* التفتيش القضائي للتخلص من القضاة الشرفاء وحماية الفسدة
* هناك قضاة لا يعنيهم إلا إرضاء السلطات القائمة
* مجموعات الفساد تسعى للتكاتف مع أمثالهم في المؤسسات
* أحكام الإرهاب أساءت للقضاء بمصر
أكد المستشار أحمد سليمان، وزير
العدل الأسبق وأحد أعلام تيار الاستقلال في
مصر، أن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بالالتزام بالقانون، محذرا من تحول
القانون إلى أداة انتقام من الخصوم.
وقال إن السلطة القضائية غير كاملة الاستقلال، وإنه في ظل الأنظمة القمعية فإنها تحاول اختراقها بكافة السبل. ورهن المستشار سليمان استقلال
القضاء بوجود إرادة حقيقية لدى السلطة الحاكمة لحماية هذا الاستقلال، ووجود تشريعات تكفل تحقيقها، ومنظومة من القضاة المستقلين العادلين.
ورأى المستشار سليمان أن الأحكام الصادرة في قضايا
الإرهاب في مصر خالف أغلبها أبسط مبادئ القانون، وأساءت إلى سمعة القضاء المصري.
وجاء ذلك في حوار لـ "عربي21" مع المستشار أحمد سليمان، وفيما يلي نص الحوار:
* كيف تقرأ تصريحات عبد الفتاح السيسي الأخيرة بأن " يد العدالة "مغلولة" بالقوانين"؟
- العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بالالتزام بالقانون، وإن تعديل القوانين بإهدار ضمانات دفاع المتهمين تحت مسمى تحقيق "العدالة الناجزة" لن يحقق العدالة، وسيتحول القانون ساعتئذ إلى أداة انتقام من الخصوم.
* كيف أثرت الأحكام القضائية الأخيرة ضد معارضي الانقلاب على مدار سنتين في سمعة القضاء المصري داخليا وخارجيا؟
- لا شك أن الأحكام الصادرة في قضايا الإرهاب خالف أغلبها أبسط مبادئ القانون، فأهدرت حقوق الدفاع، وبنت إدانتها على محاضر التحريات، ولم تحقق الدفاع الجوهري الذي أبداه الخصوم، ثم اتجهت إلى الحكم بأقصى العقوبة. كما قضت بالإدانة استنادا إلى مواد مطعون عليها بعدم الدستورية.
ولا شك أن كل هذه الأحكام أساءت إلى سمعة القضاء المصري إساءة بالغة في الداخل والخارج. منظمات حقوق الإنسان الدولية وكبار الكتاب وأصحاب الرأي في العالم وجهوا انتقادات شديدة لهذه الأحكام، ووصفوا القضاء بأنه تحول إلى أداة للقمع في يد السلطة الحاكمة.
* هل يحاكم معارضو الانقلاب أمام قاضيهم الطبيعي، وفي ظروف طبيعية تكفل لهم العدالة؟
لقد تم تشكيل دوائر الإرهاب للفصل في قضايا الخصوم السياسيين، وتم توزيع هذه القضايا عليهم، ولم يتم التوزيع طبقا لقرار الجمعية العمومية، كما أن أغلبهم كانت لهم انحرافات كانت محل تحقيق، وإن لبعضهم خصومات شخصية عبر عنها على صفحات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حرمانهم من حق الدفاع مطلقا أو الاستجابة الشكلية للدفاع، مع عدم تنفيذ الطلبات الجوهرية للدفاع، الذي قد يترتب عليه تبرئة المتهمين، وجميع هذه الظروف غير طبيعية، ولا تكفل العدالة.
