أوردت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية تقريرا كشفت فيه عن معلومات وحقائق تتعلق بالسجناء السياسين في السجون
المصرية والمعاناة التي يعيشون فيها، والتي غالبا ما تودي بحياتهم ببطء.
وعنونت الصحيفة تقريرها بعنوان "
السجناء السياسيون في مصر يواجهون خطر القتل البطئ" حيث سلطت الضوء على حادثة وفاة رئيس مجلس شور الجماعة الإسلامية بمصر عصام دربالة الذي توفي الإثنين عقب مضاعفات مرضية ناتجة عن
الإهمال الطبي في
سجن العقرب سيئ الذكر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجماعة الإسلامية في مصر، التي تخلت عن ماضيها العنيف قبل عشر سنوات، وانخرطت في أول انتخابات ديمقراطية في مصر في أعقاب ثورة 2011، استأجرت حافلات وسيارات لنقل مشيعي دربالة إلى قريته، حيث تلوم الجماعة الإسلامية السلطات المصرية على وفاة دربالة، متهمة إياها بمنع زعيمهم عمدا من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة له؛ مما أدى إلى وفاته.
وكان محامي دربالة، عادل معوض، طلب السبت أن يتم تزويد موكله بأدوية لعلاج مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ولكن المحكمة رفضت الطلب، ويقول معوض بأن دربالة، المعتقل منذ ثلاثة أشهر، توفي نتيجة لحرمانه من الوصول إلى الدواء، وفق ما نقلته وكالة المصريون للأنباء.
وبالمقابل، نفت وزارة الداخلية المصرية هذه الادعاءات قائلة "إن دربالة شهد نوبة يوم السبت، قبل يوم من وفاته، وبعد فحصه، تبين أنه يعاني من حمى، وانخفاض بضغط الدم وارتفاع بنسبة السكر في الدم، وعلى الفور تم توفير الإسعافات الأولية له".
ويشير طارق أبو زيد، مسؤول في النيابة العامة المصرية في منطقة جنوب القاهرة، بأنه بعد فحص جثة دربالة في وقت متأخر من يوم الأحد، تبين بأنه توفي بشكل طبيعي ولا يوجد أي آثار للتعذيب على جسمه.
وجدير بالذكر، بأن دربالة اعتقل في أيار/ مايو من العام الجاري إبان مذكرة توقيف أصدرتها بحقه نيابة أمن الدولة، وهي فرع من دوائر النيابة العامة المصرية تختص بقضايا الأمن القومي.
وكان دربالة قد دعا قيد حياته جنبا إلى جنب مع جماعته وشخصيات معارضة أخرى، لحملة إعادة الشرعية من خلال المطالبة بإعادة الرئيس الشرعي السابق محمد مرسي، الذي أُطيح به إثر انقلاب عسكري في تموز/يوليو 2013 بقيادة الانقلابي عبد الفتاح السيسي، أعقبه حملة قمع عنيفة ضد المجموعات المعارضة لانقلابه.
سجناء يموتون ببطء
انضافت حالة وفاة عصام دربالة إلى قائمة العشرات من الضحايا الذين قضوا نحبهم داخل الزنازن المصرية، وفي هذا الصدد يقول مراقبون بأنه مع وفاة دربالة يرتفع عدد الوفيات بين السجناء السياسيين في المعتقلات المصرية إلى خمسة منذ بداية آب/أغسطس الجاري، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن أربعة سجناء سياسيين لقو حتفهم في المعتقل منذ بداية شهر آب/ أغسطس، بما في ذلك أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، عزت السالموني، أحمد غزلان، مرجان سالم الجوهري، ومحمود حنفي.
وجاء في بيان التحالف الوطني لدعم الشرعية، وهي جماعة معارضة تشكلت إبان الإطاحة بالرئيس المنتخب مرسي، تم نشره الأحد الماضي "إن موت دربالة هو جزء من حملة منهجية أوسع تمارسها السلطات المصرية تهدف إلى قتل المعتقلين السياسيين بشكل بطئ".
من جهة أخرى كشف تقرير تداولته عدة منابر إعلامية، أنه منذ تموز/ يوليو 2013، توفي في المعتقلات المصرية 264 سجينا سياسيا مصريا، بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد من قبل سلطات الانقلاب.
ووفقا للوثائق التي نشرتها صحيفة "ميدل إيست آي"، فإن أقارب المسجونين يحذرون من أن السجناء السياسيين في سجن العقرب ذي الحراسة الأمنية المشددة والواقع ضمن مجمع سجون طرة، يعانون من ظروف مختلفة جذريا عن أي سجن آخر تديره وزارة الداخلية المصرية.
وكانت عائلات السجناء السياسيين في مصر قد تقدمت في وقت سابق بشكاية إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة المصرية في 6 تموز/ يوليو، حيث اشكتت عائلات المعتقلين من المداهمات والتفتيشات التي تمت في آذار/مارس 2015، والتي تم على إثرها تجريد السجناء من ممتلكاتهم، وبسط صلاتهم، والوثائق المتعلقة بقضاياهم.
