نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا حول
التعذيب التي تفاقم في مراكز
الشرطة المصرية منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، عرضت فيه شهادات حول انتهاكات الشرطة وحجم السخط الشعبي بسبب عدم خضوع أعوان الأمن المتورطين في التعذيب لأي محاسبة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن سكان حي المطرية في القاهرة؛ أطلقوا على مركز الشرطة اسم "
المسلخ"، فقد اشتهر مركز الشرطة في هذا الحي الشعبي بشمال القاهرة، بأنه مكان لممارسة العنف والتعذيب، "حيث يمر المعارضون السياسيون، والمجرمون وتجار المخدرات؛ بأسوأ ساعاتهم في هذا المركز"، مشيرة إلى أن هذه الممارسات دارجة منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو ما يفسر أنه "عندما اندلعت الثورة المصرية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011 تعرض هذا المركز لأول هجوم في البلاد من قبل شبان مسلحين قاموا بحرقه".
وأضافت أن الحي يعيش على إيقاع المظاهرات والعنف الذي تمارسه الشرطة، الذي تسبب في سقوط أكثر من 500 شهيد وخمسة آلاف جريح، وفقا لنشطاء
حقوقيين محليين، "ويُعد حي المطرية معقلا لتيار الإخوان المسلمين، وقد تعرض لقمع شديد من قبل نظام عبدالفتاح
السيسي منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي".
وقالت إن صور الشهداء منتشرة في جدران أزقة الحي، الذي يعيش فيه ثلاثة ملايين مصري، وكل واحد منهم لديه قريب أو جار من بين ضحايا العنف البوليسي فيما بعد الثورة، مشيرة إلى أنه "بعد الاشتباكات التي خلفت 12 قتيلا في الذكرى الرابعة للثورة يوم 25 كانون الثاني/ يناير؛ دعت وزارة الداخلية قواتها إلى ضبط النفس، إلا أن الاعتقالات لا تزال قائمة، ويقوم بها رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية عند مداهمتهم للمنازل".
وذكرت الصحيفة أن التعذيب داخل مركز الشرطة "أصبح أمرا شائعا"، ونقلت عن عبدالرحمن جاد، الباحث في المرصد المصري لحقوق الإنسان والحريات، قوله إن رجال الشرطة "يقومون بالتعذيب للحصول على اعترافات، أو لإذلال الناس، وهم يستخدمون السجائر والكهرباء، وقلع الأظافر، كما أنهم يهددون بالاغتصاب، أو يغتصبون".
وأشارت الصحيفة إلى حادثة وفاة المحامي كريم حمدي (26 عاما) في 24 شباط/ فبراير، بعد يومين من احتجازه في قسم شرطة المطرية، لافتة إلى أن تقرير تقرير التشريح كشف تعرضه للتعذيب، "فإلى جانب الكدمات والكسور في مستوى الأضلع؛ تبين وجود إصابات في اللسان والأعضاء التناسلية".
ووفقا لمحامي الأسرة، منتصر الزيات؛ فقد "ألقي القبض عليه في قسم الشرطة عندما قدم لتحرير شكوى باسم موكله، ليوضع رهن الاحتجاز بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة، مع اتهامه بتمويل الاحتجاجات".
وبحسب الصحيفة؛ فقد كانت شدة التعذيب التي تعرض لها كريم حمدي، وحالة الاحتقان في صفوف زملائه؛ وراء خلق ضجة كبيرة إثر هذه القضية، ما نتج عنه إحالة ضابطي شرطة من المشتبه في تورطهم في وفاته إلى القضاء، "ويعد هذا الإجراء نادرا، في الوقت الذي تم فيه الإبلاغ عن 80 إلى 98 حالة موت تحت التعذيب من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان، في الفترة ما بين تموز/ يونيو 2013 وكانون الأول/ ديسمبر 2014".
وأشارت الصحيفة أيضا إلى حادثة وفاة إمام العفيفي، في 22 نيسان/ أبريل الماضي، وهو محام يبلغ من العمر 63 عاما، لفظ أنفاسه في مستشفى المطرية بعد نزيف في الجمجمة ناجم عن تعرضه للضرب، مضيفة أنه اعتقل في 10 نيسان/ أبريل، خلال مظاهرة أقيمت في المنطقة، فيما تقول الشرطة إنه تعرض للضرب من قبل "مواطنين شرفاء"، أي "البلطجية".
وذكرت الصحيفة أن أسرة إمام العفيفي وعدد من المحتجين؛ يُرجعون موته إلى التعذيب الذي تعرض له من رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية، متسائلين عما حدث خلال الثلاث ساعات من الاستجواب، التي قضاها العفيفي في قسم الشرطة.
وبحسب الصحيفة؛ فقد قال ابنه أحمد، الذي اتهم المدعي العام بأنه منع نقل أبيه إلى مستشفى آخر: "لقد اتصل بي والدي في الساعة الواحدة ظهرا ليقول لي بأنه اعتقل للتو. وكان في صحة جيدة. وعندما رأيته عند المساء في المستشفى؛ كان غائبا عن الوعي، وكانت على وجهه علامات الضرب، مع حروق في اليدين".
واعتبرت "لوموند" أن "هذه القائمة الطويلة من انتهاكات الشرطة؛ قد عززت الشعور بالتضامن بين سكان المطرية، وأشعلت الرغبة في الانتقام عند بعضهم"، ناقلة عن الباحث الحقوقي عبدالرحمن جاد قوله إنه "على الرغم من القمع والانقسامات السياسية التي أضعفت حركة الاحتجاج؛ فقد انضم أقارب الضحايا إلى المتظاهرين من مؤيدي مرسي للمطالبة بتحقيق العدالة، مع وجود شباب صغار متحفزين للاشتباك مع قوات الأمن".
وأضافت أن حلقة من الانتقام قد بدأت بالفعل، فقد
قتل بحي المطرية، في 21 نيسان/ أبريل، العقيد وائل طاحون، الرئيس السابق لقسم الشرطة، مع سائقه، على يد شخصين ملثمين، مشيرة إلى أن قائمة المشتبه بهم طويلة بسبب عدد أولئك الذين يكرهون الرجل في الحي، "فقد كان الرجل معروفا بإهانته وتعذيبه السجناء السياسيين"، كما يقول جاد.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "قد سبق لوائل طاحون أن نجا من الهجوم على قسم الشرطة في 28 كانون الثاني/ يناير 2011، وتمت بعد ذلك تبرئته من قبل القضاء؛ على الرغم من دوره في قتل الثوار".
وأضافت أن "كتيبة الإعدام" تبنت مقتل وائل طاحون، "وهذه الكتيبة هي مجموعة غامضة سبق لها وأن وعدت بحملة انتقام ضد ضباط الشرطة المتورطين في مقتل شهداء ثورة 25 يناير".
وختمت "لوموند" بالقول: "وهكذا أصبح لا يمر يوم في مصر إلا ويتعرض فيه رجال الشرطة للهجوم، كان أبرزها في يوم 29 حزيران/ يونيو، الذي استهدف النائب العام هشام بركات في القاهرة".