نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا لوزير الخارجية السابق ويليام هيغ، قال فيه إن أسوأ لحظة في الأربع سنوات التي قضاها وزيرا للخارجية، كانت في آب/ أغسطس 2013، عندما صوّت مجلس العموم ضد التدخل العسكري البريطاني في
سوريا. أي أن البرلمان قرر ألا يحرك ساكنا عندما واجه ديكتاتورا يستخدم العنف والأسلحة الكيماوية في مخالفة لقيم العالم المتحضر كلها.
وتحدث هيغ عن أسباب فشل مشروع التدخل أمام البرلمان، وقال: "كانت هناك أسباب كثيرة لهزيمة الحكومة في ذلك اليوم، وبينها توقيتنا لطرح الموضوع، ولكن الرسالة التي خرجت للعالم كانت هي أن
بريطانيا ليست القوة التي يتوقعها الأصدقاء أو يخشاها الأعداء. لقد كانت حلقة كارثية، شجعت نشوء التصور بأن الغرب يفتقر إلى القرار في التعامل مع الأزمة السورية".
ويشير التقرير إلى رد المعارضة السورية والكرملين، ويقول هيغ: "استاء المعتدلون السوريون، ولاحظ رجل يتقن حساباته في الكرملين باهتمام ما حصل. والآن وبعد عامين قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإطلاق صواريخ الكروز الموجهة، والإعلان عن ذلك؛ لبث دعاية تقول إنه رجل الفعل على عكس الغرب، الذي تردد في إطلاق صواريخه".
ويعتقد الكاتب أن "الغزو الروسي، وتنامي
تنظيم الدولة، وأزمة الهجرة، تشكل دليلا قويا على أن الوقوف جانبا من كارثة في الشرق الأوسط، مهما كان مغريا، ستكون نتيجته سير الأمور تجاه الأسوأ".
وتساءل المسؤول البارز في حكومة المحافظين قائلا: "لكن، ما هو الطريق الصحيح الآن؟ في الأسابيع الأخيرة راجت بين النواب والمعلقين الأمريكيين والبريطانيين فكرة الملاذات الآمنة للسوريين المحاصرين، التي لطالما سوقتها تركيا. ويستطيع الشخص أن يتفهم جاذبية مثل هذه الفكرة، حيث يستطيع الملايين اللجوء إلى مثل هذه الملاذات، حيث يكون الناس آمنين من الهجمات، ولا حاجة لهم للانتقال إلى بلدان أخرى، ويمكن حمايتهم دون الحاجة إلى تدخل عسكري أوسع".
ويرى هيغ أن الملاذات الآمنة ليست عملية، ويعلق بالقول: "لكن الحقيقة المحزنة هي أن هذا المقترح ليس عمليا في أفضل الأحوال، وخطير في أسوأ الأحوال، ولا يمكن أن يكون سوى لفت للأنظار عن إجراءات ضرورية للتخفيف من حالة البؤس. بعض مؤيدي الفكرة، مثل قيادة حزب العمال، يقولون يجب إنشاء هذه الملاذات الآمنة باتفاقية في الأمم المتحدة، ولكن ليس هناك أمل في مثل هذه الاتفاقية؛ لأن
روسيا ستمارس حقها في الفيتو، والدعوة لها كونها حلا ليست فقط مهربا من باب (علينا أن نفعل شيئا فلنفعل هذا)، بل وأسوأ من هذا (نحن بحاجة لقول شيء وهذا شيء نقوله").
ويتابع الكاتب: "يعتقد آخرون بأن القوة الجوية وحدها قادرة على حماية تلك الملاذات، وفي بالهم قصة النجاح في حماية الأكراد في العراق من السلاح الجوي البريطاني في أوائل التسعينيات. ولكن ذلك التدخل في عهد جون ميجور سيطر على أجواء منطقة معروفة جيدا، لم يكن بإمكان جيش صدام المحطم أن يهاجمها برا. أما في سوريا فإن هناك حاجة إلى عدد كبير من القوات البرية؛ لحماية أي ملاذ آمن من تسلل الإرهابيين، ومن القصف قصير المدى".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى دروس الماضي، ويقول هيغ: "يعلمنا التاريخ الحديث أن أكبر خطأ هو الإعلان عن وجود مناطق آمنة ثم الفشل في حمايتها، ففي البوسنة عام 1995 تم ارتكاب مذبحة بحق ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم في سربرنيتسا، التي أعلنتها الأمم المتحدة منطقة آمنة. هذه المأساة تذكرنا بأنه يجب عدم دعوة الناس إلى اللجوء إلى مكان، إلا بوجود قوات قادرة على حمايتهم في الظروف كلها".
