر الديك، حتى وصل الأمر ببعض الأئمة لقراءة إذا وقعت الواقعة في الركعة الأولى، وقراءة ليس لوقعتها كاذبة في الثانية، فهل هذه صلاة أم حركات رياضية؟!" حسب تعبيره.
وقد أثار هذا القرار استهجان الأهالي الذين ألفوا صلاة التراويح عشرين ركعة. ويرى الشيخ يوسف، من ريف حلب أن التنظيم "لا يتعمد تطبيق السنة إنما يهدف لمخالفة الأمة، وإثبات نظريته التي تقول للناس "إنّكم لا تفهمون الدين، وعليكم اتباعنا لنعلمكم".
وبرزت في مناطق سيطرة التنظيم ظاهرة الأقفاص الحديدية التي تستخدم للتشهير بالمخالفين، ويتوقع أن يُوضع فيها في رمضان من يثبت فطره.
ويعلق الشيخ يوسف على ذلك بالقول: "من ستر مسلما ستره الله. لكن التنظيم يعمد عبر هذه الأقفاص للفضيحة والتشهير، وهذا يتنافى مع أخلاق الإسلام التي تعلي من الكرامة الإنسانية، ولا بأس من معاقبة المخالفين دون فضحهم"، كما يقول الشيخ يوسف.