أكثر من ألف
طفل فلسطيني، ينتشرون يوميا في غرف وزوايا مركز "القطان"، بمدينة
غزة، يمارسون أنشطة تعليمية وترفيهية وفنية.
داخل المركز الذي تكتسي جدرانه بألوان زاهية وردية، يحظى
الأطفال بنشاطات مميزة، من النادر وجودها في أي مكان آخر، بقطاع غزة، كما تقول لانا مطر، مديرة العلاقات العامة في المركز.
وتضيف مطر: "في الأيام العادية يرتاد المركز نحو 500 طفل، ولكن في الإجازة الصيفية يشارك نحو أكثر من ألف يوميا، في نشاطات المركز، التي تشمل القراءة والمطالعة، ومختبر العلوم، والمسرح، والحاسوب، والموسيقى، والفلكلور الفلسطيني، وغيرها العديد من الأنشطة التي تمزج المرح مع التعليم".
ومركز "القطان" للطفل، هو أحد برامج مؤسسة "عبد المحسن القطان"، وهي مؤسسة تنموية مستقلة
غير ربحية، تعمل على تطوير الثقافة والتربية في فلسطين، بالتركيز على الأطفال (بأعمار من عام إلى 16 عاما).
وقد أنشأت المؤسسة عام 1993، وباشرت العمل في فلسطين سنة 1998، وتهدف إلى خلق مجتمع معرفي، بحسب موقعها على الإنترنت.
وبعد العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، صيف العام الماضي، فقد زاد إقبال الأطفال على المركز، بحثا عن التفريغ النفسي، والراحة، بحسب القائمين عليها.
وفي هذا الصدد، تتابع مطر قائلة: "نستقبل الأطفال من دون السادسة مع آبائهم، بهدف تعزيز علاقة الوالدين بأبنائهم، إضافة إلى خلق جو أسري، يوفر لهم الدعم النفسي، والمهارات الحياتية، ونسيان ما أصابهم من خوف وضغوط في العدوان الإسرائيلي الأخير".
وقضى أطفال غزة، أيام إجازتهم الصيفية، العام الماضي، تحت القصف الإسرائيلي ونيران الغارات، التي قتلت 578 طفلا، وأصابت ثلاثة آلاف آخرين، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، فيما قالت وزارة الشؤون الاجتماعية، إن الحرب خلّفت نحو ألفي يتيم.
وفي مختبر العلوم بمركز "القطان"، تشارك الطفلة عبير مرتجى (11 عاما)، خمسة من أصدقائها في إحدى التجارب العلمية.
وتقول مرتجى، للأناضول، إنها تشعر بالسعادة، وهي تتعلم كيفية استخدام الأدوات العلمية، مضيفة أن "المكان هنا جميل جدا، نتعلم ونقضي أوقاتا ممتعة، أنا أحب العلوم والرسم والقراءة".
وترى الطفلة في أنشطة المركز هروبا من الحصار، وآثار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وتستدرك بصوت مرتفع : "بدنا (نريد) نعيش، نقرأ، ونرسم، ونغني".
ينادي أصدقاء مرتجى عليها لإكمال التجربة العلمية، فيما يعلو صوت مجموعة من الأطفال في الغرفة المجاورة لمختبر العلوم، وهم يجيبون بحماس على أسئلة مسابقات ثقافية وعلمية.
يجيب أحدهم: "إنها سنغافورة، هي أكثر المدن نظافة في العالم، وهي الأغلى".
وتقول سمية الشرفا (38 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال يشاركون في أنشطة المركز، إنها تشعر بسعادة بالغة عندما ترى اندماج أبنائها مع أقرانهم في هذا المكان.
وتشير الشرفا إلى أن "أطفال غزة عانوا كثيرا من آثار الحرب، وتأثر سلوكهم بشكل واضح، وباتوا أكثر عنفا"، لافتة إلى أنهم "في "القطان" يرسمون ويتعلمون العزف، ويطالعون القصص، ويشعرون بأنهم في مكان آخر، بعيدا عن الخوف والقلق الدائم".
ويتنافس لؤي اسليم (11 عاما) مع أصدقائه، في قراءة أكبر عدد من القصص والحكايات المصورة، مشيرا إلى أن القراءة داخل المركز، أكسبته مهارة التعبير في اللغة العربية.
ويمضي قائلا: "أصبحت أعرف الكثير من الكلمات الصعبة، وأستطيع أن أكتب الآن قصة قصيرة (...)، سأكتب عن أحلام أطفال غزة، وأنهم يريدون العيش بسلام".
وأظهر تقرير نشرته منظمة أنقذوا الأطفال Save the Children (بريطانية غير حكومية)، الشهر الماضي، حيث صادفت الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية الأخيرة، بعنوان "كابوس حي: غزة بعد سنة من الحرب"، أن 89% من الآباء أفادوا بأن لدى أطفالهم متاعب من مشاعر الخوف المستمر، وأن 70% من الأطفال يخشون حربا أخرى، وأن سبعة من عشرة أطفال ممن تمت مقابلتهم يعانون كوابيس بشكل منتظم.
وقالت المنظمة إن "الشعور العميق بالموت واليأس في غزة، يتضاعف، والتوقعات أكثر قتامة مما كانت عليه في أي وقت آخر".
وعلى إيقاع أغنية "نسم علينا الهوى" للمطربة اللبنانية فيروز، بدأت مجموعة من الأطفال في ترديد الأغنية "يا هوا دخل الهوا خدني على بلادي".
وفي زاوية أخرى من المكان، ثلاثة إخوة يرسمون وجوها لأشخاص ضاحكة، وسفنا تبحر في مياه البحر الزرقاء.