كشف عميد متقاعد في جيش الاحتلال
الإسرائيلي، يدعى مايكل هيرتسوغ، في تقرير نشره معهد واشنطن، تفاصيل استراتيجية الجيش الإسرائيلي الجديدة، وهي عبارة عن نسخة أقصر وغير سرية من وثيقة شاملة، معروفة باسم "جدعون".
وأوضح هيرتسوغ أن الاستراتيجية الجديدة، التي لم توافق الحكومة الإسرائيلية عليها بعد، تحمل بصمة رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، معتبرا أنها "تشكّل سابقة في تاريخ إسرائيل؛ لأنها نشرت للعلن".
ويرى هيرتسوغ، الذي شغل سابقا منصب رئيس "قسم التخطيط الاستراتيجي" في الجيش الإسرائيلي، أن النشر غير المسبوق للوثيقة الجديدة "قد يكون مدفوعا برغبة في صقل النقاش العام النشط بشأن تحديد أولويات الموارد بين الاحتياجات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية"، مضيفا أن الوثيقة "تستكشف التغييرات الجوهرية في البيئة الاستراتيجية والعملياتية الإسرائيلية، التي شهدت اضطرابات سريعة وعنيفة، وانهيارا أو ضعفا لأطر الدولة".
يشار إلى أن هيرتسوغ شغل أيضا منصب رئيس ديوان مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي حينها "إيهود باراك"، حيث شارك تحت هذه الصفة في وضع استراتيجية الجيش الإسرائيلي، وتحديث نظرية الأمن الإسرائيلي.
وبحسب المسؤول الإسرائيلي السابق، تبرز الوثيقة التي تستعرضها "
عربي21" تغييرات أساسية عدة في "المشهد الاستراتيجي الإسرائيلي"، حيث أنها تناولت:
1. بروز جهات فاعلة "على مستوى أصغر من الدول" مسلحة بشكل جيد محل جيوش الدول المجاورة، ما تعدّه إسرائيل تهديدا عسكريا رئيسا، ويشمل ذلك "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة.
2. قدرة هذه الجهات على أن تستهدف المراكز والمنشآت الاستراتيجية الحيوية الإسرائيلية بقوّة نيران شديدة، ما يمكنها أن تؤثّر على الصمود، وقدرتها على متابعة بذل مجهود حربي مستمر.
وظهر في الوثيقة تخوف من أن تقوّض القدرات العسكرية المتطورة لهذه الجهات من قدرة القوات الإسرائيلية الهجومية في البر والجو والبحر، إلى جانب التخوف من خطر أنفاق حماس في غزة.
3. تستخدم هذه الجهات "على مستوى أصغر من الدول" حرب المدن في عملياتها، في محاولة منها لحرمان القوات الإسرائيلية من حرية الحركة أو التحرّك، أو لتقويض مجهودها الحربي.
لذا فإن هذا النوع من الحروب يشمل أبعادا غير عسكرية، مثل القضايا القانونية والإنسانية، وتلك المتعلقة بوسائل الإعلام.
4. تراجع المكانة السياسية لإسرائيل في الغرب على مرّ السنين، ما يعقّد من الجهود الرامية إلى اكتساب شرعية دولية لازِمة على نحو متزايد لمحاربة العناصر المسلحة في المناطق المدنية.
ومن الواضح أنّ السبب الرئيس لهذا التراجع هو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لا يزال دون حل، على الرغم من أن الوثيقة لا تؤكد صراحة على هذه النقطة، بحسب هيرتسوغ.
5. تزايد الضغوط الرامية إلى الاستثمار بصورة أكثر في الاقتصاد والمجتمع، في الوقت الذي تتزايد فيه التكاليف المحلية للأمن.
ولفت هيرتسوغ إلى أنّ الوثيقة لا تذكر التهديد النووي
الإيراني بشكل مباشر، ما دفع ببعض المعلقين إلى الاستنتاج بأنّ الجيش الإسرائيلي -على عكس الحكومة- لا يعلّق الحدّة ذاتها على هذا التهديد بعد
الاتفاق النووي بين إيران و"مجموعة الخمسة زائد واحد".
ولكنّه ذهب إلى أن إيران تلعب في الواقع دورا هاما في الاستراتيجية الكامنة وراء هذه الوثيقة. حيث أوضح أنها "أولا، بينما لا يتوقع الجيش الإسرائيلي أن يتحقق التهديد النووي خلال الإطار الزمني للخطة الخمسية القادمة، إلا أنه يدعو إلى تعزيز قدرات الردع والبقاء على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربات استباقية محتملة ضد بلدان ليس لها حدود مشتركة".
