نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة سانت أندروز في أسكتلندا علي الأنصاري، حول الاتفاق
النووي الإيراني.
ويقول الكاتب في تقريره إن الإعلام قد ينشغل بمحاولات الحصول على موافقة الكونغرس بشأن الاتفاق، ولكن المؤسسة الإيرانية تبقى منتقدة له مهما كانت الرغبة الجماهيرية بالتغيير.
ويضيف الأنصاري أن معظم الجمهوريين في الكونغرس معارضين للاتفاق، بالرغم من محاولات إدارة
أوباما الحثيثة، التي بدأت هذا الأسبوع، لإقناع الكونغرس به. مستدركا بأنه بينما انصب اهتمام العالم على المصاعب التي يواجهها أوباما في الحصول على دعم أعضاء الكونغرس والانفعال الشعبي في إيران عندما تم التوقيع على الاتفاقية، فإنه لا يمكن تغطية حقيقة أن رد الفعل الرسمي في إيران كان مختلطا.
ويشير التقرير إلى أن إدارة روحاني ومؤيديه يروجون لفكرة مفادها أن الاتفاق النووي سيغير وجه إيران إلى دولة ثرية ذات سياسة معتدلة، مبينا أنه عندما نعكس الواقع السياسي، فإن هناك خللا في هذا التسويق لسبب بسيط، وهو أنه يختزل عملية معقدة للتغيير في لحظة تغيير واحدة، والأهم من ذلك فإنه يفشل في الأخد بعين الاعتبار شكل السياسية الحالية في إيران.
وتوضح الصحيفة أنه الشكل الذي نحته أحمدي نجاد على مدى سنوات، ولا تشكل فيه الرئاسة البراغماتية لخليفته روحاني إلا جزيرة في محيط من المؤسسات المتشددة.
ويبين الكاتب أن روحاني لم يفعل شيئا خلال حكمه الممتد على مدار سنتين ليغير هذا الحال؛ وذلك لأن استراتيجيته استندت بشكل كبير على النجاح في حل القضية النووية، على أمل أن الدعم الشعبي والحاجة الاقتصادية لن يخدما في تمرير الاتفاق فقط، بل سيولدان رصيدا سياسيا كافيا للقيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن روحاني يقف على أرض قوية في موضوع الدعم الشعبي ما دامت هناك مناداة شعبية بالتغيير، مشيرا إلى أنه لم يحصل أن فرضت إرادة الشعب تأثيرها على سياسة الجمهورية الإسلامية منذ وقت طويل.
وتذكر الصحيفة أن الزعيم الروحي آية الله خامنئي قرر أن يضع النقاط على الحروف، فقال عن الاتفاق: "كان هذا باختصار سعيا لاتفاقية ضبط لعملية التسلح، ولم تزد على ذلك أو تنقص عنه، وبالتأكيد لم تكن لحظة تحول في سياسة الجمهورية الإسلامية، وستبقى الثورة تعارض الاستكبار العالمي للولايات المتحدة، وتدعم حلفاءها في المنطقة، وبينهم شعبا اليمن والبحرين المظلومان". وشدد على أنه يجب أن يتم تفحص "النص" (ورفض تسميته اتفاقا) بدقة عبر القنوات القانونية الصحيحة، حيث قد يعتمد وقد لا يعتمد.
ويلفت الأنصاري إلى أن هذا التصريح الأخير أدهش بعض الناس، فلم يكن واضحا من سيقوم بعملية الاعتماد. مؤكدا أنه ليست هناك حاجة لأكثر من موافقة الزعيم.
ويعلق الكاتب قائلا: "بالتأكيد يمتلك الزعيم الروحي الكلمة الأخيرة، ولكن كي يصل إلى تلك الكلمة هناك الكثير غيره يمنحون الفرصة للإدلاء بدلوهم، بما في ذلك البرلمان ومجلس صيانة الدستور والحرس الثوري، وهم لا يخفون عدم رضاهم، حيث يقولون إن الزعيم الروحي لم يكن على علم بالتفاصيل".
ويرى الأنصاري أنه من اللافت للنظر المدى الذي يحاول فيه النظام السياسي في إيران تقليد النظام السياسي في أمريكا، مشيرا إلى أن الكونغرس الأمريكي منح 60 يوما لمراجعة الاتفاقية، في حين منح البرلمان الإيراني نفسه 80 يوما لفعل ذلك.
ويفيد التقرير بأن الانتقادات الموجهة للاتفاقية في الجانبين متشابهة، ويقوم الدبلوماسيون في الجانبين بالدفاع عنها.
ويجد الكاتب أنه لو ترك الأمر للدبلوماسيين لتمت الموافقة على الصفقة، ويستدرك قائلا إن "العلاقات بين إيران وأمريكا بعيدة جدا عن الطبيعي، حيث الخصومة الفكرية مغروسة في الخصومة السياسية، وربما في الثقافية، كما أن الارتياب غريزي بين النخبة السياسية. وعندما اقترحت على أحد الإيرانيين أن التقليل من هتاف (الموت لأمريكا) قد يساعد، رد علي قائلا إن (الموت لأمريكا) جزء من ثقافتنا".
وتورد الصحيفة أن الولايات المتحدة تعد في إيران قضية سياسية محلية، كما تعد إيران قضية سياسية محلية في أمريكا، وبناء على ذلك يستنتج الأنصاري أن "السياسة مهمة، وما نحتاج مراقبته ليس فقط الدينامكية السياسية المحلية، ولكن أيضا تفاعلات اللاعبين الأساسيين. وقد يراوغ الدبلوماسيون للحصول على اتفاق، أما السياسيون فيميلون إلى التبجح لتحقيق ذلك، وفي هذه الحالة قد يؤدي التفاخر المتبادل بالسياسيين من كلا الجانبين إلى فقدان الثقة".
ويعتقد الأنصاري أن أوباما أساء التقدير عندما صرح لصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي قائلا: "يمكننا توجيه ضربة (لإيران) لو أردنا ذلك، وقد رأوا استعدادي للقيام بعمل عسكري عندما اعتبرت أن ذلك مهم لمصالح الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنه لم يكن غريبا أن يتسبب هذا التصريح بردود فعل قوية من إيران.
ويرجح التقرير أن يثير تكرار التنبؤات بأن الاتفاقية ستؤدي إلى نقلة في السياسة الإيرانية ردود فعل سلبية من أولئك الذين يتوقعون الخسارة.
ويؤكد الكاتب أن ما تم لم يكن هو المحاولة الأولى للتصالح بين إيران وأمريكا منذ عام 1979، ولا هو المرة الأولى التي يرتفع فيها صوت الاعتدال "إذا ما تذكرنا الرئيس المصلح محمد خاتمي من عام 1997 إلى 2005، الذي يحظر على الإعلام الإيراني ذكره". مستدركا بأنه علينا ألا نكرر أخطاء الماضي بالقراءة الخاطئة، أو حتى تجاهل الواقع السياسي والقوى المتفاعلة وتقلبات السياسة، التي قد تعرقلنا إن تحركنا في عجلة كبيرة.
ويختم الأنصاري تقريره بالدعوة إلى التعامل مع التوقعات وإدارتها بتعقل، ويقول: "إن لدينا فرصة، وعلينا أن نبذل جهدنا في عدم إضاعتها".