صحافة دولية

كيف سيؤثر الاتفاق النووي على السياسة الخارجية لإيران؟

إيران لا تهتم بحجم الأموال المتدفقة بقدر ما تهتم بأمنها الإقليمي - أرشيفية
نشرت صحيفة الهافنجتون بوست الناطقة بالإنجليزية تقريرا حول التأثيرات المستقبلية المحتملة للاتفاق النووي الإيراني على السياسة الخارجية لإيران، حاورت فيه علي فائز، كبير المحللين في المجموعة الدولية للأزمات International Crisis Group، حول مختلف التساؤلات التي تطرح ذاتها بعد هذا الاتفاق.
 
ونقلت الصحيفة عن علي فائز، أن "مخاوف بعض الأطراف من أن تقوم إيران بزيادة الدعم لأذرعها في المنطقة عن طريق الأموال المفرج عنها بعد رفع العقوبات، لا تعدّ مخاوف في محلها، لأن الجميع يعلم أن إيران ستخصص جزءا صغيرا من الأموال لتمويل حلفائها، كما كانت دائما تفعل، وهذا الأمر شر لا بد منه؛ لأن رفع العقوبات كان الشرط الأساسي لإتمام الاتفاق".
 
وأضاف فائز في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن إيران لا تهتم بحجم الأموال بقدر ما تهتم بأمنها الإقليمي، وذلك تبعا لحساباتها الجيوستراتيجية، ومدى توقعها للخطر، فما دامت إيران تشعر أنها محاصرة من طرف حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فسيكون من الطبيعي أن تلجأ إلى حلول أمنية تتمثل في التحكم في حلفائها في المنطقة عبر دعمهم وتمويلهم، ولو بصفة سرية أو غير رسمية. ولو لم يعقد الاتفاق، لكان من الممكن أن تصبح إيران أكثر عدائية تجاه خصومها.
 
وقال فائز إن كل هذا التركيز على أموال إيران هو مجرد ذريعة يتمسك بها المعارضون للاتفاق، الذين يدّعون أن كل هذه الأموال ستذهب لحزب الله ونظام بشار الأسد، وفي المقابل أيضا لا يمكن تصديق مساندي الاتفاق الذين يقولون إن هذه الأموال سيتم استثمارها كليا في تطوير الاقتصاد الإيراني وتحسين ظروف عيش الشعب الإيراني، بينما الواقع هو أن هذه الأموال سيتم استغلالها في كلا الأمرين.
 
كما نقلت الصحيفة على لسان علي فائز، أن هذا الاتفاق يؤسس لتعاون مستقبلي على مستوى السياسات في الشرق الأوسط، بين إيران والولايات المتحدة وأوروبا، خاصة في المصالح المشتركة لهذه البلدان، مثل محاربة تنظيم الدولة، فبعد أن تم كسر حاجز العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، قد نشهد مستقبلا تنسيقا عسكريا، ولم لا قوات مشتركة بين البلدين، وهو ما يبشر بفصل جديد في علاقات البلدين، ويجنبهما صراعا كان حدوثه شبه مؤكد في الماضي القريب.
 
وحول تأثير هذا الاتفاق على موازين القوى بين إيران والمملكة العربية السعودية في المنطقة، قال ضيف الصحيفة إنه من الواضح أن تأثير إيران في المنطقة في تزايد مستمر، وقد يتفاءل البعض حول وجود تعاون محتمل بين البلدين، خاصة بعد ترحيب المملكة ظاهريا بالاتفاق، لكن في أروقة القصر السعودي يشعر الجميع بأن الولايات المتحدة تخلت عنهم بعد أن كانت حليفهم الرئيسي في المنطقة، ولن يكون هناك سوى الصراع السياسي بين البلدين على المدى القريب، لذلك فإن من مصلحة طهران أن تحاول كسب ود المملكة، عبر إقناعها بأن الاتفاق النووي لا يهدف لبسط سيطرة إيران على المنطقة، أو الإنقاص من قيمة أو تأثير السعودية فيها.
 
أما عن تأثير هذا الاتفاق على الصراع في اليمن، قال علي فائز إن "اليمن هو أضعف الأطراف في المعادلة، ولكن حدوده مع السعودية تفرض عليها حفظ الاستقرار فيه، وقد يمثل الصراع اليمني نقطة بداية لإصلاح العلاقات السعودية الإيرانية، وذلك عبر كف إيران عن دعمها للمتمردين الحوثيين".
 
وفي تساؤل حول التوقعات بأن تقوم إيران بتغيير حساباتها تجاه سوريا عقب هذا الاتفاق، قال فائز إن سوريا حليف رئيسي لإيران في المنطقة، وإنها لن تتخلى عنها تحت أي ظروف، وذلك رغم أن بقاء نظام الأسد يكلف طهران الكثير، على المستوى المالي وعلى مستوى السمعة الدولية، لكن الإيرانيين يرحبون بأي حلول لا تتضمن تخليهم عن مصالحهم هناك.
 
 ويتمثل الحل الرئيسي، بحسب فائز، في اقتناع جميع الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية بأن الحل العسكري لن يجدي نفعا، وعلى إيران أن تقتنع أن بقاء الأسد على رأس السلطة سيزيد الأزمة تعقيدا، أما المملكة العربية السعودية، فيجب أن تقتنع أن دور إيران في إيجاد حل للأزمة لا يمكن تجاهله.
 
وذكرت الصحيفة، على لسان ضيفها، أن السياسة الخارجية لإيران ستشهد تغييرات جذرية، لسبب بسيط، وهو أن هذه السياسة ستصبح في يد الدبلوماسية الإيرانية، بعد أن كانت بيد الحرس الثوري منذ أن بدأ فرض العقوبات الدولية على إيران.
 
 وكان كان الحرس الثوري الإيراني من أكبر المستفيدين من العقوبات في السابق، فبعد أن تخلت الشركات الأجنبية على الاقتصاد الإيراني، تولى هذا الجهاز العسكري، الذي يمثل دولة داخل الدولة، مهمة إنشاء المصانع والتحكم في الاقتصاد بشكل شبه أحادي دون منافسة تذكر، وقد التجأ في بعض الحالات للأسواق السوداء والتجارة غير الشرعية لتوفير حاجيات الشعب الإيراني، ليتوسع بذلك تأثيره الاقتصادي والسياسي في إيران.
 
أما عن موقفه من هذا الاتفاق، فقد رحب الحرس الثوري به بعد أن كان قد سانده منذ البداية؛ فهذه المؤسسة العسكرية تتلقى توجيهاتها من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، الذي كان قد تفاعل إيجابيا مع الاتفاق، ولا يمكن أن يخالفه الحرس الثوري في ذلك، لكن المعارضين للاتفاق في هذه المؤسسة لا يتوانون عن التصريح بذلك، بسبب أزمة الثقة بين إيران والولايات المتحدة منذ ما يقارب أربعة عقود.

للاطلاع على التقرير الأصلي، انقر هنا