ما حدث مع الشيخ محمد
جبريل بعد دعائه على الظالمين ليلة السابع والعشرين من رمضان بمسجد عمرو بن العاص، ما هو إلاّ استمرارا لحالة الإرهاب المعنوي فضلا عن المسلح الذي تعيشه
مصر منذ أكثر من عامين من الاستئصال لكل ما هو إخواني، أو بالأحرى ما هو إسلامي في حقيقة الأمر وجوهر الصراع، حيث لا مجال لأي صوت معارض وغير مسموح بمجرد الاختلاف في الرأي مع السلطة، رغم أنها (أي السلطة) جاءت عن طريق المعارضة المسلحة وبقوة الدبابة والاختلاف اللاأخلاقي بالأساس سياسيا وإعلاميا، لكن الواضح أنهم لا يريدون أن يتكرر معهم السيناريو ذاته بإتاحة الحرية مع المعارضين والمخالفين، فأغلقوا كل الأبواب والمنافذ.
المثير للغثيان في حقيقة الأمر ليس فيما حدث للشيخ جبريل من منع للصلاة في كل مساجد مصر، أو حتى منعه من السفر، فذلك ليس بجديد، فقد اعتقل النظام وأبعد وفصل من العمل الكثير من العلماء والأكاديميين، ولكن من اغتيال شخصية الرجل على هذا النحو من الخسة منقطعة النظير، حين تتهم صحيفة صفراء تابعة للسلطة، الشيخ في شرفه وتطعن في أخلاقه، باختلاق قصة سينمائية رخيصة وركيكة، لا تنطلي سوى على البلهاء من أتباع هذا النظام.
أشاعت صحيفة (الفجر) لرئيس تحريرها عادل حمودة والمعروف بخطه الصحفي المعتمد على الإثارة والتحرر حد الانحلال، خبرا في مانشيت كبير على لسان فتاة منتقبة ادعت أن الشيخ جبريل عاشرها في الحرام لعامين كاملين، وذلك بعد يومين فقط من دعاء الشيخ على القتلة والظالمين، رد فعل مفضوح عن ما بدر منه ،ومفاجأته حد الصدمة الكهربائية للانقلابيين ومن ناصرهم.
القصة من أولها إلى آخرها، لا تعدو كونها قصة إباحية من قصص الفجور الصحفي الصفراء، تُفند بعضها بعضا، ولا تحتاج لمزيد من جهد التفكير لإثبات اختلاقها من الأساس بغرض النيل من شرف الرجل وشجاعته، وتشويه صورته أمام محبيه، بعد فضحه جرائم الظالمين على رؤوس الأشهاد وسط تأمين آلاف المصلين في مسجد عمرو بن العاص وخارجه ممن سمعوا الرجل وأمّنوا خلفه، فما كان من الظالمين إلاّ أن تحسّسوا رؤوسهم ولسان حالهم يقول: الشيخ يقصدنا بدعائه، فنحن الظالمون حقا وصدقا، ولا أحد غيرنا جدير بالانتساب للظلم والفساد، فقرروا الانتقام بطريقة خسيسة.
القصة تفضح كذب الفتاة المنتقبة بملاحظتين هامتين، الأولى: لماذا انتظرت الفتاة عامين كاملين كي تفصح عن سوء أخلاق الشيخ وخيانته للعهد والدين، ولم تفضحه من شهور بعد اكتشاف خيانته وتغريره لها أم أن ضميرها استيقظ فجأة ثأرا لشرفها وعرضها؟!
أما الثانية فتتعلق بدلالة توقيت اعتراف الفتاة المنتقبة بعد يومين فقط من دعاء الشيخ على الظالمين، والحملة الشرسة التي شنتها عليه أجهزة السلطة قاطبة إعلاميا، وتم منعه على إثرها من إمامة المصلين في جميع مساجد مصر، فضلا عن منعه من السفر بعد شكوى كيدية من وزارة الأوقاف العسكرية، وهو ما يطعن في صحة القصة من الأساس، ويثبت كيديتها نكاية في الشيخ، وإرضاء للحاكم (أقصد الظالم الذي قصده الشيخ بدعائه).
تبقى ملاحظة أخيرة صغيرة ذات دلالة كبيرة مقصودة، حيث اتهام الشيخ جبريل عن عمد في فتاة (منتقبة) ربما كي تليق بسمت ووقار الرجل، لتنطلي على المغفلين والأغبياء، وليست أي فتاة أخرى سافرة الوجه مثلا، أو غير محجبة من الأصل، بغرض تغليف القضية بصبغة إسلامية خالصة اتساقا مع أجواء الحرب على الإرهاب (أو الإسلام)، وتشويه صورة المحجبات والمنتقبات عامة، الجاري تشويهها بالفعل منذ أكثر من عامين، ولنا في قصة جهاد النكاح المفبركة في اعتصامات رابعة والنهضة المثل المقزز، التي اقتبسها إعلام 3 يوليو من نظيره السوري، بهدف النيل من كل ما له رمزية دينية إسلامية.
في مصر وبلداننا العربية وكل الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، قد يُسمح بسب الدين، والأنبياء، وازدراء الأديان والمقدسات الدينية، بل وسب الذات الإلهية، والدعوة إلى الإلحاد في وسائل الإعلام، لكنه من المُحرمات أن تتعرض للحاكم بأمره بالنقد أو حتى التلميح بالمعارضة، بحجة الإساءة لرموز الدولة، والويل والثبور وعظائم الأمور من يخالف كتالوج السمع والطاعة.