قال المدون والمحلل السياسي
كوريت ديبوف إن "القاهرة في ظل حكم زعيم الانقلاب عبد الفتاح
السيسي أشبه بغرفة الغاز التي لا يعرف متى ستنفجر"، مشيرا إلى أن الاستقرار في زمن السيسي عبارة عن وهم كبير.
وفي مقالة مفصلة لديبوف المقيم في القاهرة، نشرتها مجلة بوليتيكو بعنوان "تصدعات في عرش الفرعون الجديد"، تحدث ديبوف عن الظروف الأمنية والاجتماعية في ظل حكم السيسي.
وبدأ ديبوف مقاله عن لقاء أجراه مع ناشطين من حركة 6 أبريل، هما أمل (40 عاما)، وأيمن (35 عاما)، في بار تحت الأرض في منطقة المعادي، قائلا إن أمل كانت متوترة جدا، لأنها لا تعلم إن كانت ستستطيع السفر للعمل خارجا في اليوم التالي للقائهم.
وقال ديبوف، الذي عمل مستشارا لرئيس الوزراء البلجيكي، إن حركة 6 أبريل، كانت تعدّ حركة بطولية لمساهمتها بخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى أن أسماء محفوظ، عضو الحركة، حصلت على جائزة شاخروف من البرلمان الأوروبي لحرية الفكر.
وبعد أربع سنوات، بحسب ما قال ديبوف، فقد حكم رئيس الحركة الممنوعة حاليا أحمد ماهر بالسجن ست سنوات؛ لإهانته قانون منع المظاهرات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ليصبح واحدا من العديد من النشطاء المدنيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب على الرئيس
المصري محمد مرسي، تحت ذرائع العمالة للإخلال باستقرار مصر، لتصبح ثورة 2011 بنظر الكثير من المصريين "مؤامرة غربية".
وكانت حركة الإخوان المسلمين هي المستهدف الأكبر من القمع الذي تبع الانقلاب، عبر إعلانها حركة إرهابية في كانون الأول/ ديسمبر 2013، ما جعل الانضمام لها موازيا للانضمام لحركة إرهابية، وهو سبب كاف للاعتقال والسجن؛ إذ أحصت "هيومن رايتس ووتش"، منذ تموز/ يوليو وحتى أيار/ مايو عشرات آلاف الاعتقال، ومقتل المئات، في الموجة الأولى للعنف في مصر.
الموجة الثانية
الموجة الثانية من القمع، التي يواجهها أمل وأيمن، بحسب المحلل السياسي ديبوف، هي الاختفاء القسري للنشطاء، وخطفهم من بيوتهم وجامعاتهم، الذي يتم بصورة غير مسبوقة في مصر؛ إذ أحصت حركة "الحرية للشجعان" 163 حالة اختفاء على يد قوات الأمن منذ نيسان/ أبريل 2015،.
وأوضح ديبوف، صاحب كتاب "داخل الثورة العربية.. ثلاث سنوات على الجبهة الأمامية للربيع العربي"، أن أسباب هذا الاختفاء من قبل النظام المصري غير مبررة، إذ إن الدولة تبدو في "حالة فزع"، بالرغم من أن السيسي انتخب بنسبة 96.1 بالمئة، وتم اعتماد الدستور الجديد بنسبة 98.1 بالمئة، ويجري مشروعاه الكبيران على ما يرام: قناة السويس الجديدة ستتم بموعدها، كما أن القمة الاقتصادية شهدت عقود استثمار بقيمة إجمالية 36 مليار دولار.
دوليا، حصل السيسي على دعم الخليج وأمريكا وأوروبا وروسيا؛ إذ يدعم المجتمع الدولي السيسي تحت أجندة "مكافحة الإرهاب"، خشية من انهيار الدولة وغياب الاستقرار، كما حصل في سوريا واليمن والعراق وليبيا، وهو ما يتفق عليه عدد كبير من المصريين كذلك، بحسب ديبلوف.
غضب متزايد
وقال ديبوف إن مصر تشهد غضبا متزايدا، كان أحد مظاهره على سبيل المثال، مقالة نشرتها صحيفة الوطن، المقربة من الانقلاب، في شهر أبريل، تحدثت بها عن "القوى السبع الأقوى من السيسي"، وهي: الفساد، الرجال الأقوياء، رجال الأعمال، وزارة الداخلية، الإعلام، الاقتصاد غير الرسمي، والإعلام الاجتماعي، قبل أن تسحب من السوق.
ونقل ديبوف عن سلطان، أحد المتعاقدين ضمن مؤسسة دولية أنه "يدفع ضعف الضرائب الآن دون أن يحصل على شيء"، فيما قرر ألفريد ترك البلاد بسبب ارتفاع التضخم، إذ إنه لم يستطع دفع المزيد من الفواتير، في حين ارتفعت أسعار الأغذية بما يقارب 30 بالمئة.
وقال ديبوف إن ألفريد ليس وحده؛ إذ يسعى ربع الشباب في مصر بأعمار ما بين 15 إلى 29، الذين يشكلون ثلث المصريين، لمغادرة البلاد بسبب التكلفة العالية أو البطالة، فيما يسعى الكثيرون للهجرة، فيما ينتشر الغضب على كل الأصعدة في مصر.