* عقب ثورة يناير اتجهت الأنظار إلى القضاء كأداة لمعاقبة المخطئين بحق الشعب المصري إيذانا بتحقيق العدل، هل حدث ذلك؟
- لا شك أن العدل لم يتحقق في محاكمة رموز (الرئيس المخلوع حسني) مبارك؛ لأنهم كانوا في حماية الدولة العميقة التي عملت على إخفاء الأدلة أو إتلافها. وقد كان لـ(رئيس ديوان مبارك) زكريا عزمي دور هام في هذا المجال تحت رعاية المجلس العسكري. كما أننا لا نعرف مصير تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تم إنجازه في عهد (النائب العام السابق) المستشار عبد المجيد محمود، الذي نشرت (صحيفة) الوطن مؤخرا أجزاء منه، تضمنت اعتراف (وزير الداخلية في عهد مبارك حبيب العادلي) بأن الضباط قد اعتلوا أسطح العمارات وفندق شيراتون ومبنى وزارة الداخلية، وأطلقوا على المتظاهرين الرصاص الحي.
كما لا يخفى أن محاكمة مبارك الأخيرة صدر الحكم فيها على خلاف حكم محكمة النقض، وهو خطأ لا يقع فيه قاض مبتدئ.
كما أن مذكرة النيابة العامة في الطعن على حكم بيع الغاز لإسرائيل قالت إن المحكمة غيرت أقوال الشاهد لتصل إلى تبرئة مبارك، وهذه إدانة خطيرة للمحكمة.
* هل السلطة القضائية مستقلة؟ وما هي الجهة المنوط بها تطوير تلك المنظومة والعمل على استقلاليتها وحمايتها من تغول السلطة التنفيذية؟
- ما زالت السلطة القضائية غير كاملة الاستقلال. ولا يتحقق الاستقلال الكامل إلا بالتشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، وتقوم الإرادة السياسية على احترامها وحمايتها، ومن بعد ذلك جموع الشعب المصري، فهو مكلف بحماية استقلال القضاء والدفاع عنه؛ لأنه الحصن الأخير للحقوق والحريات في مواجهة كل قوى البغي والعدوان.
* ما هي طبيعة عمل المجموعات الفئوية داخل السلك القضائي التي تقاتل من أجل مصالحها الشخصية؟
- لا شك أن هناك مجموعة من القضاة لا يهمها سوى مصالحها الشخصية، وهؤلاء يعنيهم دائما إرضاء السلطات القائمة أيا كانت، وهم من أطلق عليهم الإعلام تيار الموالاة، وهم على استعداد لتنفيذ ما يطلب منهم بمجرد الإشارة.
* شعارات استقلال القضاء ونزاهته، هل يقطع الطريق أمام أي جهود للإصلاح ويجعله في دائرة المؤسسة المعصومة؟
- عند وجود إرادة سياسية حريصة على استقلال القضاء ومصالح الوطن، ومجلس نواب منتخب انتخابا نزيها ومعبرا عن إرادة الأمة، فإنه سيمكنه إصلاح منظومة القضاء.
* ألا ترى أن هناك توجها سياسيا بعصمة القضاء والشرطة والجيش؟ وأن أي حديث عنهم يعد خروجا عن الإجماع الوطني؟
- لا شك أن مجموعات الفساد في أي مؤسسة إنما تسعى للتكاتف مع أمثالها في المؤسسات الأخرى، ليكونوا جبهة حماية من الحديث عنهم أو تناولهم. وقد سمعنا وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم وهو يقول إن الجيش والشرطة والقضاء "إيد واحدة"، وهو تصريح بالغ الخطورة؛ لأن القضاء ينبغي ألا يقف مع أحد أو ضد أحد، حفاظا على استقلاله، وكونه حكما بين الخصوم.
* هل هناك توجه لإقصاء قضاة بعينهم؟ لماذا؟ ومن وراء ذلك؟ وهل يمكن تفريغ القضاء من كل القضاء الذي يصفهم مناهضو الانقلاب بـ"الشرفاء"؟
- في ظل الأنظمة القمعية التي لا تؤمن بالحرية واستقلال القضاء إيمانا حقيقيا؛ فإنها تحاول اختراق السلطة القضائية بكافة السبل، ولذلك تحرص على بقاء التفتيش القضائي تابعا للسلطة التنفيذية لمعاقبة القضاة الذين ترغب في الخلاص منهم، وحماية الفاسدين الذين ترغب في الاستعانة بهم.
