ارتفعت وتيرة التحذيرات الأردنية الرسمية للجانب
الإسرائيلي عقب تكرار اقتحام عشرات المستوطنين لساحات المسجد الأقصى تحت حراسة جنود الاحتلال، ووصلت التحذيرات إلى حد تلويح العاهل الأردني
الملك عبد الله الثاني بمصير العلاقة بين الأردن وإسرائيل.
ويقع على عاتق الأردن تاريخيا وقانونيا بحسب معاهدات وقعت مع الجانب الإسرائيلي والفلسطيني، مسؤولية الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، الأمر الذي قد يحتم عليه استخدام أوراق ضغط لوقف "خرق" سيادة الأردن على المقدسات.
وقالت الحكومة الأردنية على لسان الناطق باسمها وزير الإعلام محمد المومني: "إن كل الخيارات الدبلوماسية والقانونية تدرس بدقة، بما يحقق الهدف الأسمى وهو حماية المقدسات وصونها من الاعتداءات الإسرائيلية".
ما هي الأوراق التي يملكها الأردن؟
رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد، يرى في حديث لصحيفة "
عربي21" أن الأردن يملك ثلاث أوراق للضغط على الجانب الإسرائيلي في هذا الجانب، أولها تجميد المملكة للعلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، أو التهديد بذلك وخفض مستوى هذه العلاقات، الأمر الذي سيؤثر على إسرائيل تأثيرا حقيقيا من الناحية السياسية والاقتصادية، ويتضمن ذلك استدعاء السفير الأردني من تل أبيب، على حد تعبيره.
أما الورقة الثانية التي يملكها الأردن -بحسب الحمد- فهي "متعلقة بالحراك على المستوى الدولي، فالمملكة عضو في المجتمع الدولي، وكانت تشجع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يؤكد على القرارات السابقة للمجلس المتعلقة بالقدس والأقصى، منها عشر القرارات لمجلس الأمن الدولي تتعلق بالقدس، ويستطيع الأردن العضو في مجلس الأمن تقديم مشروع إدانة تطالب فيه بلجنة تحقيق دولية، وفريق حماية للمسجد الأقصى، وهذا سيُحدث صداعا لإسرائيل وسيشكل ضغطا دوليا".
وقام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بإجراء اتصالات وحشد تأييد دولي لإدانة اقتحام الأقصى، حيث أجرى يوم الثلاثاء اتصالا هاتفيا مع رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، بحث خلاله الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة بحق المسجد الأقصى.
ودعا ملك الأردن إلى ضرورة أن تقوم أوروبا، وعلى مختلف الصعد، بالعمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، وانتهاكات إسرائيل للمواثيق الدولية، مطالبا المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم حيال الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية على القدس وضمان وقفها.
يرى الحمد أن الورقة الأخيرة في يد الأردن تكمن في "المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، والانحياز إلى الفلسطينيين ضد الإسرائيليين كما فعل الملك عبد الله سابقا، وهذا سيسبب وجع رأس حقيقي لإسرائيل".
قانونيا.. الأردن صاحب الوصاية على المقدسات
وتعود الأصول التاريخية لسيادة الأردن على المقدسات في القدس لعام 1924، عندما بويع الشريف حسين مطلق الثورة العربية الكبرى وصيا على القدس، مرورا بسيادة الأردن على القدس الشرقية عام 1948 و1967.. وحتى بعد فك الارتباط بين الضفتين عام 1988 فإنه لم يتخلى الأردن عن السيادة على المقدسات.
وجاءت معاهدة وادي عربة عام 1994، لتؤكد على حق الأردن في الوصاية على القدس، ونصت المادة التاسعة من المعاهدة، على أنه "سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الوصول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية بما يتماشى مع إعلان واشنطن، على أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".
رئيس مركز الدراسات الإسرائيلية الدكتور عبد الله الصوالحة، في العاصمة عمّان، يؤكد أن "الاتفاقيات التي وقعها الأردن تكفل حق الوصاية على المقدسات في القدس، وعلى رأسها اتفاقية وادي عربة، بالإضافة للاتفاق الذي وقع في عمان بين الأردن ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. وأعطت السلطة الفلسطينية الأردن الحق مجددا بالوصاية على القدس من خلال الاتفاقية التي وقعها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".
وبالرغم من الاقتحامات ومحاولات سحب وصاية الأردن عن المقدسات من قبل الكنيست الإسرائيلي يرى الصوالحة في حديث لصحيفة "
عربي21"، أن إسرائيل لن تتجاوز ما هو موجود في معاهدة السلام، وما هو متفق عليه من وضع قائم منذ عام 1967، حيث لا ترغب إسرائيل سياسيا وقانونيا على مستوى القيادات والمخططين بتغيير هذا الوضع، ولكن تبقى هنالك محاولات من اليمين المتشدد الذي يحاول فرض أجندته على الحكومة الإسرائيلية التي ترفض على المستوى الاستراتيجي تحويل الصراع من سياسي إلى ديني، على حد قوله.