ويضيف الكاتب: "في عالم مثالي يجب أن يستطيع مجلس الأمن تفويض حماية السوريين الأبرياء، ويتطوع عدد من الدول للقيام بالمهمة. ولكن للأسف، فإن العالم أبعد ما يكون عن هذه المثالية، ولذلك لن تكون فكرة الملاذات الآمنة حلا شافيا".
ويعترف هيغ قائلا: "لقد اختفت الخيارات السهلة كلها بالنسبة لسوريا منذ زمن بعيد؛ وقد جلست ساعات طويلة أناقش مع الروس عملية سلام يتم الاتفاق عليها، بينما كانت تتضاءل فرص تجنب نشوء حركات متطرفة وانهيار البلد. والآن يجب أن يكون هناك أربع أولويات، تتطلب كلها إصرارا ومثابرة".
ويجمل هيغ الأولويات الأربع في الآتي:
"أولا: أهم طريقة لمساعدة اللاجئين هي الاستجابة لنداء الأمم المتحدة لتقديم التبرعات لمساعدة الملايين منهم داخل سوريا وفي دول الجوار، وذلك لإيصال الطعام والماء والخيام والصرف الصحي، قبل أن يدخل شتاء جديد، حيث يبقى هناك عجز قيمته ثلاثة مليارات دولار، وقد دفع نصف ما تلقته الأمم المتحدة من بريطانيا وأمريكا، وهذا الأمر الذي لم يتنبه له القضاة المحترمون، الذين قالوا إن بريطانيا تفاعلت ببطء مع أزمة اللاجئين السوريين. وبالرغم من توجيه التهم لبريطانيا، لم يقم أي بلد أوروبي بما قامت به بريطانيا من مساعدة للاجئين في لبنان وتركيا والأردن وفي سوريا نفسها".
"ثانيا: يجب أن تركز المفاوضات في الأمم المتحدة على مستقبل سوريا، مثل كيف سيكون شكل الدستور، وكيف تتم حماية الأقليات، وكيف تستعيد استقلالها، بدلا من التركيز على ماذا يحصل للأسد أو غيره الآن. فالتوافق على تصور لمستقبل البلد هو الفرصة الضئيلة الوحيدة للتوصل إلى أرضية مشتركة، فإن تم التوصل إلى سلام، فإن الوقت كفيل بالتعامل مع
الأسد، فاتفاقية السلام التي تم التوصل إليها بشأن البوسنة ووقعت في دايتون، وقعها المجرم ميلوسوفيتش، وكان لا يزال حاكما، ولكن هذا لم يمنع من مثوله لاحقا أمام المحكمة الدولية في لاهاي".
"ثالثا: يجب تكثيف المساعدات من الغرب لمجموعات الثوار المسؤولة في ضوء التدخل الروسي. فمعظم السوريين ليسوا متطرفين، ومن الخطأ القول إن مستقبلهم إما مع ديكتاتور سفاح أو مع تنظيم الدولة. وما لم يعط المعتدلون دعما ومصداقية، لن يكون هناك سلام في أرضهم".
ويخلص هيغ إلى أن الأولوية الرابعة هي: "آن الأوان للمملكة المتحدة للانضمام للجهد العسكري ضد تنظيم الدولة في سوريا، بالإضافة إلى عملياتنا في العراق، فهذا تنظيم يهدد أمننا مباشرة، ولا يعترف بحدود في حملة القتل والاستعباد التي ينتهجها. فإن صوت أعضاء البرلمان مؤيدين ذلك، فسيكونون فعلوا ما هو ضروري للحفاظ على أمن البريطانيين في بلدهم، وسيساعد هذا في محو الانطباع الذي تركه تصويت عام 2013، من أن بريطانيا غير مستعدة للقيام بعمل في وجه الكوارث الدولية".