وأضاف: "ثانيا، يجد الجيش أنّ الجهات المسلحة التي يطلق عليها جهات فاعلة، وهي التي تدعمها إيران، تشكّل تهديدا وشيكا".
وأشار إلى أنه "في الغرف المغلقة يساور قيادة الجيش الإسرائيلي القلق من احتمال تمتّع هذه الجهات بالموارد الإيرانية، التي لن تعد مجمّدة في أعقاب إقرار الاتفاق النووي مع إيران".
تضمين الوثيقة 3 حالات لاستخدام القوة
حدّد الجيش الإسرائيلي، وفق هيرتسوغ، ثلاث حالات أساسية لاستخدام القوة، وهي "الحرب الروتينية، والحرب في الحالات الطارئة، والحرب (واسعة النطاق) أو الحسم العسكري".
وقال: "في غزة، على سبيل المثال، قام الجيش الإسرائيلي بتطبيق هذا المفهوم باستخدام مزيج من قوة منهكة وعمليات برية محدودة، بدلا من الاستيلاء على الأراضي والتوصل إلى تفكيك كامل للقدرات العسكرية لحركة حماس".
وتفترض وثيقة الاستراتيجية الجديدة سلسلة مطوّلة من الصراعات المسلحة مع ما تسميها "الجهات الفاعلة"، وتسعى لفرض فترات توقّف طويلة لهذه الصراعات عن طريق تحقيق الردع الموثوق والحفاظ عليه.
ومع ذلك، فإن البيئة الاستراتيجية والعملياتية الجديدة أجبرت الجيش الإسرائيلي على إعادة تعريف مفهوم الردع، واثنين من "الركائز التقليدية" الأخرى للاستراتيجية العسكرية (الإنذار المبكر والحسم العسكري)، وإضافة ركيزة رابعة وهي: الدفاع، بحسب تعبير هيرتسوغ.
وتأخذ الوثيقة بعين الاعتبار أيضا احتمال استعادة أراض محتلة من الإسرائيليين، ويشمل ذلك احتمال إجلاء المستوطنين، إلا أنها تدعو لمنع العدو من الحصول على أي مكسب إقليمي بحلول نهاية المواجهة.
وأشار هيرتسوغ إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل إعطاء الأولوية للعمل الهجومي عند بناء قواته واستخدامها على حدّ سواء.
وفي هذا السياق، يسعى جاهدا لإعادة التوازن إلى العلاقة بين قوة النيران والمناورة البرية، بعد أن مال هذا التوازن في السنوات الأخيرة على نحو متزايد نحو قوة النيران، مع إيلاء تركيز مفرط على تحقيق نضوب كبير في قدرات العدو على مدار الصراع.
ولفت هيرتسوغ إلى أنه يرى بأن الوثيقة تُحدث سابقة بتكريس الانتباه على الجوانب غير الحركية للنزاع المسلح، فتعتمد نهجا متعدد التخصصات تجاه هذا النزاع. كما أنها تعدّ الفضاء الإلكتروني جبهة أخرى يجري حاليا إعداد "أذرع إلكترونية" للاهتمام بها.
كما أنها تسلط الضوء على الحاجة إلى الاستعداد لحرب التصورات، ومعالجة الأبعاد القانونية والإنسانية والمعلوماتية بدقة، "ما يعني أنه ينبغي على إسرائيل أن تسعى لتحقيق الشرعية السياسية والحفاظ عليها، لاستخدام القوة من أجل تعزيز حرية تحرّك الجيش في البيئة الدولية الراهنة"، على حد قوله.
وخلص هيرتسوغ إلى أن "إسرائيل تواجه تحديات بالغة التعقيد في مشهد يتغيّر بسرعة، ما يشكّل معضلات استراتيجية وعملياتية ومحلية كبيرة".
وتجسّدت هذه التحديات، وفق ما يراه عن طريق "حزب الله" المدعوم من إيران، مع ترسانته الصاروخية، وقدرته على إطلاق أكثر من 1.500 صاروخ يوميا لمدة أسابيع.
وثاني هذه التحديات، أنه "الخطر المتزايد للجهات التي تدعمها إيران عقب إنجاز اتفاق نووي، في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لمواجهة عواقبه، فينبغي أن توفّر
الوثيقة الجديدة أساسا سليما للحوار الاستراتيجي الثنائي الأمريكي - الإسرائيلي بشأن المخاوف الأمنية الإسرائيلية الكبرى في السنوات المقبلة"، على حد قوله.