نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لنوح بونسي، حول التدخل الروسي في
سوريا، قال فيه إن
روسيا أطلقت حملة جوية في سوريا في 30 أيلول/ سبتمبر، بعد حوالي 36 ساعة من لقاء نادر بين بوتين وأوباما.
ويقول الكاتب إن "التوقيت والاستهداف جاء مؤشرا على أن موسكو مصرة على الوقوف في وجه السياسة الأمريكية في سوريا، حيث شكلت القوى التي تدعمها وكالة الاستخبارات المركزية الأهداف الأولى للحملة الجوية الروسية. ولو اردنا مناقشة تذرع روسيا باستهدافها لتنظيم الدولة، فإننا سنجد أن معظم الأهداف للضربات الأولية كانت لمجموعات ثوار معادية لتنظيم الدولة. والآن هناك عملية برية يقوم بها جيش النظام السوري، مدعوما بالقوات الجوية الروسية، لاستعادة أراض من فصائل معادية لتنظيم الدولة في شمال غرب البلاد، بعيدا عن الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم".
ويشير التقرير إلى أن التدخل الروسي في سوريا قد حقق أمرين، وهما أن استراتيجية روسيا تطابقت مع استراتيجية نظام
الأسد، وثانيا خلق عقبات أمام أمريكا وجعل تشكيل سياسة متماسكة لها في سوريا أمرا صعبا. وقامت واشنطن الجمعة الماضية بإنهاء محاولتها الفاشلة بتسليح الثوار المعتدلين، ما يترك المؤيدين إقليميا، وبالذات تركيا والسعودية وقطر، وحدهم.
وتتوقع المجلة أن تكون مواقف روسيا متصلبة؛ فهي منذ عام 2011 تقف لمنع أن يكون نظام الأسد مثالا آخر لتغيير نظام بمساعدة الغرب. مشيرة إلى أنها لم تفعل ذلك لمجرد الحفاظ على حليف قديم، أو للحفاظ على موطئ قدم فقط، بل تريد من ذلك ردع التدخل الغربي، الذي تنظر إليه على أنه تقويض للقوة الروسية على مستوى العالم. ولهذا الهدف وظفت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن، بالإضافة إلى إمداد النظام بالأسلحة، وتوفير الدعم السياسي منذ بداية الثورة.
ويلفت بونسي إلى أنه بينما امتنعت روسيا في آذار/ مارس 2011، عن التصويت على قرار لمجلس الأمن يسمح باستخدام القوة في ليبيا ممهدا لتدخل الناتو، الذي انتهى بتغيير النظام، إلا أن عنادها تجاه ملف سوريا حافظ على حليفها، ورفع مكانتها على مستوى العالم.
ويستدرك التقرير بأنه مع ذلك، فإن نظام الأسد خسر مساحات واسعة العام الماضي، ما حفز روسيا على التدخل، حيث سيطر
تنظيم الدولة على وسط سوريا، وكسب التيار الرئيس في الثورة مساحات في جنوب البلاد، وفي الوقت ذاته ساعد الدعم
الإيراني ودعم حزب الله على إبطاء التراجع، ولا يستطع حلفاء سوريا الإقليميون تعويض النزيف في الطاقة البشرية لدى نظام الأسد، حيث اعتمد تأييدهم للنظام على دعم مليشيات، ما ساعد على ذوبان المؤسسات الحكومية، وساعد في إحداث لامركزية في نظام بدأ يتصدع. كما أن الدعم الكلامي والدعم المادي الضعيف اللذين تقدمهما أمريكا للمعارضة جعلا روسيا تشعر بأن لديها فرصة.
وتقول المجلة: "عندما تنظر روسيا إلى المشهد السوري، ترى مجموعة من القوى المعادية في جانب، وحليفها المتراجع والمتصدع في الجانب الآخر. ولم يبد المسؤولون الروس اهتماما في الاختلافات الأيديولوجية بين مجموعات المعارضة المختلفة، فهم لا يرون الفرق الاستراتيجي بين السلفية الجهادية العابرة للحدود القومية، مثل تنظيم الدولة، وجبهة النصرة من فصائل الثورة، التي تسعى إلى نظام سياسي متعدد في دولة سوريا المستقبلية، وبدلا من ذلك وسموا المعارضين كلهم بالإرهاب".
ويرى الكاتب أن هذا التقدير جعل الروس والإيرانيين يتوصلون إلى نتيجة مفادها أنه مهما كانت مساوئ الأسد، فإن الحفاظ على نظامه هو الضمانة الأفضل لتأمين مصالحهما في بلاد الشام. مشيرا إلى أن الأمور كانت تسير على عكس ما يريدون أكثر من مجرد الخسارة في الأراضي، فتركيز الغرب على الخسائر المدنية جراء غارات النظام الجوية، واحتمال وجود رئيس أمريكي أكثر تشددا في 2017، دفعت طهران وموسكو إلى التفكير بأن الفراغ في السياسة الغربية، الذي عمل إلى الآن لصالحهما، قد لا يدوم طويلا. ورأت روسيا أن هذه هي فرصتها لتأخذ زمام المبادرة.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن النتيجة هي أن روسيا أسقطت أي ذريعة للقيام بدور الوسيط، وانضمت إلى الصراع بشكل مباشر، وهدفها المباشر هو تقوية النظام ومساعدته على بسط نفوذه في الغرب السوري، بينما تضعف المعارضة التي تدعمها دول، وبالذات تلك المجموعة التي يمكن أن تتحالف مع أمريكا. وقد تقوم موسكو مثل دمشق، بضرب تنظيم الدولة لدعم روايتهما حول مكافحة الإرهاب، أو عندما يهدد التنظيم سيطرة النظام، ولكن سيبقى التركيز في الغالب في مكان آخر.
