يرى مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، مايكل آيزنشتات، أن "استمرار الحرب الأهلية في
سوريا يؤدي إلى تحويل الجغرافيا السياسية الإقليمية، والتي يتجلى أحد آثارها الأكثر مأساوية على ما يبدو في توسيع موطئ قدم
إيران في شرق البحر الأبيض المتوسط وبلاد الشام".
وأشار آيزنشتات في ورقة بحثية له، إلى أن إيران التي ساندت نظام بشار الأسد في سوريا، ودفعت له المليارات وأمدته بالسلاح والعتاد والخبراء العسكريين، وأرسلت مقاتلي حليفها
حزب الله في لبنان فضلا عن المليشيات الشيعية العراقية، وضعت "الأساس لفرض تأثير طويل الأمد".
وقال: "لقد وضعت طهران الأساس لفرض تأثير طويل الأمد، ليس فقط من خلال إعادة تشكيل قطاع الأمن السوري بطريقتها، بل أيضا من خلال توفير مليارات الدولارات من النقد والنفط للنظام بينما تخترق المجتمع المدني والاقتصاد السوري. وفي هذا السياق، أفادت بعض التقارير بأن الكيانات الإيرانية تقوم بشراء العقارات وتؤسس الشركات وتتقدم بعطاءات للحصول على العقود الحكومية وتعزز التجارة لخلق شبكة من التبعية".
وحاولت السلطات الإيرانية، بحسب آيزنشتات، أن تضع يدها على الهندسة الديموغرافية (من دون جدوى)، عبر التفاوض على وقف إطلاق النار المحلي وتبادل السكان حول الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين. وباختصار، يبدو أن طهران تستخدم نفس قواعد اللعبة التي اتّبعتها لكسب النفوذ في العراق خلال العقد الأخير.
وأضاف أن المشورة التي تقدمها إيران ووجودها على أرض المعركة في سوريا قد أدى بشكل ملحوظ إلى زيادة دوائر اتصالاتها، بما في ذلك قطاعات أوسع نطاقا من "الجيش العربي السوري" و"قوات الدفاع الوطني".
وأشار إلى أن طهران جنّدت شبكة مليشيات شيعية عابرة للحدود تشكّل بشكل فعال "الفيلق الأجنبي" لإيران الذي يحارب الشبكات السنية لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة". لافتا إلى أن هذه الشبكة ستوفر قاعدة دعم خارجية للسياسات الإيرانية من لبنان إلى باكستان، كما أن الأصول التي رُفع التجميد عنها وفقا للاتفاق النووي مع "مجموعة الخمسة زائد واحد"، قد تعزز من جهود طهران للتجنيد لهذه الشبكة والحفاظ عليها ودعمها.
ويرى آيزنشتات أن بإمكان إيران استغلال موطئ قدمها في بلاد الشام في نهاية المطاف لإنشاء "فقاعة" تمنع الوصول على طول السواحل اللبنانية والسورية، وذلك باستخدام الفقاعة الروسية الأكثر قدرة حول طرطوس واللاذقية لحماية جهودها الخاصة.
وقال الباحث الأمريكي إن طهران قد تسعى إلى تعزيز نطاق قوتها الصاروخية وقذائفها وقوتها الضاربة عن طريق نشر بعض منها في سوريا (ولن يشكل ذلك سابقة من نوعها، إذ كانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قد نشرت صواريخ في الخارج خلال الحرب الباردة).
وأشار إلى أن إيران تملك مخزونا كبيرا جدا من الصواريخ بعيدة المدى، وربما آلاف الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى. وفي الوقت الحاضر، لا يمكن إلا لنصف هذه الصواريخ تقريبا أن تصل إلى إسرائيل (وادّعى أن مداها يصل إلى حَدّ 2000 كلم).
إلا أن أيا من هذه القذائف (يُزعم أن نطاقات بعضها 500 كلم) لا تمتلك هذه القدرة. ولكن إذا نشرت إيران أعدادا كبيرة منها في سوريا، فإن بإمكانها أن تطغى على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، الأمر الذي يمنح طهران خيارا مستقلا إذا حالت الظروف دون استخدام "حزب الله" لصواريخه الخاصة ضد إسرائيل في أي أزمة في المستقبل. إن نشر الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في سوريا يجعل وسط أوروبا ضمن نطاق الوصول الإيراني أيضا. وفي الوقت نفسه، قد تجدد طهران مخزونات الصواريخ المستنفدة لنظام الأسد لإعطائه قدرة انتقامية مستقلة.
وفي زاوية العمل مع
روسيا جنبا إلى جنب، قال آيزنشتات إنه "حتى وإن كان تعاون إيران مع روسيا محدودا، فإن التفاعل مع قوة عسكرية عظمى قد يسمح لها بتعلم الدروس الرئيسية واكتساب التكتيكات والتقنيات والإجراءات المتطورة. إلى جانب ذلك، فقد زادت إيران من ميزانيتها الدفاعية بنسبة 32.5 في المائة هذا العام، كما أن خبرتها في سوريا يمكن أن تؤثر على طريقة إنفاقها للجزء المخصص لشراء الأسلحة، والذي قد ينمو في السنوات المقبلة في إطار رفع العقوبات النووية عنها. هذا ويمكن للتعاون في سوريا أن يحفز عمليات بيع الأسلحة الروسية المتطورة إلى طهران".
وأشار في ختام ورقته إلى أنه "في الوقت الذي يُحتمل أن يكون فيه البرنامج النووي الإيراني مقيدا من الصفقة مع (مجموعة الخمسة زائد واحد)، فإن ضباط ساخطين من (الحرس الثوري) قد يمارسون الضغوط على النظام لمواصلة العمل في مواقع البحث والتطوير النووي في مواقع خارجية، بعيدا عن أعين المتطفلين من المفتشين الدوليين.
وقال إنه "في حين لا يُعرف عن مشاركة إيران وسوريا في تعاون نووي في الماضي، فإنهما قد تفعلان ذلك في المستقبل كما فعلتا في مجال الصواريخ. بيد، أن الطابع الملح لوضع المعركة ومدى تقلبه يجعلان هذا السيناريو غير قابل للتصديق في المستقبل المنظور، وهو الأمر في ما يتعلق بالمخاوف من أن يؤدي هذا التعاون إلى جلب انتباه روسيا (التي هي طرف في الاتفاق النووي) أو إسرائيل (التي هي في وضع أفضل للعمل ضد الأنشطة النووية في سوريا المجاورة من إيران البعيدة)".