وحول مساعي الكنيست الإسرائيلي لسحب الوصاية من الأردن يقول الصوالحة: "صنع القرار في إسرائيل يتم بعرض مشروع وقراءته وبعد ذلك يتم سن القانون، والكنيست ليس بالوزن الكبير في طرح الموضوع. نحن نتحدث عن شيء واقعي ملموس وليس عن مبادرات. لحد الآن الوضع قائم والوصاية على المقدسات للأردن، وباعتقادي سيستمر ذلك، لكن في حال ارتفاع وتيرة الاحتكاكات وتفجر ذلك على الأرض وفي حال وقوع قتلى يهود وفلسطينيين، فإنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج غير متوقعه على المدى القريب".
ويتوقع الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن "تقوم الأردن باستدعاء السفير الإسرائيلي، أو سحب السفير الأردني من تل أبيب في حال تطور الموقف حيث سيكون لكل مرحله خطوة معينة"، معولا على "التفاهمات التي تحدث بين الأمريكان والأردن وإسرائيل".
إحباط نيابي من اتخاذ موقف حازم والقدرة على التأثير
أما على صعيد الضغط النيابي على الحكومة الأردنية لاتخاذ موقف من الجانب الإسرائيلي، فإنه لا يخفي عضو لجنة فلسطين النيابية النائب رائد الكوز "عجز النواب عن اتخاذ موقف حازم". ويقول النائب الأردني لصحيفة "
عربي21": "بلغنا مجلس النواب أن هناك اقتحامات ويوجد تقسيم زماني ومكاني تسعى إليه إسرائيل، لكنها تبقى كلمات بدون أفعال، ونحن نريد ارتقاء هذا العمل إلى موقف رسمي للدولة، ونحن كنواب لسنا قادرين على التأثير في الموقف الرسمي للدولة".
وأضاف النائب: "ليس من صلاحيات رئيس الوزراء إلغاء معاهدة السلام فهذا منوط بالملك، وسبق وضغطنا على الحكومة وقت استشهاد القاضي الأردني رائد الزعيتر وطرحنا الثقة بالحكومة، لكن رئيس الوزراء لا يستطيع اتخاذ أي إجراء لأن الدستور الأردني نص على أن جلاله الملك هو الذي يقيم السلام ويأذن بالحرب، والحكومة ليس لها صلاحية".
وكانت الحكومة الأردنية لجأت لسحب سفيرها وليد عبيدات، من تل أبيب في تشرين ثاني/ نوفمبر من عام 2014 احتجاجا على اقتحامات المسجد الأقصى، لتعيده في بداية العام الحالي بعد أن "لمست تحسنا في وضع مدينة القدس"، بحسب ما قالت حينها.
الاقتحامات التي حدثت الثلاثاء هي الأسوأ
ميدانيا قال مدير متابعة شؤون القدس والمسجد الأقصى في وزارة الأوقاف الأردنية المهندس عبد الله العبادي لصحيفة "
عربي21"، إن "الاعتداء الذي حدث يوم الثلاثاء كان الأسوأ، حيث قام مستوطنون تحت حراسة قوات الاحتلال بدخول المسجد حتى وصلوا إلى المنبر، وقاموا بتخريب داخل المسجد الأقصى والاعتداء على المسجد القبلي، كما أنهم أشعلوا أكثر من حريق، وقام جنود الاحتلال باعتقال بعض الشباب ونكلوا بالمرابطين المتواجدين هناك".
وينبه العبادي إلى أن قوات الاحتلال تحاول أن تظهر وجود الجنود داخل حرم المسجد الأقصى، أنه من باب الحفاظ على الأمن داخل المسجد المبارك، وفي المقابل إظهار المرابطين العزل على أنهم من يقومون بالاعتداءات.
ويقدر العبادي عدد موظفي وزارة الأوقاف الأردنيين القائمين على إدارة المسجد الأقصى وحراسته بالمئات، منهم من تم الاعتداء عليهم، وقد أبعدت سلطات الاحتلال 25 حارسا منهم بحجة أنهم يضايقون المستوطنين.
ويقول العبادي: "إن الاقتحامات اشتدت مع اقتراب الأعياد اليهودية وتحت ذريعة الصلاة في جبل البيت (جبل الهيكل) كما يدعون، إلا أنه يؤكد أن الاقتحامات مخطط لها بشكل ممنهج من قبل الحكومة الإسرائيلية".
حراك شعبي تقوده الحركة الإسلامية
وعلى صعيد الحراك الشعبي المندد باقتحام المسجد الأقصى، تنظم الحركة الإسلامية في الأردن مسيرات شعبية في أغلب المناطق والمحافظات، على رأسها مسيرة مركزية تنظمها الحركة الإسلامية وعدد من الفعاليات الشبابية والشعبية والعشائرية انطلاقا من المسجد الحسيني بعد صلاة الجمعة القادمة، بالتزامن مع مسيرات أخرى في مدن إربد والزرقاء والجنوب.
واعتصم العشرات في محيط السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان، مطالبين "بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة وادي عربة".
ويدعو رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد "للضغط والتحرك الشعبي من خلال القوى السياسية، مع وجود دعم إعلامي يساهم في تحريك الشارع الأردني كي يستخدم النظام الأردني ورقة ضغط الجماهير أمام إسرائيل".