نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا عن التطورات التي يشهدها الحرم المكي سنة بعد سنة، من مضاعفة للإجراءات الأمنية تحسبا لأي هجوم قد يشنه تنظيم الدولة، والأشغال التي تهدف إلى توسيع الحرم وزيادة طاقته الاستيعابية، ما أثار موجة من الاستهجان لدى العديد من سكان المنطقة والمهتمين بالتراث الإسلامي، الذين اعتبروا ذلك تعديا على تاريخ المدينة وخصوصياتها.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن السلطات
السعودية نشرت 100 ألف عنصر أمن، سيكونون في أعلى درجات التأهب لتأمين موسم
الحج الذي ينطلق بداية من الثلاثاء، والذي ينتظر أن يشهد حضور 4 ملايين حاج هذه السنة، جاؤوا من مختلف أصقاع العالم.
ويعود استنفار السلطات الأمنية لهذا العدد المهول من الأمنيين هذا العام، -والذي تضاعف ثلاث مرات على عددهم في السنوات السابقة-، إلى توجس السلطات من أي هجوم محتمل قد يشنه تنظيم الدولة، بعد أن شن عدة هجمات على مساجد شيعية في المملكة والكويت واليمن خلال الأشهر الأخيرة.
وقالت الصحيفة إن السعودية تتخوف من عودة ظهور فيروس "كورونا" وانتشاره بين
الحجاج، لذلك حرصت السلطات الصحية على توفير 25 ألف عامل طبي، موزعين على 65 مركزا، لرصد الأوبئة في أماكن إقامة المناسك.
ويذكر أن المملكة قد شهدت منذ العام 2012 إصابة 1243 شخص بهذا الفيروس، توفي منهم 524 شخصا.
وذكر التقرير أن المملكة العربية السعودية ترى بأن طاقة استيعاب الحرم المكي غير كافية حاليا، لذلك خصصت 8 مليارات يورو لأشغال التوسعة، وهو مبلغ كبير، ولكنه ليس كبيرا أمام هدف المملكة في جعل مساحة الحرم تصل إلى 400.00 م²، ليصبح بذلك قادرا على استيعاب أكثر من مليوني حاج في وقت واحد خلال خمس سنوات من الآن.
يشار إلى أن أشغال التوسعة لم تقف عند هذا الحد، فبالرغم من التكلفة المرتفعة للمتر المربع الواحد، البالغة 100 ألف يورو، وهي الأعلى عالميا، فإن المملكة تعتزم أيضا إنهاء أشغال أكبر فندق في العالم، وهو يضم 10 آلاف غرفة بحلول العام 2020.
وقامت الحكومة السعودية باستثمار أموال طائلة قدرت بعدة مليارات من اليوروهات لتوفير وسائل نقل مريحة للحجاج، مثل القطار السريع، لتسهيل التنقل وتفادي الزحام.
وقالت الصحيفة إن المملكة اتخذت العديد من الإجراءات الأمنية، بعد أن تعلمت الدرس من حادث وفاة 364 حاجا في
مكة بسبب التدافع والتزاحم في العام 2006.
ويعود إقبال المملكة على هذه المشاريع المكلفة في أماكن إقامة مناسك الحج، إلى المبالغ الخيالية من العملة الصعبة التي تدرها رحلات الحج والعمرة، والتي تقدر سنويا بـ37 مليار يورو، ما يجعل مداخيل الدولة من الحج والعمرة تأتي في المرتبة الثانية من حيث المساهمة في الميزانية العامة للبلاد بعد البترول.
وفي المقابل، اعتبرت الصحيفة أن المملكة قد حولت أقدس بقعة إسلامية إلى مدينة لا روح فيها، فقد احتج مدافعون عن الآثار الإسلامية على إقدام السلطات على القيام بأشغال التوسعة هذه، وأبدوا غضبهم تجاه سعي المملكة لتغيير معالم مكة، وجعلها مشابهة لمدينة لاس فيغاس الأمريكية، بعد إفراغها من بعدها الروحي.
وأشار منتقدو هذه المشاريع إلى عدم احترام السلطات للأحياء القديمة في مكة، التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس عشر ميلادي. كما أبدوا امتعاضهم من العدد الكبير للرافعات التي يضيق بها محيط الكعبة، المشعر الذي يطوف حوله المسلمون خلال أداء مناسك الحج.
وذكر التقرير أن المدافعين عن الآثار الإسلامية يعتبرون أن السلطات تهاونت في اتخاذ تدابير السلامة لمنع وقوع حادث سقوط الرافعة، الذي وقع يوم 11 أيلول/ سبتمبر وأودى بحياة 111 شخصا وإصابة 400 آخرين.
ويشهد الملك سلمان أول حج له هذا العام ملكا للبلاد، وقد وعد بتقديم تعويض يبلغ مليون ريال سعودي، أي ما قيمته 238.000 يورو، لعائلة كل شخص توفي في هذا الحادث.
وأوردت الصحيفة خبر إلغاء المملكة العقد الحصري مع مجموعة شركات بن لادن المسؤولة عن الحادث، والتي تتكفل منذ 50 عاما بالأشغال التابعة للحرم المكي، بعد أن صدر تقرير التحقيقات الأولية حول حادث وقوع الرافعة، والذي أكد أن الشركة لم تحترم الإجراءات اللازمة للسلامة يوم الحادث.