نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا حول الصعوبات التي تواجهها قوات
الثورة السورية، بسبب تغير منحى السياسة الخارجية الأمريكية، اعتبرت فيه أن الولايات المتحدة تهتم بمصالحها أولا، دون اكتراث لنتائج القرارات التي تتخذها.
وأفادت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، بأن انتعاش الثورة السورية لم يستمر سوى لسنة واحدة، حيث تمكنت من تسجيل سلسلة من الانتصارات أثارت قلق النظام الحاكم خلال فصل الربيع الماضي، ثم تكبدت خسائر جسيمة بعد اضطرارها لإيقاف الهجمات التي كان من المعتزم القيام بها في مدينتي حلب ودرعا، وتأجيل الهجمات المقررة ضد منطقة السهل الساحلي، معقل الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد.
وأضافت أن عددا من المحللين في تركيا يعتقدون بأن التراجع الملحوظ في نسق تحرك المعارضة؛ هو بسبب المنافسة بين الجماعات المسلحة، والمقاومة غير المتوقعة للقوات النظامية، بالإضافة إلى الضغوطات الغربية التي ساهمت في تجميد الوضع على الجبهة.
ونقلت عن دبلوماسي أوروبي يعيش في الشرق الأوسط، قوله إن "مصلحة واشنطن كانت تقتضي تهدئة الأمور خلال الجولة الأخيرة من مفاوضات الملف النووي الإيراني، مطلع تموز/ يوليو الماضي".
وأكدت الصحيفة أن الاتفاق الذي تم توقيعه في منتصف تموز/ يوليو، قدم للعواصم الغربية دوافع تجعلها تعرض عن خيار التصعيد، خاصة وأن الولايات المتحدة تفضل "تملق" السلطات الروسية والإيرانية، حماة النظام السوري، كما أن التصدي لتنظيم الدولة أصبح الأولوية القصوى، بالإضافة إلى أن الأزمة السورية سببت تدفق اللاجئين نحو أوروبا.
ونقلت "لوموند" عن مستشار سياسي، يعمل مع أحد قادة المعارضة، وهو على اتصال مع دبلوماسيين أمريكيين، قوله إن "دمشق واللاذقية خطوط حمر بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتالي فإن القرار لم يعد بيد المعارضة، حيث أصبح الصراع لعبة كبيرة بين واشنطن وطهران".
واعتبرت أن تركيا هي المعارض الرئيس لتكتيكات التهدئة الأمريكية، حيث إنها هي من قدّم الدعم اللوجستي للمعارضة خلال الربيع، ما مكنهم من السيطرة على مدينتي إدلب وجسر الشغور، وذلك بموافقة من العربية السعودية.
وأضافت أن أنقرة حاولت إعادة تكوين "التشكيلة الرابحة"، المتكونة من "
جيش الفتح" و"أحرار الإسلام" و"
جبهة النصرة"، بهدف السيطرة على مدينة حلب، "ولكنها فشلت في إقناع الرعاة العرب والغرب بالفكرة".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي قوله إن "الولايات المتحدة لديها تأثير كبير على ألوية حلب، منذ أن حرمهم تنظيم الدولة من عائدات النفط، وتوقفت التبرعات العربية"، مشيرا إلى أن الأمريكيين "استغلوا الشقاق الكبير بين فصائل المعارضة، وتمكنوا بذلك من إحباط الهجمات على المناطق الغربية لمدينة حلب، وذلك بطريقة غير مباشرة".
وأضافت أن المعارضين يؤكدون أن النظام الحاكم يقوم بتنسيق جهوده مع تنظيم الدولة من أجل حماية مصالحه، بعد أن قامت قوات التنظيم المسلح بمهاجمة الثوار بينما كانوا بصدد تحضير هجوم على حلب، الأمر الذي اضطرهم إلى إرسال تعزيزات إضافية، وتكبد خسائر كارثية.
ونقلت عن العقيد في الجيش السوري الحر، عبدالجبار العكيدي، قوله إنهم "قدموا للتحالف الغربي ضد تنظيم الدولة؛ معلومات دقيقة عن أماكن المقاتلين، بشرط أن تتم مهاجمتهم مباشرة، وقد كانت هنالك بعض الضربات ولكن دون فاعلية تذكر، مقارنة بما حدث في مدينة كوباني الكردية".
وأفادت الصحيفة بأن الطريقة الوحيدة لتغيير الوضع الراهن؛ تتمثل في إنشاء منطقة حظر جوي في شمال
سوريا، وهو ما اقترحته أنقرة وواشنطن في شهر تموز/ يوليو، حيث سيمكّن ذلك من حرمان النظام من ميزته التكتيكية الأخيرة المتمثلة في السيطرة على المجال الجوي.
ونقلت الصحيفة عن موظف في إحدى الهيئات الأممية قوله إن "مركز العمليات العسكرية للتحالف الدولي قد وعد ألوية حلب، منذ ستة أشهر، بالعمل من أجل فرض منطقة حظر جوي، ولكنه لم يفعل شيئا لحد الآن، بسبب اختلاف وجهات النظر بين تركيا، التي تريد منح مقاتلي
أحرار الشام دورا هاما في المنطقة، وبين أمريكا الرافضة للفكرة".
وقالت "لوموند" إن التواجد العسكري الروسي المتزايد على الأراضي السورية قد يوقظ "أشباح أفغانستان"، حيث إن تدخل القوات السوفييتية في البلاد، في عام 1979، هو الذي أشعل فتيل "الجهاد العالمي".
وأضافت أن العقيد العكيدي يحذر من أن "تدفق القوات الروسية بصفة كبيرة؛ يهدد بتزايد تدفق الجهاديين" وأن "إطالة عمر نظام الأسد؛ لا يمكن أن يؤدي إلا إلى كارثة لسوريا وروسيا، على حد سواء".