وتبين المجلة أن "موسكو قد تعتقد أنها قادرة على تحقيق ما حققته في الشيشان بقمع الثورة الإسلامية بوحشية، وفي الوقت ذاته الهروب من المهانة التي أصابتها في أفغانستان. صحيح أن المعارضة السورية لا تحظى إلا بداعمين كسالى، ليس كما كان حال المقاتلين الأفغان، ولكن سوريا لا تشبه الشيشان أيضا".
ويقول بونسي: "أولا: ليست هناك فرصة للتحالف مع المجتمعات التي يأتي منها الثوار، فبدلا من ذلك ربطت روسيا حظوظها في الميدان بنظام ينظر إليه في المناطق التي يسيطر عليها الثوار على أنه عدو خارجي ومحتل عندما يدخل منطقة للثوار. وهذه النظرة بالتأكيد ستكون أقوى عندما يكون المقاتلون أجانب، سواء كانوا من حزب الله أو من المليشيات الشيعية العراقية أو الأفغانية أو الإيرانية والآن الروس".
ويضيف الكاتب: "ثانيا: لم يحظ الثوار الشيشان بدعم خارجي، بينما يحظى الثوار السوريون بدعم خارجي، وإن لم يكن منسقا بشكل جيد. وربما تأمل روسيا بأنها بهذا التدخل بشكل قوي ستجعل واشنطن تخاف وتوقف دعمها للثوار، وفي الوقت ذاته تقنع الداعمين الإقليميين للثوار بأن الدعم لا يستحق التكلفة والمخاطر المتعلقة به".
ويفيد التقرير بأنه مع أن هذه الدول لا مانع لديها من التوصل إلى اتفاق مع موسكو من حيث المبدأ، إلا أنها غالبا ليس لديها استعداد لقبول اتفاق تكون فيه إيران والأسد في الصورة، وهما القوتان اللتان تعمق روسيا تعاونها معهما. لافتا إلى أن قرار روسيا بتركيز الغارات على المعارضة المتحالفة مع أنقرة والرياض والدوحة بدلا من تنظيم الدولة، سيؤدي إلى تشجيعهم على التصعيد بدلا من الاستسلام.
وتنوه المجلة إلى أن الغارات الروسية والهجوم البري، الذي تدعمه إيران، قد يؤديان، إن لم يتم التعامل معهما، إلى تحقيق أضرار خطيرة للمعارضة الرئيسة، التي يعتمد أي حل نهائي عليها. فبالإضافة إلى الخسائر البشرية التي قد تتكبدها هذه المعارضة، فإنها ستجد منافسة قوية على المقاتلين من تنظيم الدولة وجبهة النصرة اللذين يوظفان دخول روسيا وإيران بشكل سافر على الخط؛ لجذب المزيد من المقاتلين. وهذا الأمر لا يبدو أنه يقلق روسيا، التي تستثمر في استراتيجية النظام، وتهدف إلى شل المعارضة الرئيسة لتبقى في نظر الدول الغربية الوحيدة القادرة على محاربة تنظيم الدولة.
ويوضح الكاتب أن هذا هو السيناريو الذي يحاول مؤيدو المعارضة الإقليميون منع حدوثه. ويقول إنهم "لذلك سيرون سببا واضحا لزيادة دعمهم. كما يجب على تلك القوى إقناع الفصائل غير الجهادية بتشكيل معارضة واحدة قوية، تستطيع أن تجلس على طاولة المفاوضات. ومع سوء التنسيق وتراجع مصداقية أمريكا في معسكر المعارضة، فغالبا ما يوزع الدعم بشكل عشوائي".
وتخلص "فورين بوليسي" إلى القول: "إن كانت موسكو وطهران تأملان بأن تحصلا على تنازلات بدلا من تصعيد مقابل، فهما بحاجة إلى الرجوع عن موقفين أساسيين: استمرار حكم الأسد، وارتباط سوريا بمحور إيران إقليميا. وهذا ما يبدو غير متوقع، حتى عندما تجدان ثمن التدخل أكبر من المكاسب. وفي غياب تحول كامل في التوجهات الأمريكية، ستبدأ روسيا مرحلة جديدة في هذه الحرب، حيث ستكون التكلفة والمخاطر عالية للجميع، ولا تقدم احتمالا أفضل للتوصل إلى حل".