وكشفت مضامين الشكاية عن أن سلطات السجن لا تسمح بإدخال الأدوية إلى المعتقلين إلا بعد تفتيشها من قِبل موظفي السجن، مما يؤدي غالبا إلى اختلاط الأدوية، ويتم تسليمها أحيانا ضمن أكياس بلاستيكية.
وفي الآونة الأخيرة أدى الإهمال الطبي أيضا إلى وفاة معتقلين كانا مصابين بأمراض مزمنة وخطيرة، هما فريد إسماعيل، النائب السابق التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والذي توفي في أيار/ مايو 2015 في مستشفى السجن، ونبيل المغربي الذي توفي في ظروف مماثلة في حزيران/يونيو.
من جهتها، ناشدت نقابة الأطباء المصرية كلا من النائب العام ووزير الداخلية لتوفير الخدمة العلاجية للمرضى بسجن طرة، كما طالبت بتسهيل إجراءات زيارة وفد طبي من النقابة للسجن لتفقد الأحوال الصحية للمسجونين.
مقبرة للأحياء
في الوقت الذي وثقت فيه عدة تقارير التعذيب الشديد الجاري في السجون المصرية، تشير بعض التقارير مؤخرا إلى ارتفاع الانتهاكات التي يواجهها السجناء السياسيون في المعتقلات المصرية.
وفي هذا السياق، كشف تقرير أعدته "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، عن انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في السجون السياسية، والتي تشمل مجموعة متنوعة من الانتهاكات التي تتراوح من التعذيب الجسدي والنفسي إلى الحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والتهوية والأدوية المنقذة للحياة.
وركز التقرير على الوضع القائم في سجن العقرب ومجمع سجن وادي النطرون، حيث أورد أنه "تم منع السجناء من الحصول على الدواء لعدة أشهر، وأغلبهم مصاب بأمراض مزمنة ومطلوب لبعضهم عمليات جراحية عاجلة".
ووفقا للتقرير، فإن وصول السجناء السياسيين للغذاء والماء محدود للغاية، كما تفتقر الزنزانات للتهوية وللكهرباء، وتم منع تحويل الأموال للأمانات، وغلق الكافتيريا.
وكشف بعض السجناء أن إدارة السجن كانت ترفض إعطاء المسجونين إلا وجبة طعام واحدة فقط يوميا، كما تم منع الوجبات لمدة ثلاثة أيام إبان اغتيال النائب العام؛ مما أدى إلى تدهور صحة المعتقلين بشكل كبير وخاصة المرضى منهم، بالإضافة إلى منع وضع أي ملح أو سكر بالطعام، وأوضح التقرير بأنه في العديد من الأحيان يكون الطعام المقدم غير صالح للاستهلاك.
ويتابع التقرير "السجناء لا يحصلون على مياه جارية أو أي منتج من منتجات التنظيف، ومع عدم وجود أضواء في زنزاناتهم الواقعة تحت الأرض أو أي وسيلة لتتبع الليل والنهار، لا يوجد لدى المعتقلين وسيلة لمعرفة الوقت".
عودة ظهور إسراء
في رسالة كتبتها إسراء الطويل من زنزانتها، وتم نشرها في العديد من الصحف المصرية في 5 آب/ أغسطس الجاري، توضح المصورة الفوتوغرافية الحرة البالغة من العمر 23 عاما، انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضت لها في منشأة أخرى تسمى سجن القناطر.
وكانت إسراء قد تعرضت لاختفاء قسري اختفت لعدة أسابيع في 1 حزيران/ يونيو الماضي قرب وادي النيل، وتبين في وقت لاحق بأنها تقبع في سجن بالقاهرة بدون تهمة منذ ذلك الحين.
وتصف الطويل السجن في رسالتها بأنه "مقبرة للأحياء"، وتقول بأنه تم حرمانها من الوصول إلى المعالجة الفيزيائية الضرورية لمساعدتها على المشي مرة أخرى، وهذه المعالجة هي نوع من إعادة التأهيل التي تتلقاها إسراء بعد تعرضها لطلق ناري في ظهرها العام الماضي.
وشكت الطويل في رسالتها أيضا من نقص المياه، حيث قالت "لا يسمح لنا بإدخال المياه المعبأة في زجاجات، والماء الموجود في السجن لا يصلح للشرب، وتفوح منه رائحة الصرف الصحي، ويسبب التهابات في الجسم".
وكان نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، جو ستورك، قد وصف في وقت سابق الظروف التي يواجهها السجناء بـ "اللاإنسانية"، حيث أشار إلى أن "السيسي وحاشيته يطبقون نظاما قمعيا للغاية، فمع عودة ظهور الاعتقالات التعسفية، التعذيب أثناء الاعتقال، تجاهل الحقوق المدنية والسياسية، وانعدام تسامح النظام مع النقد العلني" مبرزا أن "هذا النظام يقوم بتشويه سمعة مصر كما لا يفعل أي شخص آخر".