* لماذا تسعى السلطة الحالية لإقصاء قضاة "تيار الاستقلال" و"قضاة من أجل مصر" وهم من أصحاب الخبرات في القضاء؟
- نعم تسعى السلطة الحالية لإقصاء قضاة "تيار الاستقلال" و"قضاة من أجل مصر". وقد استغلت البيان الذي أصدره بعض قضاة "تيار الاستقلال" مطالبين باحترام إرادة الأمة واحترام نتائج الانتخابات التي أشرفوا عليها، واحترام القانون والدستور. كما استغلت إعلان "قضاة من أجل مصر" مجموع الأصوات التي حصل عليها المرشحان الرئاسيان (محمد مرسي وأحمد شفيق)، وادعى أعضاء الثورة المضادة أنهم يشتغلون بالسياسة، وهي تسعى لذلك لأنها لا تطيق المعارضة من أي إنسان، وأيا كان وجه التعبير عنها.
وقد عبر (رئيس الحكومة الحالي إبراهيم محلب) تعبيرا صريحا عن رغبة النظام في الخلاص من قضاة تيار الاستقلال، حيث صرح أنه والسيسي وجها (وزير العدل الحالي أحمد الزند) للخلاص من صداع تيار استقلال القضاء.
* ما هو المقصود بصداع تيار استقلال القضاء؟
- المقصود بصداع تيار استقلال القضاء هو تلك المواقف التي تؤرق الحكومة وتحد من رغباتها وتكبح جماحها. فهم الذين أعلنوا رفضهم إدخال القضاة تنظيم الاتحاد الاشتراكي، وإشراك غير القضاة في العمل القضائي، وهم الذين وقفوا ضد العمل بقانون الطوارئ، وضد إحالة المدنيين للقضاء العسكري، وهم الذين طالبوا بإشراف القضاة الكامل على الانتخابات أو الإعفاء منها، وهم الذين أصدروا بيان الدفاع عن الشرعية، وطالبوا فيه باحترام القانون والدستور واحترام نتائج الانتخابات التي أشرفوا عليها. وكان نتيجة ذلك إحالتهم إلى التحقيق، ثم إلى مجلس الصلاحية، وصدور حكم بعزل عدد منهم.
* متى يتساوى الجميع أمام القانون وأمام الالتحاق بمنظومة القانون؟
- سبق أن قلنا إن استقلال القضاء لن يتحقق إلا باتجاه السلطة الحاكمة لحماية هذا الاستقلال، ووجود تشريعات تكفل تحقيق هذا الاستقلال، وقضاة يؤمنون برسالتهم، فيطبقون القانون بحياد وموضوعية، دون ميل أو هوى لأي إنسان أو جهة أو سلطة.. عندها تتحقق المساواة أمام القانون، وبغيرها لن تكون.. ونضرب لذلك مثالا بحركة التعيينات الأخيرة التي استبعدت أوائل الكليات الحاصلين على تقدير جيد جدا، وأقصت أبناء قضاة تيار الاستقلال عن التعيين رغم تقديراتهم المرتفعة، لمجرد أن آباءهم أصدروا بيانا لم ترض عنه السلطة الحاكمة، وذلك عقابا لهم على وقوفهم إلى جانب الحق والعدل والقانون والشرعية.
* المستشار طارق البشري له كتاب يتحدث فيه عن تاريخ القضاء المصري، وأنه تاريخ الصراع بين الاستقلال والاحتواء، كيف ذلك؟
- رؤية السيد المستشار الكبير طارق البشري رؤية صحيحة؛ لأن تاريخ القضاء المصري يدور بين محاولات السلطة التنفيذية لاحتوائه، وموقف قضاة الاستقلال الغيورين على استقلاله، والمدافعين عن كيانه، والرافضين لتدخل أي سلطة في شؤونه.
* كيف يؤثر غياب الاستقامة في القضاء على الأمن الاجتماعي؟
- لا يمكن لأي جماعة أن تستقيم شؤونها بدون قضاء محايد ومستقل، وقادر على تطبيق القانون على الجميع، والوقوف في وجه كل من يحاول التدخل في شؤونه. فإذا غاب القضاء بهذا المعنى غاب العدل، وتبعه غياب الأمن وانتشار الفوضى وسيادة شريعة الغاب.