نشرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن الفشل الذي مني به البرنامج الأمريكي لتدريب المعارضة السورية "المعتدلة"، نتيجة سوء تقدير الإدارة الأمريكية لحقيقة الوضع الميداني في
سوريا.
وأشارت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إلى الدور المركزي الذي كان يضطلع به هذا البرنامج التدريبي الذي قدرت تكلفته بـ500 مليون دولار؛ في الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، على اعتبار عدم رغبتها في توريط قواتها بريا.
وقالت لوفيجارو إن الجنرال لويد أوستن، رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، كان قد اعترف بأن عدد المقاتلين السوريين المتدربين على يد الولايات المتحدة الأمريكية، والمتواجدين بالميدان حاليا، لا يكاد يفوق الخمسة، ما يفصح عن حجم الفشل الذي مني به هذا البرنامج.
وأضافت أنه كان من المتوقع أن يبلغ عدد هؤلاء المقاتلين 5400 مقاتلا، حين بدأت الاستخبارات العسكرية الأمريكية برنامجها في أيار/ مايو من العام الماضي في تركيا، بهدف إعداد مقاتلين قادرين على مواجهة تنظيم الدولة والنظام السوري على حد سواء.
وأشارت إلى أن مؤشرات فشل برنامج "التدريب والتجهيز"، كانت قد برزت منذ انطلاقه؛ فمن بين آلاف المقاتلين الذين خضعوا للفحص الأولي في كل من تركيا والأردن، لم تقبل الاستخبارات العسكرية الأمريكية سوى بضع مئات، حيث سعت لتخير النخبة، تفاديا لتكرر الفشل الذي لحق بالقوات المحلية في العراق وأفغانستان.
وتضاعف هذا الشرخ مع بداية أولى التدريبات التقنية، بعد أن اكتشف عناصر الاستخبارات العسكرية الأمريكية من سلوكيات المجموعات المختارة؛ إذ لجأت مجموعة من القصّر لاعتماد هويات مزيفة، واتضح أن فئة أخرى لا تنوي التصدي لتنظيم الدولة، ما أدى لإعادة العديد من المقاتلين إلى سوريا.
غير أن الحادثة الأسوأ على الإطلاق، كما تؤكد الصحيفة، كانت في تموز/ يوليو الماضي في سوريا، حين أرسلت الاستخبارات العسكرية الأمريكية بضع عشرات من طلائع المتدربين إلى سوريا، لتعزيز الفرقة 30، المتمركزة شمال غرب البلد، والمعروفة بموالاتها للغرب، حيث استغل البعض منهم مناسبة عيد الفطر لزيارة أهاليهم، ما أدى إلى التعرف إليهم من قبل مقاتلي جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، ومن ثم اختطافهم.
فقد سعت قيادتهم في تركيا لإقناع كوادر النصرة بأن المستفيدين من هذا البرنامج يسعون لمحاربة تنظيم الدولة دون غيره، ولكن ذلك لم يفض لأي نتيجة، فبمجرد أن وطأت أرجل هؤلاء المتدربين الأراضي السورية، سارع مقاتلو جبهة النصرة لاختطافهم، ليهاجموا في اليوم التالي مقر الفرقة 30 بقرية مريمين، في نداء صريح لإيقاف تعاونها مع "الأمريكيين الكفار"، حسب تعبيرهم.
وأضافت لوفيجارو أن هذه الحادثة لقنت وزارة الدفاع الأمريكية درسا مريرا، أوضح لها عمق الفشل الذي منيت به إستراتيجيتها الميدانية، والتي تعود للضعف الواضح في الاستعدادات، والنقص الفادح في الوحدات العسكرية المزروعة على الأراضي السورية، والقصور الاستخباراتي العميق، وانعدام الدعم الشعبي. وبحسب أبرز الصحف الأمريكية، فإن "البنتاغون يسعى الآن لوضع خطط جديدة، لإعادة هيكلة هذا البرنامج التدريبي".
وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن السلطات الأمريكية لتحديد أهداف هذه الوحدات، إذ من المتوقع أن يقتصر دورها على مد الطائرات المستهدفة لتنظيم الدولة بالمعلومات اللازمة حول إحداثيات مواقع التنظيم، حيث اعترف الخبراء الأمريكيون بأن الهدف الذي رسم عند انطلاق هذا البرنامج التدريبي "كان غير واقعي".
وقالت الصحيفة إن هذا التغيير الإستراتيجي يطرح تساؤلات حقيقية، حول ما ستفعله الولايات المتحدة إزاء الحرب الميدانية المستعرة في سوريا، مع رفض واشنطن المتواصل لإرسال عناصرها إلى هناك، واعتراف الجيش الأمريكي على لسان الجنرال كيفين كيلا، الذي يتولى إدارة العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، "بغياب سيطرتهم على المجندين الذين دربوهم بمجرد وصولهم للأراضي السورية"، علاوة على الثغرات العديدة التي تشوب عملية الانتقاء الأولي.
وأفادت لوفيجارو بأن الدفعة الأولى من المستفيدين من هذا البرنامج التدريبي، كانت قد اقتُرِحَت من قبل قيادات المجموعات السورية المسلحة، المنتشرة في عدة مناطق في البلاد؛ حيث قامت كل منها بمد الاستخبارات العسكرية الأمريكية بقائمة لمرشحيها، معظمهم من المسلمين السنة.
وأكدت أن المخابرات الأمريكية مضطرة للتنسيق مع حلفائها المحليين، سواء في تركيا أو الأردن؛ حيث تسعى الاستخبارات الوطنية التركية لضمان دورها في مراقبة الثوار السوريين، في حين تحافظ نظيرتها السعودية على حضورها في المعسكرات التدريبية.
واعتبرت لوفيجارو أن الاختلافات الإستراتيجية بين مختلف هذه الأطراف، تفسر اختلاف واشنطن وأنقرة حول مسألة إنشاء منطقة أمنية شمال سوريا؛ حيث يرغب كل طرف في إرسال العناصر التابعة له، في حين ترفض تركيا رفضا قاطعا أي تواجد للأكراد فيها.