كتاب عربي 21

الأعور الدجال.. أنثى!

1300x600
كان الكاتب والصحفي والمفكر واللغوي والناقد والمصلح والمترجم والدبلوماسي والرحالة المسلم محمد أسد (اليهودي ليوبولد فايس سابقا) الذي تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وأحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرا.. يقرأ علامة يوم القيامة الكبرى الأعور الدجال قراءة علمية فيزيائية مخبرية صارمة، لا غيبية، ويرى أن الأعور الدجال هو العلم، وذو عين واحدة، وبلا ضمير، وهو تأويل مفرط لاقى هوى لدى بعض من المسلمين، فالعلم له وجهان خير وشر، أما الأعور الدجال فشر متنكر بوجه الخير. كل الألقاب السابقة لا تعني أنه على حق، وفي هذه الأيام تعني جائزة مثل نوبل أن صاحبها من أنبياء العصر "الحديس".

لكني أظن، وبعض الظن إثم، أن الكاميرا هي الأعور الدجال، وهي إحدى منتجات العلم، وهي اختراع عربي اخترعه الحسن بن الهيثم، فاسم الكاميرا مقتبس من القمرة. في الحديث الشريف أنه "أعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى. كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ"، و "يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ سَنَوَاتُ خُدْعَةٍ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُؤْتَمَنْ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ الْوَضِيعُ مِنَ النَّاسِ". يعني يصير محللا سياسيا، أو داعية إسلاميا، أو يصير رئيسا للجمهورية والعياذ بالله..

لم تفعل آلة فعلها في البشر كما فعلت "كوكو" أم عين واحدة، التي يصطحبها الناس معهم في المنشط والمكره، ويعملون "سيلفي"، السلفي ختم وثيقة الحياة واللحظة، وعبادة الذات المتوحدة..

صنعت كوكو السلطان نجوما مضيئة في سماء وهمية، فصارت منى البحيري نجمة تدعى إلى مهرجانات، وباتت هيفا وهبي أيقونة عربية مشتهاة، وحورية الحوريات، وجعلت من هوليود مدينة مقدسة، وبات السجاد الأحمر في مهرجان "كان" حلما للفنانين والكتاب، وأصحاب الكاميرات من كل الأرض. تغمز الكاميرا بعينها للخيّال من بني قومه، فترديه صريعا للغواني. هنالك مثقفون كبار باتوا يذكرون "أسفار" ظهورهم على التلفزيون مرفقة في السير الذاتية! 

الملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور، وفي بعضها وصف عينه اليسرى، وكل الروايات صحيحة، العوراء الطافئة - بالهمز- التي ذهب نورها كما في حديث ابن عمر. "وتكون العين اليسرى: التي عليها ظفرة غليظة وطافية - بلا همز - معيبة أيضا". فهو أعور العين اليمنى واليسرى معا، فكل واحدة منها عوراء أي معيبة، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، فكلتا عيني الدجال معيبة عوراء، إحداهما بذهابهما والأخرى بعيبها.

في ترعة السويس الجديدة العوراء ترى مناظر خلابة، وسفن تمخر عباب البحر، وبعملية مونتاج بسيطة مكر "دكر" السويس الجذاب مكرا، فصدروا لنا الجنة المنتظرة في قناة باناما على أنها السويس، الكاميرا، وسحَرَتها من ورائها، يعملون البحر طحين، والحصى فول مدمس، والعبيط الأهبل الذي لا يستحق العمل بائعا للكشري رئيسا لأقوى دولة في مصر، وهو يتحدث عن نور عينيه. القناة الحقيقية المنتجة للأرباح والسلطان هي التي تخنق غزة.

وقبل أيام كتب الزميل نائل بدوي مقالا بعنوان: "هل عدنا لعبادة الأصنام "، عن الصنم الجديد، عن الهاتف الخلوي بعينه الطافئة، والذي سحر الناس حتى في البيت المعمور، وسرق منهم صلاتهم وصيامهم "عينك عينك"، وهو ليس مثل صباح فخري: ردي عليه صلاته وصيامه، فالقلوب تملُّ من الحبيب الذي جعله سكنا، لكنها لا تمل من هذه العنبة الطافئة.

" يسير مَعَهُ – الأعور الدجال- جِبَالُ خُبْزٍ وَأَنْهَارُ مَاءٍ، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ"، وفي الحديث الشريف أيضا "أن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتَيْهِ فصبر، عوضته منهما الجنة". في تلفزيونات الرئيس، جبال تسير، وأنهار ماء وخضرة.. في تلفزيون الرئيس كل شيء على أتمه، الحياة سعيدة، لا تشوبها شائبة، السلطة الرابعة حسب وصف عالمي، هي سلطة أولى.. لكن على الناس، وليس لهم. أظن أن ليوبولد فايس احتفظ بشيء من دينه معه في الإسلام، و أظن أن الهاتف الخلوي هو عمرو بن لحي العصر.

أحيانا تلتقط العين العوراء عارا سافرا، كفرا بواحا، وتسجله وتبثه: مثل قول الأسد عن الجنسية السورية، فالسوري ليس المولود فيها أو الحامل جوازها، إنما الذي يدافع عنها! ومن المعلوم أن إسرائيل تدافع عن فلسطين دفاع الأبطال، مع تغيير في التسمية، بل إنها تعمرها بالعمارات السامقة، وتزرع فيها الحدائق الغناء التي مدحها علي سالم وغيره مدحا طويلا، ويخطئ الملك برتبة رئيس جمهورية، بل إنه يكفر كفرا صريحا". كل اللي ما يرضيش ربنا إحنا معاه " فينبري سحرة الكلام للدفاع عن أخطاء سحرة العين: فهو خطأ لفظي غير مقصود، ومحرف عن مواقعه، وقصد الرئيس غير هذا... وكنت أخلط، بين هيبة عمرو خالد: هل هي من الكلمة، أم من سحر الكاميرا.. ففي أمريكا يقوم نجوم هوليود بما يقوم به عمرو خالد عندما يزور مريضا بالسرطان بفوارق بسيطة.

مكتوب على جبين الأعور الدجال "كاف راء". أي كافر، الكفر هو الغطاء، وقد ذهبت الكلمة إلى اللغة الإنكليزية، فصارت Cover.

لا أشكك بسلامة إيمان محمد أسد، إنما حمل الرجل بعضا من اعتقاداته إلى الإسلام، ويذكرني بكعب الأحبار، الذي استشاره عمر في بناء المسجد ومحل بنائه، فأشار أن يبنيه خلف الصخرة لتجتمع قبلتا موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام فيه، لكن عمر أبى ذلك، وقال: "ضاهيت اليهودية يا كعب" وأقام المسجد أمام الصخرة، وجعلها في مؤخرته.

 دعاني جاري الباكستاني للإيمان بدعوته الجديدة، فزرت مسجده العامر، ودار بيننا حوار ظريف، فقلت وأنا أنظر إلى صورة نبيه على الجدار: أنا لا أؤمن بدعوة لنبيها صورة... أنبيائي ليس لهم صور.

العين العوراء جعلت العقل في العالم.. أعور.