بعد عجزه عن تأمين مبلغ مالي كبير لإرضاء المهربين، وبعد حياة الشتات التي كان يعيشها بين ثلاثة بلدان عربية، تمكن الشاب هشام معضماني، ابن مدينة داريا، من عبور البحر من تركيا إلى اليونان سباحة، ولمدة ست ساعات متواصلة كادت تودي بحياته.
يقول هشام معضماني، في حديث خاص لـ"
عربي21": في المطار بدأت حكايتي، فبعد أن خرجت من داريا في 2013 وسافرت بعدها إلى لبنان، ومنها إلى مصر، وتنقلت بين تركيا والأردن، قررت بشكل نهائي السفر إلى تركيا في 15 من شهر أيار/ مايو من العام الجاري".
وأضاف: "هناك التقيت بشاب اسمه فراس في قاعة المطار، وصرنا نتحدث عن السفر ونتعرف على بعضنا، وتبين فيما بعد أن كلانا ينوي السفر إلى
أوروبا، لكن الاختلاف كان في طريقة الوصول إليها".
ويضيف: "اقترح عليّ فراس أن نسبح من تركيا إلى اليونان، فوجدت في كلامه مسا من الجنون، لكن بعد حين أقنعت نفسي بأن التجربة بقدر ما تكون مجنونة بقدر ما تحمل المتعة والمغامرة. بالفعل، قررنا أن نذهب سباحة من تركيا إلى اليونان".
ويتحدث معضماني عن رحلته قائلا: "في صباح 17 من الشهر ذاته، وصلنا إلى أزمير.. إلى منطقة كانت الأقرب إلى السواحل اليونانية، وهي إحدى ضواحي أزمير. وتبين لنا أن هناك جزيرتان مهجورتان قد نتمكن من الإستراحة فيهما إذا أعيتنا السباحة، وهي تقع على طريقنا إلى جزيرة كيوس اليونانية".
ويتابع هشام معضماني: "فكرت كثيرا، لم أكن أملك إلا 1300 دولار، وهو مبلغ لا يكفي ليغطي تكاليف الرحلة البحرية من تركيا إلى اليونان في حال قررت الذهاب مع مهرب، ما يعني أني إذا وصلت إلى اليونان ستبدأ قصة نزوح أخرى".
وبسبب نقص المال، يقول هشام، "فكرت بالخطوة التي سأخطوها، تشجعت كثيرا، وبالفعل اشتريت مع فراس زعانف للسباحة، وسترة نجاة، ومياه شرب، وبعض الشوكولا لتقينا شر الجوع، كما اشتريت ليزر لأتمكن من رؤية البحر.
لكن "في ساعة الانطلاق وجدت أن الموضوع بدأ جديا أكثر، وقفت على صخرة كان من المفترض أن ننطلق منها، نظرت إلى البحر الممتد أمامي فلم أجد إلا الظلام، تقدمني فراس ونزل بالماء، وطلب مني النزول، ونبهني إلى أن المياه باردة جدا، هنا شعرت بالخوف، فهذا ما لم أكن قد وضعته بالحسبان".
ويضيف هشام: "رميت حقيبتي وكل ما معي لأتمكن من السباحة، رميت الدواء وحتى شهادات خبرتي، ونزلت إلى الماء، ما إن وضعت قدماي فيها حتى كاد يغمى علي من شدة برودتها، وطلبت من فراس أن يسبح وإن تأخرت عليه فليتابع طريقه، وأني سأجرب مسافة 50 مترا إن تمكنت من المتابعة سأتابع".
ويوضح "وجدت البحر كبيرا ومظلما، وتخيلت أنها آخر لحظات حياتي، وشعرت أني تهورت بقراري، لكني رغم ذلك بدأت أسبح وبدأ الخوف يتلاشى مع الأمواج، كنت أبتعد عن الشاطئ لكني لا أقترب من الجزيرة، كنت فقط في عرض البحر".
ويقول: "طوال هذه الفترة كنت أنتظر الوصول إلى الجزيرة الأولى، وعاهدت نفسي بأني سأنزل بها، المهم أن أبقى على قيد الحياة، وسأنتظر خفر السواحل التركية ليأخذني ويعيدني من حيث أتيت".
ويشرح هشام مشوراه في السباحة قائلا: "ساعة على ظهري، ساعة على بطني، حتى بدأنا نقترب من الجزيرة الأولى بعد ساعتين سباحة متواصلتين، وسمعنا صوت الطيور، حتى أن بعض الطيور اقتربت منا وبدأت تحوم حول رؤوسنا ظانين أننا جثث، لكن الخوف من البحر والظلمة تحول إلى خوف من الجزيرة".
يكمل هشام تفاصيل باقي رحلته لـ"
عربي21" بالقول: "قررنا أن نتابع سباحة باتجاه الجزيرة الثانية، وهناك قد نستريح، حتى أن بعض القوارب اقتربت منا لكننا لم نشر إليها لإنقاذنا، لأنه من الممكن إعادتنا من حيث أتينا. تجاوزنا الجزيرة الأولى واقتربنا من الثانية، وهنا بدأت التيارات البحرية تقترب منا، وبدأت بعض الأمواج تحملنا وتسيّرنا، وعاد الخوف إليّ".
ويشير إلى أنه بعد ساعتين سباحة أيضا وصلا إلى الجزيرة الثانية، "والصدمة كانت في أن الجزيرة الثانية عبارة عن صخور، يصعب تسلقها، حتى أنه يصعب الاقتراب منها لأن الأمواج تضربها، واكتشفنا أن المياه الإقليمية اليونانية تبدأ بعد هذه الجزيرة، لكن الشاطئ اليوناني كانت أبعد مما نتخيل، وهنا قررنا أن نخفض سرعتنا حتى نستطيع الاحتفاظ بقوتنا وطاقتنا؛ لأن التعب بدأ ينال منا، وصرنا نتبع الضوء البعيد المنبعث من الشاطئ آملين الوصول على قيد الحياة، لكن كان لدينا خشية أن نصل مبللين ماقد يعرضنا لخطر الإصابة بالأمراض، وكيف سنتمكن من الذهاب إلى الشرطة ليلا".
ويضيف: "لكننا لمحنا باخرة من بعيد، وأخرجت الليزر الذي معي من الكيس البلاستيكي لأشير للباخرة، لكنه أُطفئ بعد دقيقة، إلا أن الباخرة السياحية كانت قد لمحتنا بهذه الدقيقة، وأشعلت الأضواء باتجاهنا واقتربت نحونا، بقينا على هذه الحالة 15 دقيقة، فسألناهم ماذا تنتظرون لإنقاذنا؟ أجابوا: نتواصل مع خفر السواحل اليوناني".
ويتابع: "بالفعل بهذه اللحظات جاء خفر السواحل اليوناني وأنقذنا بعدما تأكد من أننا سوريين، وبعد يومين أخذنا ورقة طرد من اليونان، وتابعنا سيرنا باتجاه الحدود المقدونية. بعد أن مشينا 25 ساعة متواصلة في اليونان قاصدين الحدود المقدونية حتى أن أقدامنا بدأت تنزف دما، وبعد وصولنا إلى مقدونيا تابعنا سيرنا باتجاه صربيا ومنها إلى هنغاريا ثم ألمانيا".
يختم هشام حديثه بالقول: "لا شيء يعبر عن سعادتي بأني حتى الآن لازلت على قيد الحياة، ورغم هذه التجربة التي تعتبر ضربا من الجنون، لكنني سعيد لأني وصلت إلى ما أريد، وأثبت لنفسي أولا وللعالم أن إرادة السوري فوق كل إرادة في الحياة".