كتاب عربي 21

عزيزي الظالم.. تحية طيبة وبعد

1300x600
كان يمكن أن تفهم السلطة أن الشيخ محمد جبريل كان يقصد قنوات الجزيرة ورابعة وقنوات الإخوان حين دعا على الإعلام الفاسد، وكان يقصد تنظيم أنصار بيت المقدس حين دعا على الظالمين، وكان يقصد الشيوخ المنظّرين للإرهاب حين استعاذ من ضلال العلماء، خاصة أن الدعاء كان عاما قد يُؤخذ على أي وجه، لكن السلطة وإعلامها قطعوا فورا بأن الدعاء الموجه إليهم، وعليه بدأوا حملة شرسة على جبريل بدأت بمنعه من الإمامة والخطابة في جميع مساجد مصر وانتهت بمنعه من السفر.

عن نفسي أصدق ما قاله "جبريل" لمسؤول بالأوقاف بأنه لم يقصد الدعاء على القيادة السياسية، لأن تاريخه يقول إنه لم يعارض أي قيادة سياسية مهما كانت ظالمة، فعندما قامت ثورة 25 يناير خرج الرجل في مداخلة تليفزيونية بعد خطاب مبارك، قائلا: "أنا مع الكلمة التي قالها السيد الرئيس حتى تهدأ الأمور، فهناك يد خارجية تعبث بأمن مصر واللي بيحصل ده شغل يهود. فأفيقوا يا شعب مصر. أفيقوا يا شعب مصر".

وبعد أن تولى محمد مرسي المسؤولية أمّ "جبريل" المصلين في صلاة التراويح في أغسطس 2012، وألقى خطبة قصيرة خلال الصلاة وجه فيها نداء إلى كل الشعب المصري دعاه فيه لمساندة مرسي في هذه المرحلة الحرجة كي تصل البلاد إلى بر الأمان، وقبل 30 يونيو ظهر أكثر من مرة على القنوات المؤيدة للإخوان لمساندة نظام مرسي في مواجهة دعوات المعارضة.

إذن، فالرجل يدعو لأي رئيس ويساند أي قيادة سياسية، فلماذا إذن لم تفترض وزارة الأوقاف وإعلام النظام أن الرجل يدعو على أعداء مصر ولا يقصد القيادة السياسية؟

الإجابة ببساطة أن السلطة الحالية تعرف أنها ظالمة، ويعرف إعلامها أنه فاسد ومفسد، ويعرف شيوخها أنهم دعاة سلاطين، ولذلك لم تشك ولو للحظة أن الدعاء موجه لها، وهو ما فعلته سابقا حين قضت محكمة بحبس علاء عبد الفتاح شهرا، لأنه قال لأحد أفراد الحراسة في سجن طرة "حسبي الله ونعم الوكيل" قبل أن يحصل على البراءة في الاستئناف.

السلطة تعرف أنها ظالمة لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه يعترف بصورة دورية بأن السجون مليئة بالمظلومين، حتى إنه قال بالحرف الواحد قبل أيام في إفطار الأسرة المصرية: "لم أكن أتمنى أن يكون في السجون أحد يقضي رمضان بعيدا عن عائلته، لكن ليس لدينا خيار، في ظل الظروف التي تمر بها البلد يتم إلقاء القبض على البعض حتى يعيش الباقي وفي بلد فيها 90 مليون نسمة، ومن أجل تأمينهم في ناس بتيجي في الرجلين".

يعترف الرئيس بأن نظامه وضع أبرياء في السجون، ثم يغضب هذا النظام إذا وصفه أحد بـ"الظالم"، فهل هناك صورة أوضح للظلم من ذلك؟

دعا محمد جبريل على علماء السلطان وربما يكون له من دعائه نصيب بوصفه واحدا ممن ساندوا السلاطين الجائرين بدلا من أن يقولوا كلمة الحق في وجوههم، لكن في نفس الخندق هناك عشرات الشيوخ الذين انتقدوا شيوخ الإخوان لتحريضهم على العنف، بينما هم يحرضون الحاكم على القتل، وانتقدوا خلط شيوخ الإخوان الدين بالسياسة بينما هم يذبحون الدين على أعتاب قصر الاتحادية، وانتقدوا تشبيه محمد مرسي بالصحابة بينما هم يشبهون السيسي بعمر بن الخطاب.

انتفض الإعلام كله حين دعا جبريل على الإعلام الفاسد، يكاد المريب يقول خذوني، يعرف الإعلاميون قبل غيرهم الجرائم اليومية التي يرتكبونها في حق المهنة والناس، ولذلك قادوا حملات التحريض ضد جبريل بمجرد انتهائه من الصلاة، فقد دعا على الإعلام الفاسد، أي دعا عليهم! 

***

الخلاصة:

إن كنت قادرا على منع شيخ من الصلاة بالناس مجددا حتى لا يدعو عليك؛ فإنك لن تستطيع أن تمنع دعوة أم على من ظلم ابنها، أو دعوة أب على من حرمه من أن يستند على كتف ابنه في أواخر أيامه.

إن أردت ألا ينالك أذى إذا دعا أحد على الظالمين فالأمر بسيط، لا تظلم.