الوعود الأربعة
ومنذ استلام السيسي للسلطة بعد الانقلاب، قال ديبوف إن السيسي وعد بأربعة أمور: الإصلاحات الاقتصادية، والإصلاح الديني، والانتخابات الديمقراطية، والانتصار بالحرب على الإرهاب.
أما الوعد الأول، فإن السيسي يحققه إلى حد ما، عبر قوانين ضرائب واستثمارات جديدة، وجذبه مليارات الدولارات للاستثمار، وتفاؤل الشركات بحذر حول المستقبل الاقتصادي للبلاد، مع وجود بعض التراجعات، مثل الفكرة المجنونة للعاصمة الجديدة، وضرب قطاع السياحة، أكبر مصادر دخل مصر.
الوعد الثاني بالإصلاح السياسي، بحسب ديبوف، كان خطأ سياسيا، فبخطوة مضادة للإخوان المسلمين، طلب السيسي من الأزهر إعادة التفكير بالدين، وهو ما أدى لمناظرة تلفزيونية بين شيخين من الأزهر مع إسلام البحيري لمناقشة القرآن ودور الدين في المجتمع، ما أدى به لحكم خمس سنوات بتهمة إهانة الدين، وانتقادات إعلامية للسيسي، كان أبرزها من الإعلامي المؤيد للانقلاب إبراهيم عيسى.
الوعد بالانتخابات البرلمانية، الذي كان ضمن خطة الطريق التي أعلنها السيسي عند الانقلاب، لا يبدو أنها ستتم بعد عامين من استلامه للسلطة، لعجزه عن جمع الأحزاب الرئيسية في ائتلاف كبير، ولا يبدو أن ذلك يثير غضب المصريين، بقدر ما يزعج اللاعبين الكبار الذين يديرون الانتخابات عبر رجال الأعمال الذين يدفعون لإجرائها، في حين يريد الموالون للنظام القديم مقاعدهم في البرلمان.
هذه النخبة الاقتصادية التي تشكل جزءا كبيرا من "الدولة العميقة"، بحسب ديبوف، والتي تمتد من وزارة الداخلية حتى فنادق البحر الأحمر الفارهة، ليست غاضبة من تأخير الانتخابات وحسب، لكنها اكتشفت أن نصيبها من الكعكة أصغر من المتوقع؛ إذ يذهب الكثير من العقود الاقتصادية نحو القطاع العسكري، بالرغم من دعم هذه النخبة للسيسي وحملته الانتخابية دون مقابل، ما يخيف ببدء معركة بين الجيش و"الدولة العميقة"، وما يجعل السيسي في محل قلق.
أما وعد السيسي الأخير بمحاربة الإرهاب، فهو الأكثر ألما له، بسبب بعده عن تحقيق نصر في ذلك؛ إذ أورد المجلس الوطني المصري لحقوق الإنسان أن 1800 مدني و700 عنصر أمن قتلوا بين حزيران/ يونيو 2013 وكانون الأول/ ديسمبر 2014، بينما تصل معدلات إشغال الزنازين في أقسام الشرطة إلى 400 بالمئة.
ومع ذلك، فإن الأعمال الإرهابية لم تنخفض؛ إذ شهدت الشهور الثلاثة الأولى من عام 2015 أعمالا إرهابية بقدر عام 2014 كاملا، كان أبرزها تفجير في الأقصر، ومقتل النائب العام بسيارة مفخخة، وفشل السيسي بالسيطرة على سيناء التي تسيطر عليها "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم الدولة، بالرغم من العملية العسكرية الواسعة هناك.
مزيد من العنف
وفي احتمال متزايد للعنف، فإن شباب الإخوان المسلمين أكثر تعبا ويأسا من قيادتهم بالتزام السلمية، في حين اعتقل الكثير منهم وحكموا بالمؤبد، ويعيشون في خوف على حياتهم في مصر، ما دفع قسما منهم للانضمام للصراع في سوريا، والآخرين لتنظيم الدولة، بينما ينتظر البعض تغيير الاستراتيجية، معلقين آمالهم على ملك السعودية الجديد سلمان، المقتنع، بعكس سابقه، بعدم إمكانية الانتصار على ما يقارب مليوني عنصر من الإخوان المسلمين بالعنف والقمع.
ويرى الملك سلمان أن إيران، لا الإخوان المسلمين، هي الخطر الوجودي الأكبر عليه، ويسعى لبناء تحالف سني كبير. وبالرغم من أن الدعم الخليجي هو الذي أنقذ مصر من الانهيار منذ عام 2013، فلأي مدى ستصبر السعودية على معارك السيسي الأيديولوجية؟
ويختتم ديبوف مقالته بالقول إن السيسي محق بكونه متوترا، فهو يعلم أن الاستقرار هش جدا، ما يدفعه لمزيد من القمع، ويدفع الغرب للتغاضي عن ذلك بحجة حرب الإرهاب، في بلد أشبه بغرفة مليئة بالغاز، لا نعلم متى سينتهي بها الهواء، لتنفجر عند أول شرارة مجددا.