لايزال الغموض هو سيد الموقف وذلك حتى الساعات الأولى من صباح هذا اليوم الجمعة فيما يتعلق بأسماء أعضاء الحكومة والمكلفين بإدارة المؤسسات السيادية التي اشتملت عليها مسودة الحوار الوطني.
الغموض يبدأ من طبيعة التسريبات التي تشير إلى أن الأسماء المطروحة مجرد مقترحات من السيد برننادينو ليون، المبعوث الأممي لليبيا، وليس ما تم الاتفاق عليه من طرفي الحوار. فيما تعجلت بعض المصادر بالتأكيد أن الأسماء المسربة هم فعلا التنفيذيون الجدد، ولم يتسن لنا التحقق من موقف أطراف الحوار، ولم يظهر حتى هذه الساعة ما يؤكد أو ينفي الأخبار المسربة.
الغموض، من جهة ثانية، ناتج عن إرباك وتضارب في مسار الحوار، الذي يقضي وفق المعلوم للجميع أن يتم الاتفاق على المسودة من الأطراف المتنازع ثم التوقيع عليها، ثم الذهاب إلى الخطوة التنفيذية وهي اختيار العناصر التي تكلف بمسؤولية المؤسسات التي تضمنها الاتفاق، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
المؤشرات بل والدلائل تؤكد استمرار التباعد في وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين حول المسودة، وقرار البرلمان بالتمديد لفترة عمل البرلمان تؤكد ما ذهبنا إليه.
التسريبات تضمنت مرشحا غير معروف على الساحة السياسية لشغل منصب رئيس الحكومة، كما لم يتم الإشارة إليه لا من قريب ولا من بعيد خلال الأسابيع الماضية، وهي الفترة التي شهدت نقاشا معلنا بين الأطراف السياسية والمكونات الفاعلة حول الشخصيات الأجدر بإدارة المرحلة، بخلاف الذين تم تسريب أسمائهم لشغل مناصب نواب رئيس الحكومة ورئاسة المجلس الأعلى ومجلس الأمن القومي، فقد كانت أسماؤهم حاضرة بقوة في المداولات.
الملاحظ أنه لم يكن من بين أعضاء مجلس رئاسة الحكومة الذين سُربت أسماؤهم رجل دولة بالمفهوم التقليدي، بمعنى الضليع في العمل الحكومي، وإدارة المؤسسات الحكومية التنفيذية الكبرى، وجميع من سربت أسماؤهم هم ممن انفتح على العمل السياسي والحكومي السيادي، خلال الفترة منذ اندلاع ثورة فبراير، وهذه قضية شغلت الرأي العام ودفعت بعموم الناس إلى التطلع لتصدر شخصية تنفيذية ضليعة في العمل الحكومي، وليس من كوادر الخارج، أو من الأكاديميين أو النشطاء السياسيين أو نشطاء العمل العام.
العلامة الفارقة فيما يتعلق بالحكومة التوافقية هي رغبة عموم الليبيين في أن تجد لها طريقا في الواقع الليبي، لينتهي الانقسام المقيت وتتوحد الجهود لأجل الاهتمام بالملفات الكبرى، التي يأتي في مقدمتها الملف الأمني والملف الاقتصادي. وتعد هذه المسألة في غاية الأهمية؛ حيث إنها تساعد في تذليل العديد من العقبات التي بالقطع ستعترض عمل الحكومة القادمة.
هناك أيضا الاهتمام الأممي والحرص الدولي على إنجاح هذه الحكومة، وتؤكد العديد من المصادر الخاصة أن الأطراف الدولية عازمة على الذهاب إلى نهاية المطاف، فيما يتعلق باستخدام الأوراق المتاحة لتدعيم سياسات وقرارات الحكومة، بما في ذلك الضغوط المباشرة التي تتضمن استخدام القوة ضد الأطراف التي قد تعرقل سير الحكومة، وربما يمثل هذا العامل الدافع أو الحافز لتصدر المرشحين لتولي قيادة هذه المرحلة الصعبة، فقد أثبتت تجربة الأربع سنوات الماضية أن التعويل على الداخل في تفكيك الأزمة الراهنة لن يجدي، وهناك قناعات تعشش في رؤوس قطاع واسع من النخبة الفاعلة، وهو أن الحكومة الجديدة لن تنجح ما لم يتوفر لها سبل الدعم الدولي كافة، بما في ذلك التدخل المباشر واستخدام القوة في عمليات نوعية وسريعة ضد الأطراف التي قد تعرقل مسار المرحلة الجديدة، وهو أمر شديد الخطورة والحساسية، ويتطلب حوارا داخليا بين المكونات السياسية والاجتماعية كافة، ولا ينبغي أن يترك لمجموعة صغيرة العدد محدودة الخبرة للفصل فيه.