كتب سمير الحجاوي: تواجه شبكة
الجزيرة حربا لا تتوقف، وآخر حلقاتها بالطبع اعتقال السلطات الألمانية لمذيع الجزيرة
أحمد منصور، الذي يعد أحد أبرز الوجوه الإعلامية التي أنتجتها الجزيرة.
هذا الاعتقال، الذي جاء بناء على مذكرة من سلطات الانقلاب الجاثمة على صدر
مصر والمصريين، يكشف النقاب عن هشاشة الدعوات الألمانية والغربية عموما لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وحق الاختلاف والنقد والوصول إلى المعلومة ونشرها للجمهور.
ليس لدينا أوهام حيال العقل الغربي، الذي يقيس الحق بمقياس المصلحة، فالحق هو المصلحة، والمصلحة هي الحق، ما يجعل من المفاهيم والأفكار والأصدقاء والأعداء عرضة للتغير الدائم، فلا ثابت إلا المصلحة.
ومن هنا فإن اعتقال الصحفي والإعلامي أحمد منصور تم بناء على تهم باطلة "السرقة والاغتصاب والاختطاف"، من نظام انقلابي مغتصب للسلطة وفاقد للشرعية، وهي تهم لا تليق إلا ببلطجي وقاطع طريق ولص وليس صحفيا ومذيعا مشهورا، والمفارقة أن هذه التهم تنطبق على الانقلابيين الذين سرقوا الإرادة الشعبية واغتصبوا السلطة واختطفوا مصر كلها، فهم رموه بالموبقات التي ارتكبوها، وهي عملية إسقاط نفسية من المجرم على الضحية.
في الجانب الآخر من المشهد، توجد ألمانيا في مقابل الديكتاتور السيسي، ومعها الجوقة الغربية التي صدعت رؤوسنا بالحديث عن الحرية والحريات والقيم والأخلاق، ووفرت الدعم والحماية لصحفيين وإعلاميين وكتاب ومخرجين، يسبون الإسلام ويسفهون الدين الإسلامي ويشنون الحملات العنصرية على العرب والمسلمين، وينشرون رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، بحجة "الحق في التعبير عن الرأي"، رغم أنها اعتداءات على عقيدة مليار ونصف مليار مسلم، إلا أن الأمور تنقلب رأسا على عقب، عندما تصل إلى حق العربي والمسلم في التعبير عن رأيه يتحول الأمر إلى جريمة تتوجب الاعتقال كما حدث مع الإعلامي أحمد منصور.
ما حدث مع مقدم برنامجي "بلا حدود" و"شاهد على العصر"، حدث قبل شهور قليلة مع مراسل الجزيرة في باكستان الدكتور أحمد زيدان، الذي كشفت بعض التسريبات إدراجه على قوائم "الإرهاب"، وهي تهمة تعني الاغتيال والقتل أو الاعتقال والزج به في جوانتانامو، رغم أن أحمد زيدان لم يحمل سلاحا في يده، بل يحمل كاميرا وميكرفونا، ومع ذلك يتم تصنيفه على أنه "إرهابي" لأنه استطاع أن يوصل للعالم أصواتا لا يرغب الغرب وحلفاؤهم وأذنابهم أن يسمعها أحد.
وعلى نفس المنوال حكم بالسجن على الصحفي والإعلامي محمد القدوسي بالسجن 10 سنوات بتهمة محاولة قلب نظام الحكم في مصر، وسجن مراسل الجزيرة الزميل عبد الله الشامي الذي نفذ أطول إضراب عن الطعام ينفذه صحفيو العالم، بلا تهمة أو محاكمة، وتم الزج بمراسلي الجزيرة الانجليزية في السجن بتهمة تشكيل "خلية إرهابية"، وتم إدراج الكاتب والإعلامي الدكتور محمد الحميري على قائمة التصفيات الحوثية.
هذه الاستهدافات لشبكة الجزيرة الفضائية هي حلقات في سلسلة مستمرة، فقد تم اغتيال طارق أيوب في بغداد بقنابل أمريكية، وكشفت التسريبات عن أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحث مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قصف مقر قناة الجزيرة وإسكاتها إلى الأبد، وتم استهداف مكاتب الجزيرة في أفغانستان، وفي ليبيا اغتال نظام الديكتاتور الهالك معمر القذافي المصور الصحفي علي الجابر غيلة، وتم الزج بالزميل سامي الحاج في معتقل جوانتانامو الرهيب لمدة 6 سنوات بدون تهم أو محاكمة، وقام نظام الأسد المجرم بالاستيلاء على منزل مذيع الجزيرة الشهير فيصل القاسم ورفع العلم عليه، مما دفع القاسم إلى تنبيه نظام الأسد إلى أن هضبة الجولان المحتلة تقع على بعد كيلومترات من منزله "المحرر" وأنه سيتنازل لهم عنه إذا حرروا الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، وقد وجه فيصل القاسم رسالة إلى زميله في الجزيرة أحمد منصور رسالة على الفيسبوك قال فيهاـ أخي أحمد منصور: احمد ربك أنك متهم بالسرقة والاغتصاب والاختطاف فقط. أنا اتهمني الكر ابن الكر العميد وفيق الناصر رئيس المخابرات العسكرية في السويداء بتحويل بيتي إلى مركز لإيواء وتدريب الإرهابيين وتصنيع قنابل انشطارية وخنفشارية قرقوشية زنقوحية مشقوفية.. لا تقلق وكمان وجدوا كميات رهيبة من الأسلحة الثقيلة وقطع تبديل طائرات في مزرعتي. كنت أقوم بتصنيعها عن بعد عبر الموبايل من الدوحة فتظهر في السويداء جاهزة للاستخدام. وكمان اتهموني بحفر نفق بطول عشرين كيلومتراً يمتد من ظهر الجبل إلى دارنا في قرية الثعلة للقيام بعمليات إرهابية. والحمد لله أن السلاح النووي الذي وجدوه بالحمام في بيتي كان من النوع النباتي. الله ستر. ابسط يا عم".
الحملة ضد الجزيرة وصحفيها ومراسليها عاتية وشديدة وشرسة، تتراوح بين التشويه والتضييق والاعتقال والسجن والقتل والاغتيال.. إنها ضريبة الحرية والتنوير التي تدفعها قناة الجزيرة من أجل فك سيطرة الإعلام الغربي عن العالم العربي، ومنح الرواية الأخرى فرصة للتعبير والوصول إلى الناس.
استهداف صحفيي وإعلاميي الجزيرة هو استهداف للشبكة والمنبر والفضاء الحر، وهي حرب مسعورة، في السر والعلن، ضد هذه القناة التي قلبت موازين الإعلام في العالم كله، وأصبحت علامة فارقة في الفضاء الإعلامي العربي.
(عن صحيفة الشرق القطرية- الثلاثاء 23 حزيران/ يونيو 2015)