في
دوالا، العاصمة الاقتصادية
الكاميرونية، ترتفع أيادي
المسلمين عاليا، كل ليلة عند أداء الفرائض في
شهر رمضان، مبتهلة إلى الله من أجل القضاء نهائيا على جماعة "
بوكو حرام" الناشطة في منطقة أقصى الشمال، وحفظهم من ممارساتها.
ففي خضمّ السياق الأمني المتوتر الذي تشهده المناطق المجاورة لنيجيريا معقل المجموعة المسلّحة، ووسط مخاوف من توسع نشاط هذا التنظيم إلى بقية المناطق، فقد طغت الدعوات إلى "زرع السلام" و"التصدّي لبوكو حرام والجريمة" و"محبّة الآخرين كمحبة النفس"، بغض النظر عن الانتماء الديني، على خطب الأئمة في مساجد دوالا الواقعة في الساحل الكاميروني.
إدريس موليه شاب كاميروني من دوالا.. كان يجلس قبالة المسجد الصغير في "نيو بيل"، أحد أحياء المسملمين في المدينة، مرهفا السمع لخطبة الإمام في الداخل، وأصابعه تعدّ حبات المسبحة البيضاء، وهي تنساب مسترسلة، وشفتاه تمتم تسبيحا واستغفارا. موليه قال للأناضول إنه في انتظار صلاة العصر، ليدعو الله – وكما في كلّ مرّة- "من أجل الكاميرون، من أجل أن يعمّ السلام.. أدعو الله أن يمكننا من القضاء على جميع عناصر بوكو حرام، وأدعو أيضا أن يحفظ إخوتي وأخواتي في أقصى الشمال من هؤلاء"، مشيرا إلى أنّ حلمه يكمن في أن "ينعم الكاميرون بسلام دائم، دون بوكو حرام وغيرها من المجموعات الإرهابية".
أمّا في المسجد المركزي بدوالا، فيستمع المسلمون إلى خطبة الإمام، قبل أن يقيموا حلقات للنقاش حول "تعاليم الدين". وعن ذلك، يقول إمام هذا المسجد، أبو بكر لابارانغ، في حديث للأناضول، إنّ "الرسالة التي يبثها المسجد المركزي بدوالا بمناسبة شهر رمضان 1436 وفقا للتقويم القمري الإسلامي، هي رسالة سلام وتآزر، وهذا الشهر الكريم ينبغي أن يشكّل، بالنسبة لنا، مصدرا وحافزا للسموّ الروحي"، مؤكّدا أن كلّ مسلم صائم ينبغي أن يكون هدفه التقوى، لأنّ "المؤمن" هو من تحلّى بالقيم الأخلاقية والمعنوية الرفيعة.
ويقول الإمام: "نحن نعيش في عالم مضطرب.. نعيش في عالم يشهد تحولات في الأفكار، والإسلام لم ينج من المتشدّدين الذين يروّجون لأفكار سلبية عنه. ولذلك، فإنّ رمضان يعتبر مدرسة بالنسبة للمسلم الذي يتلقى التعاليم الأخلاقية والروحية من خلال السلام والحب والكرم والمشاركة".
وبالنسبة للشيخ ابراهيم مبارك مبومبو، المنسق الوطني لـ "الاتحاد الإسلامي الكاميروني"، فإنّه "إن تمكّن المسلمون، خلال شهر رمضان، من الامتناع عن الأكل والشرب والمحافظة على لياقتهم طوال اليوم، فهذا يعني أنهم قادرون على بذل الجهد ذاته تخليدا للسلام والاستقرار والاحترام المتبادل في الكاميرون".
وأضاف مبومبو أنّ "مسلمي الكاميرون يمتلكون جميع الوسائل للتفوّق، وذلك من خلال مساهمتهم الفعالة في الحرب ضدّ الإرهاب"، مشيرا إلى أنّ عدد المسلمين في دوالا يتجاوز المليونين، ويناهز الـخمسة ملايين في جميع أنحاء البلاد، وفقا لبيانات حديثة.
وخارج أوقات الصلاة، يلجأ الأئمة إلى سبل أخرى، خلال الشهر الكريم، لتوعية المسلمين المتوافدين على حوالي 50 مسجدا تعدّها المدينة، بحسب المصدر نفسه.
إمام المسجد، أبو بكر لابارانغ، عاد ليقول إنه "خلال صلاة الجمعة، نستخدم منصة للتوجه مباشرة إلى المؤمنين، ونطلق عبرها دعوات بلغات الهوسا والفوفولدي وحتى باللغات المحلية مثل البافيا". وأضاف: "نجري أيضا حصصا للتأويل لإبراز السبل الكفيلة بتطبيق تعاليم الدين الإسلامي".
وبابتسامة عريضة، أقسم عثمان هلادجي، وهو أحد مسلمي دوالا، قائلا للأناضول، إنه سيكثف أواخر الشهر الكريم من الدعاء من أجل السلام في بلده.. "إنه شهر التقاسم والتشارك والصلاة والتضامن.. سأدعو الله من أجل السلام.. السلام ولا شيء غيره.. اللهم احفظنا من بوكو حرام".