كتب الشاعر
المجري جورج سيرتيز مقالا، نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، ينتقد فيه الطريقة التي عاملت فيها حكومة بلاده اللاجئين، وانتقد تحديدا رئيس الوزراء المتطرف فيكور أوربان، وقال إن المجر تخجل من حكومته.
ويذكر الشاعر رئيس وزرائه بالماضي، قائلا: "في ذات ليلة بعد فشل ثورة عام 1956، وعندما كنت في الثامنة من العمر، اجتازت عائلتي الحدود الهنغارية مع النمسا بطريقة غير شرعية. كان ذلك في عام 1956، وكانت الرحلة خطرة، ولكننا لم نكن لنواجه الرحلة الخطيرة وإمكانية غرق قارب أو الموت خنقا في شاحنة. لماذا فعلنا هذا؟ لم يسألني أحد في ذلك الوقت، كما لم يسأل أحد الأطفال المزدحمين على الحدود المجرية الصربية".
ويضيف سيرتيز: "كانت أوروبا جاهزة لاستقبالنا، كانت هناك مخيمات نمساوية جاهزة، وفي غضون ثلاثة أيام منحنا فرصة للطيران إلى إنجلترا، البلد الذي لم نزره ولم نحلم أبدا بزيارته، الذي كان مستعدا بشكل جيد لاستقبالنا".
ويقول الشاعر عن الأزمة الحالية: "قبل أسبابيع عدت إلى بودابست، والتقيت مع صديق في محطة كليتي، كان الجو حارا، وخرجنا من الدرج الكهربائي من المحطة، وشاهدنا اللاجئين: عائلات، أفرادا، أطفالا في الثامنة وأقل. وكانت هناك جماعة منهم أمام المحطة تهتف (ألمانيا، ألمانيا) وهم يواجهون صفا من شرطة مكافحة الشغب الجاهزين. وكانت هناك عناصر شرطة أكبر عددا في داخل وخارج المحطة، تبدو على وجوههم ملامح الدهشة أو الملل وهم يقومون بمنع اللاجئين من ركوب القطارات، التي اشتروا تذاكر للرحلة على متنها، لكنهم لا يحملون وثائق سفر صالحة. وغمغم رجل يمشي بهدوء قائلا: (مرحبا بالمجر). وقال النادل في المقهى إن الزمن وكأنه عاد إلى الوراء ألف سنة، حيث أصبحت المجر مرة اخرى حارسة الحدود لأوروبا المسيحية".
ويرفض سيرتيز هذا الكلام، ويقول: "هذا ليس دقيقا، طبعا، فقبل ألف عام تقريبا كان المهاجرون مجريين غير مسيحيين، دخلوا واستقروا في منطقة كارباثيان وسهول المجر. ولم تتشكل حدود المسيحية إلا بعد ذلك".
ويستدرك الشاعر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "ولكننا عدنا إلى فكرة المسيحية، فقد أصبح المجري المسيحي يدافع عن أوروبا المسيحية من المسلمين والإرهابيين على حد قول رئيس الوزراء فيكتور
اوربان. ويريد حماية المجر كي تظل بلدا للمجريين (الحقيقيين)، ولكن ليس كل المجريين (أصليين). ومن أجل تحديد من هو المجري الأصلي، فقد أرسل استبيانات تلمح إلى أن المهاجرين هم طفيليون أو إرهابيون، ووضعت يافطات ضخمة مخصصة للمهاجرين باللغة الهنغارية، وهي اللغة التي لا يستطيع أي منهم قراءتها، وتخبرهم بأنه لن يسمح لهم بالعمل. واليافطات موجهة في الحقيقة للمواطنين، حيث أرادت تطمينهم بعد تخويفهم من خطر المهاجرين".
ويتابع سيرتيز بأن "المجر لديها تاريخ مع الدولة العثمانية وأوربان منشغل باستحضارها. ويقول إن الدولة العثمانية عادت من جديد، وهي تقوم بالسيطرة على البلاد، ولن تكون المجر كما كانت عليه من قبل، وهو بحاجة لأن يظهر بمظهر الرجل القوي؛ لأن رجال (حزب جوبيك) الأقوياء سيفوزون في السلطة بدلا عنه في الانتخابات، وهذا هو سبب بناء السياج واستدعاء الجيش وحالة الطوارئ والتصريحات النارية وخطاب الكراهية؛ لأن هذا هو الموقف الذي بدا منذ البداية: تشهير وعداء فج".
ويرى الشاعر أن "مشكلة اللاجئين فرضت على أوروبا مشكلة لوجيستية وأخلاقية فشلت في التعامل معها ومع موجة من اللاجئين لم تشاهدها منذ الثورة المجرية عام 1956".
ويبين سيرتيز أن هذه الموجة اليوم "هي أصعب ولا يمكن تنظيمها. فقد استوعبت ألمانيا والنمسا عددا جيدا من المهاجرين، ولكنهما لا تستطيعان مواصلة استقبال اللاجئين. ويقول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن بريطانيا قدمت بكرم للاجئين العالقين في دول الجوار السوري. ولكن اللاجئين الذين دفعوا للرحلة الخطيرة ونجوا منها وهم عالقون على الحدود المجرية يعدون منذ اليوم، وخلافا لميثاق جنيف، مجرمين، وهم عرضة للسجن مدة ثلاثة أعوام لمرورهم عبر السياج أو تخريبه".
ويرى الشاعر المجري أنه "من العار على بريطانيا، التي ساعدت أفعالها في العراق وأفغانستان على المدى البعيد في ظهور الأزمة، أنها لم تفعل إلا القليل من أجلهم. ولكن من المثير للعار أكثر الكيفية التي عاملت فيها السلطات المجرية وشيطنت اللاجئين، ونظرت لأفعالها على أنها سياسة حكومية. وهو أمر مختلف عن الفشل الذي يمكن أن يكون حدث نتيجة للتنظيم أو فشل أخلاقي. بل هذا ما ينظر إليه أوربان وحكومته على أنه نجاح أخلاقي وتنظيمي. فالتخويف والكراهية والعنصرية هي طريقتهم. وقال أحد قادة الغجر يوم أمس إن الحكومة أشارت إلى قبيلته بأنها مشكلة عمل المجريون على عدم رميها على أوروبا. مع ان الغجر (روما كما يعرفون) يعيشون في المجر منذ ستة قرون".
ويختم سيرتيز بالقول: "ولكن العالم يشهد، الصحافيين وفرق التصوير هناك، أن الشعب المجري ليس سيئا، فقد تطوّع الآلاف منهم لمساعدة اللاجئين ولأسابيع، ولكنهم لا يعملون نيابة عن الحكومة. ورغم ما قاموا به عمل، فشكرا لتصرفات الحكومة التي جعلت اسم المجر يفوح برائحة كريهة تصل إلى عنان السماء".